الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقدير ثبوت المحذوف للترخيم
قال ابن مالك: (فصل: تقدير ثبوت المحذوف للتّرخيم أعرف من تقدير التّمام بدونه، فلا (يغيّر) على الأعرف ما بقي إلّا بتحريك آخر تلا ألفا وكان مدغما في المحذوف بفتحة إن كان أصليّ السّكون وإلّا فبالحركة الّتي كانت له خلافا لأكثرهم في ردّ ما حذف لأجل واو الجمع. ولا يمنع التّرخيم على الأعرف من نحو «ثمود» خلافا في التزام حذف واوه، ويتعيّن الأعرف في ما يوهم تقدير تمامه تذكير مؤنّث، وفي ما يلزم بتقدير تمامه عدم النّظير.
ويعطى آخر المقدّر التّمام ما يستحقّه لو تمّم به وضعا، وإن كان ثابتا ذالين ضعّف إن لم يعلم له ثالث وجيء به إن علم).
ــ
هذا ما ظهر لي في هذا الموضوع. والله أعلم بالصواب.
قال ناظر الجيش: قال المصنف (1): كون المحذوف في الترخيم منوي الثبوت شبيه بقولهم في جمع جارية: جوار ببقاء الكسرة دليلا على ثبوت الياء تقديرا، وأن الإعراب منوي فيها، وكون الباقي بعد الترخيم في حكم المستقل شبيه بحذف آخر المعتل الآخر وجعل ما قبله حرف إعراب كقولهم: يد ودم وجوار، ولا ريب في اطراد الأول وشذوذ الثاني؛ ولذلك كثر في الترخيم تقدير ثبوت المحذوف نحو قولك في حارث وجعفر وهرقل: يا حار ويا جعف ويا هرق. وقل فيه تقدير الاستقلال نحو قولك: يا حار ويا جعف و (يا) هرق. ونبهت بقولي:
فلا يغير على الأعرف ما بقى إلا بتحريك آخر ألفا وكان مدغما في المحذوف، على أن نحو مضار ويضار وأسحار أعلاما ترخم بحذف ثاني مثلهيا، ويبقى أولهما ساكنا وقبله ألف فلا بد من تحريكه لئلا يلتقي في الوصل
ساكنان على غير الشرط المعتبر، أعني كون الثاني مدغما في مثله، فيجب التحريك بالرد إلى الأصل في ما له حركة أصلية، فيقال في مضار المنقول من اسم فاعل: يا مضار وفي المنقول من اسم مفعول: يا مضار ويقال في المنقول من يضار (يا يضار) لأن أصله يضارر، -
(1) شرح التسهيل (3/ 424).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلو لم يكن للساكن حركة أصلية كأسحار وهو نبت حرك بالفتحة لمجانستها الألف ولأنها حركة أقرب المتحركات إليه. وإلى أسحار ونحوه أشرت بقولي: بفتحة إن كان أصلي السكون.
وأكثر النحويين يردون ما حذف لأجل واو الجمع فيقولون في ترخيم قاضون ومصطفون علمين: يا قاضي ويا مصطفا ويشبهونه برد ما حذف لأجل نون التوكيد الخفيفة عند زوالها وقفا كقول الواقف على هل يفعلن: هل يفعلون برد واو الضمير ونون الرفع لزوال سبب حذفهما وهو ثبوت نون التوكيد وصلا. وهذا التشبيه ضعيف؛ لأن الحذف لأجل الترخيم غير لازم فيصح معه أن ينوى ثبوت المحذوف، وحذف نون التوكيد الخفيفة لأجل الوقف لازم فلا يصح معه أن ينوى ثبوت المحذوف، واحتجوا أيضا بأن ياء قاضي وألف مصطفى حذفتا (لملاقاة) الواو، فإذا حذفت الواو للترخيم ردت الياء والألف، كما تردان إذا حذف المضاف إليه في نحو: إن مدمني البر وافروا الأجر (1) لأنهم لو لم يردا لكان حذفهما دون سبب.
وهذا الاحتجاج يستلزم أن يعاد إلى كل مغير بسبب إزالة الترخيم ما كان يستحقه لو لم يكن ذلك السبب موجودا أصلا، فكان يقال في ترخيم كروان وقروي: يا كرا ويا قرا قولا واحدا؛ لأن سبب تصحيح واوهما هو تلاقي الساكنين، وقد زال ومع ذلك يبقون الحكم المرتب عليه ليكون المحذوف منوي الثبوت، ولا فرق بين نية ثبوته ونية ثبوت سبب حذف ياء قاضون وألف مصطفون حين يرخمان.
فعلى هذا يقال في ترخيمهما على مذهب من ينوي المحذوف: يا قاض و (يا) مصطف بالضم والفتح ليدل بذلك على تقدير ثبوت المحذوف. وأما على مذهب من يجعل ما بقي مقدر الاستقلال، فيجوز أن يقال: يا قاضي ويا قاض ويا مصطفى ويا مصطف، ويقال ثمود على مذهب من ينوي المحذوف يا ثمو ولا يمنع منه عدم النظير، فسلامة واو بعد ضمه في آخر اسم عارض البناء؛ لأنها متأخرة في التقدير. ومنع ذلك الفراء لتأخرها لفظا ولم يعتد بتقدير الواو فيقول: يا ثم ولا يبالي ببقاء الاسم على حرفين؛ لأن ذلك عنده جائز (2).
(1) وانظره في التذييل (4/ 230).
(2)
راجع: الأشموني (3/ 177) وما بعدها والهمع (1/ 183، 184).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونبهت بقولي: ويتعين الأعرف في ما توهم تقدير تمامه تذكير مؤنث على أنه لا يرخم نحو عدة وضخمة إلا على لغة من ينوي المحذوف ويدع آخر ما بقى على ما كان عليه؛ لأنهما لو رخما على تقدير استقلال فقيل: يا عمرو يا ضخم لتبادر إلى ذهن السامع (أن) المنادى بين رجل اسمه عمرو، ورجل موصوف بالضخم، وذلك مأمون بأن ينوى المحذوف ويبقى الواو (و) الميم مفتوحتين. وكذلك ما أشبههما.
وكذلك يتعين الوجه الأعرف فيما لو رخم على تقدير التمام لزم منه استعمال ما لا نظير له، والإشارة بذلك إلى أمثلة؛ منها: طيلسان بكسر [4/ 213] اللام إذا سمي به ورخم، فيجب أن يقدر ثبوت ما حذف منه؛ لأنه لو قدر تامّا لزم وجود فعل بكسر العين مع صحتها وهو مهمل في وضع العرب. وذلك مأمون بترخيمه إلى الوجه الأعرف، أعني الترخيم على لغة من ينوي ثبوت المحذوف. ومثل طيلسان حدرية إذا سمي به ورخم، لا يرخم إلّا على لغة من ينوي ثبوت المحذوف، فيقال:
يا حدريّ يفتح الياء على تقدير (ثبوت الهاء) ولا يقدر التمام فيقال: يا حدري بالسكون لئلّا يلزم وجود اسم على فعلى وهو مهمل وضعا. ومما يجب ترخيمه على الوجه الأعرف: عرقوة علما فيقال فيه: يا عرقو على نية المحذوف ولا يرخم على تقدير التمام، لأن ذلك يوجب أن يقال: يا عرقي على فعلي بفتح الفاء وكسر اللام وهو مهمل وضعا كفعلي بكسرهما.
ومما يجب ترخيمه غلى الوجه الأعرف حبلوي وحمراوي علمين فيقال فيهما:
يا حبلو، ويا حمراو على نية ثبوت المحذوف لا على تقدير التمام، فإن ذلك يوجب (أن يقال): يا حبلى ويا حمراء بقلب الواو التالية اللام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وبقلب الواو التالية الألف همزة لتطرفها بعد ألف زائدة فيلزم من ذلك ثبوت ما لا نظير له، وهو أن ألف فعلى مبدلة من واو، وهي لا تكون إلّا زائدة غير مبدلة من شيء، وكون همزة فعلا مبدلة واو وهي لا تكون مبدلة إلّا من ألف.
ولاستيفاء الكلام على هذا وأمثاله موضع يأتي إن شاء الله تعالى. فإلي هذه المسائل ونحوها أشرت بقولي: وفيما يلزم بتقدير تمامه عدم النظير، ثم قلت: ويعطي آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا فنبهت بذلك على إظهار ضمته إن كان صحيحا كقولك في حارث وجعفر وهرقل: يا حار ويا جعف ويا هرق وعلى تقديرها إن كان -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
معتلّا كقولك في ناجية: يا ناجي بسكون الياء. والسكون فيها دليل على تقدير ضمتها وأن لغة تقدير التمام مقصودة؛ إذ لو كانت على اللغة الأخرى لفتحت الياء.
ونبهت بقولي أيضا: ويعطى آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا على أنه يقال في يا ثمود: يا ثمي فيفعل به من إبدال الضمة كسرة والواو ياء ما فعل بجر وحين قيل في جمعه: أجر. ونبهت بذلك أيضا على أنه يقال في كروان وصميان علمين:
يا كرا ويا صما فيعاملان معاملة عصا وهدى.
ونبهت بذلك أيضا على أنه يقال في علاوة وعناية: يا علا ويا عنا فيعاملان معاملة كساء ورداء وجراء وظباء. ثم قلت: وإن كان ثانيا ذا لين ضعف إن لم يعلم له ثالث وجيء به إن علم، فنبهت بذلك على أن لات إذا جعل علما ثم رخم على تقدير التمام حذفت التاء وضعفت الألف وحركت الثانية فانقلبت همزة فقيل يا لا وكان التضعيف مستحقّا لعدم العلم بثالث وكون الثاني (ذا لين) فلو كان الثاني ذا لين وعلم الثالث جيء به، والإشارة بذلك إلى ذات علما فإنه إذا رخم على تقدير التمام حذفت تاؤه وجيء به متمما فقيل: يا ذوا؛ لأن أصله ذوات ولذلك قيل في تثنيته: ذواتا. وقد قررت ذلك في غير هذا الباب.
ومن المنقوص الثنائي المعلوم الثالث: شاة فإن أصله شاهة، فاذا رخم على تقدير التمام قيل يا شاة، ولو رخم على تقدير ثبوت المحذوف لقيل: يا شا، ومنه قول من قال: يا شا أرحني. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (1).
وبعد: فأنا أورد من كلام أبي الحسن بن عصفور شيئا مما يتعلق بمسائل هذا الفصل قصدا للتنبيه على مزيد الفائدة.
وذلك أنه بعد أن ذكر أن الاسم يرخم على اللغتين، وذكر أن حكمه على لغة من لم ينو أن يقال: يا طفا ويا بقا ويا كرا ويا ثمي في طفاوة وبقاية وكروان (وثمود) أعلاما قال (2):
(1) انظر شرح التسهيل: (1/ 427).
(2)
لعل هذا - النص - من شرحه على الإيضاح، ومثله بتصرف وبتلخيص - في شرح الجمل (2/ 116، 117).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما من لا يقدر الاسم بعد الترخيم كاملا وينوي المحذوف فإنه يترك الاسم على حاله فيقول: يا طفاو، ويا بقاي، ويا كرو، ويا ثمو، هذا هو الجاري عندهم ولا ينكسر ذلك إلّا في مواضع:
منها: قاضون اسم رجل إذا رخمته على اللغتين قلت: يا قاض بلا خلاف، أما من لم ينو فأمره بين؛ لأنه إذا كان السبب في حذف الياء لحاق الواو والسبب في ضم الضاد لحاق الواو أيضا، فعندما زال ذلك عادت الياء. وأما من نوى فالذي يظهر أن يقول: يا قاض، ولا يرد الياء لأن الواو في نيته كما لا يعمل الواو في طفاوة.
ومنها: راد فقياس من نوى أن يقول: (يا راد) بسكون الدال وصلا لأن الحرف المدغم في نية التشبث بالحركة فلم يجمع بين ساكنين إلّا على الشرط، لكن قال النحويون: إنك تقول: يا رادّ بكسر الدال على هذه اللغة، وإنما تكسر لأنها حركة الأصل، وكذا تقول في ترخيم تضار: يا تضارّ بالضم لأن الكسر في الأول والضم في الثاني هما الحركتان الأصليتان، وإذا لم يكن له أصل في الحركة يفتح فتقول:
(يا) أسحار في أسحار.
ومنها: خمسة عشر فإنك تحذف العجز إذا رخمت، فقياس من نوى أن يقول إذا وقف: يا خمسة بالتاء المفتوحة؛ لأنها في نية الوصل لكن اتفقوا على أنك (تقول):
يا خمسه بالهاء الساكنة (1) قال: فلابد من تبيين هذه المسائل الثلاث ولولا إطباقهم عليها لأخذت بالظاهر فيها فكنت أقول: يا قاض ويا راد ويا خمسة وقفا.
ولكن ينبغي للإنسان أن يتهم نفسه ويجعل التقصير في حقه. والذي لاح بعد المطالبة الكثيرة [4/ 214] أن باب الترخيم كله محمول على غيره؛ لأنه لم يستقر له حكم فيحمل عليه غيره ألا ترى أن قولهم: يا طفا ويا كرا إنما هو مقيس على أبواب التصريف، فليقس كل لفظ على ما يشبهه من غير باب الترخيم. فيا قاض إنما يقاس على التقاء الساكنين، وموجب رفض التقاء الساكنين إنما كان اضطراريّا؛ لتعذر النطق به، فلما زال ما كانت الياء ذهبت لأجله زوالا غير عارض؛ لأنه زالت الواو وصلا ووقفا نظرنا (فوجدناهم) متى زال الموجب لأمر ما وصلا ووقفا ردوا ذلك -
(1) ينظر الكتاب (2/ 268، 269) وص فقد ذكرنا نص سيبويه - المتصل بهذا - هناك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المحذوف فقالوا: لم يخافا، وردوا الألف التي كانت إنما ذهبت لالتقائها مع الفاء الساكنة في لم يخف؛ لأن حركة الفاء في يخافا لازمة (وصلا ووقفا) فكذلك يقاس الترخيم على غيره؛ إذ مسائل الترخيم كلها محمولة على غير الترخيم. ونهاية الاعتراض هنا أن يقال: نية المحذوف هو رعيه فكيف أثبتم الياء مع رعي المحذوف، فكان الانفصال عن هذا أن يقال: الحذف في الترخيم عارض والعارض قد يراعى تارة ولا يراعى أخرى، فيقال: الحذف
هو القياس فكان القياس هنا مادام الحذف عارضا أن لا يعتدوا به وتبقى الياء محذوفة لكن اعتدوا بالعارض ليبقوا على ما استقر في كلامهم من رد المحذوف إذا زال موجب حذفه وصلا ووقفا.
وهذا لم يثبت غيره في موضع من المواضع. فالأولى أن لا يخالف ويرتكب معه الوجه الأول في رعي المحذوف؛ لأنهم يرعونه كيفما كان.
وكذلك يا راد حملهم على الكسر أنه لم يستقر في كلامهم الجمع بين الساكنين بهذا الشرط وهو نية التشبث بالحركة فالأولى ألّا يكسر هذا وأن يرتكب أن ذلك المنوي لا يراعى؛ لأن من كلام العرب عدم الرعي كما ذكرت لك. ومما يقوي ذلك قوله تعالى: مالِيَهْ 28 هَلَكَ (1) بإثبات الهاء. فإذا كانوا لا يراعون هذا الوصل الملفوظ به فالأحرى والأولى أن لا يراعى ما هو منوي وغير منوي وغير ملفوظ به. قال: فهذا وجه الانفصال عما اعترضنا به أولا. وأما يا خمسة عند الوقف، فإنك كيف ما كنت واقف ولا بد والعرب لا تقف على اللغة الشهرى بالتاء ولا تقف بالحركة وصلا. فلهذا لم يراع المحذوف؛ لأنهم قد لا يراعون الملفوظ كما قلنا، فالأحرى هذا إذا أدى رعيه إلى الخروج عن مهيع كلام العرب. فإن قيل: هلا قال من لغته أن ينوي في ثمود يا ثمي؛ لأن يا ثمو خروج عن كلامهم فلا ينبغي أن يراعى ذلك المحذوف؛ لأنه يؤدي إلى ما لم يوجد. فالجواب: أن الواو المتطرفة المضموم ما قبلها لم تمتنع لذاتها، وإنما امتنعت لما يؤدي إليه ذلك من لحاق ياء الإضافة وياء النسب فيكثر الثّقل وأنت في حال الترخيم قد أخذت الأمن من ذلك فلا يعبأ بها فرعي المحذوف إذا هنا ممكن. وكذلك أيضا يمكن في كروان وطفاوة رعي المحذوف، ولا يؤدي إلى مثل المسائل الأول؛ لأن تحريك الواو وانفتاح ما قبلها -
(1) الحاقة: (28، 29).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عارض فصار بمنزلة حيل لا يلتفت إلى العارض فيها، فكذلك لم يلتفت هنا إلى حذف الألف والنون فحملت الشيء على نظيره. وكذلك طفاوة لأن هذا الإعلال عارض فلا ينبغي أن يلتفت إليه أصلا فاحتملت الواو طرفا (1). انتهى.
وقوله: إنك تقول في قاضون اسم رجل على اللغتين: يا قاضي بلا خلاف يخالف ما أورده المصنف؛ لأن كلامه صريح في أن المسألة خلافية إذ قال: خلافا لأكثرهم في رد ما حذف لأجل واو الجمع؛ لأن مقتضاه أن الأقلين لا يردون. ثم قد رأيت جنوح بحث ابن عصفور إلى ما اختاره المصنف من عدم الرد حيث قال:
والذي يظهر أن يقول من نوى ثبوت المحذوف: يا قاض ولا يرد الياء؛ لأن الواو في نيته كما لا تعلّ الواو في طفاوة (2).
فوافق ما اقتضاه نظره اختيار المصنف وهو عدم الرد.
ولا شك أن الخواطر السليمة تتوارد على ما هو الحق. إلا أن ابن عصفور قصر الحكم في ما يحذف منه واو الجمع على قاضون. وعبارة المصنف شاملة لكل معتل حذف آخره لأجل واو الجمع. ثم إن ابن عصفور ضم إلى مسألة قاضون المرخم مسألة راد وخمسة عشر إذا رخما كما عرفت. وقال: ولولا إطباقهم عليها لأخذت بالظاهر فيها، فكنت أقول: يا قاض ويا راد ويا خمسه وقفا كأنه يعني بعدم الرد في الأولى وبالسكون في الثانية وبالتاء غير مبدلة هاء في الثالثة. ثم إنه تأدب حيث قال بعد ذلك:
ولكن ينبغي للإنسان أن يتهم نفسه ويجعل التقصير في حقه، وذكر ما لاح له بعد المطالبة الكثيرة. وما ذكره من التقرير كلام حسن إلا أنك:
قد عرفت بحث المصنف مع القائلين بوجوب رد ما حذف لأجل واو الجمع وجوابه عما استمسكوا به في ذلك، وعلى الناظر أن يتأمل ويعمل بما ترجح عنده.
وقد بقيت الإشارة إلى مسائل:
الأولى:
أن ابن عصفور لم يقتصر في شرح الإيضاح على مسألة قاضون المرخم بل طرد -
(1) ينظر - في ذلك - شرح الجمل لابن عصفور (2/ 116، 117).
(2)
شرح الجمل (2/ 116، 117) وقد تقدم قريبا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك، أعني رد المحذوف على لغة من ينوي في كل اسم حذف منه قبل الترخيم حرف لالتقاء الساكنين، وذكر لذلك مثالين أحدهما: أعلون إذا سمي به ورخم، فإنه يقال فيه: يا أعلي برد الألف كما ردت الياء في يا قاضي لزوال موجب حذفهما في الكلمتين. ثانيهما: ناجي اسم رجل فإنه يقال فيه إذا رخم: يا ناج لأن ياءه إنما [4/ 215] كانت حذفت لملاقاتها الياء الساكنة المدغمة في مثلها، فبزوال الياء المشددة ردت الياء لأن حذفها كان لالتقاء الساكنين وقد زال. فلا فرق بين يا قاضي يا أعلى ويا ناجي بالنسبة إلى رد المحذوف، إلا أنك في يا قاضي تعيد الضاد إلى الكسر لزوال موجب الضم، وفي يا أعلى تبقى اللام على فتحها، وفي يا ناجي تبقي الجيم على كسرها.
أما لو لم يكن الحرف المحذوف حذف لالتقاء الساكنين بل كان حذفه لغير ذلك فانه لا يرد في الترخيم على لغة من
نوى، كما إذا سميت بحبارى وحبنطى ثم رخمت فإنك تقول: يا حبار ويا حبنط، ولا ترد الألف فيهما، لأنها إنما حذفت من أجل ياء النسب لما علم أن الألف الخامسة في الاسم المنسوب يجب حذفها ولا يتوهم أن الحذف منهما لالتقاء الساكنين.
إذ لو كان الحذف لذلك لبقي الفتح - يعني فتح الراء والطاء - من الكلمتين المذكورتين كما أبقيت اللام مفتوحة في يا أعلون، ثم قال ابن عصفور: فإن قال قائل: فهل يلزم في محمر وأمثاله، ورحوى وأمثاله إذا سمي بها ثم رخمت على لغة من نوي رد المحذوف أن يكون من قبيل ما لا يترك فيه ما بقي بعد الحذف على ما كان عليه قبل الحذف من الحركة أو السكون من جهة أن الأصل في محمر محمرر، إلا أنك سكنت الراء الأولى لأجل إدغامها في الثانية، فإذا زالت الراء الثانية بالترخيم وجب أن ترجع إلى أصلها من التحريك فيقال: يا محمر لزوال موجب تسكينها (وتنوي) الإدغام وكذلك الواو أيضا في رحوي هي ألف رحى إلّا أنها قلبت واوا وحركت (بالكسر) لأجل ياء النسب، فإذا زالت ياء النسب بسبب الترخيم وجب أن ترد إلى أصلها فيقال: يا رحى لزوال موجب قلبها واوا وكسرها. وكذلك:
عدوي فإنه منسوب إلى عدي حذفت الياء الأولى كما في النسب إلى على وغنى فبقى على فعل فنسب إليه كما نسب إلى عم فحركت عينه بالفتح، فقلبت ياؤه ألفا -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار عدى كرحى ثم فعل به ما فعل برحى من قلب الألف واوا وكسرها بعد ذلك لأجل ياء النسب فقلبت عدوى.
فإذا رخمت حذفت ياء النسب، وبعد الحذف إما أن ترد الكلمة إلى أصلها الأول فتقول: يا عدي لزوال موجب (تغيره) وهو ياء النسب أو إلى أصله الأقرب فتقول يا عدا فترد الياء إلى أصلها وهو الألف لزوال موجب قلبها، وكيفما فعلت فقد تغير ما بقي بعد الحذف عما كان عليه قبل الحذف من الحركة أو السكون.
فالجواب: أن جميع ذلك إذا رخم على لغة من نوى ترك ما بقي منه بعد الحذف على ما كان عليه قبل الحذف من الحركة أو السكون. فنحو (محمرّا) إذا رخم يبقى على سكونه. تجريه في ذلك مجرى ما ليس الأول من المثلين فيه متحركا في الأصل نحو أشكر وأترح، وسبب ذلك أن الراء الأولى وإن كان أصلها الحركة فإنها لم ينطق بها على أصلها من الحركة؛ لأنهم لم يقولوا محمرر في حال من الأحوال، فلما كان التحريك أصلا مرفوضا لم يردوا الكلمة إليه. وإذا رخمت رحويا اسم رجل على لغة من نوى رد المحذوف قلت: يا رحو ولم ترد الواو إلى أصلها فتقول:
يا رحى لأنها في الأصل ألف منقلبة عن ياء متحركة بحركة الإعراب فإذا نسبت زالت تلك الحركة التي كانت في
الياء التي انقلبت عنها الألف، وإذا زالت تلك الحركة التي انقلبت الياء من أجلها ألفا بسبب النسب لم يتصور رد الألف التي كانت منقلبة عن الياء ولا يتصور أيضا أن تقلب الواو من قولك: يا رحو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ لأن الاسم إذا رخم على لغة من نوى حكم له بحكمه لو كان غير مرخم، فكما تثبت الواو المكسورة في رحويّ قبل الترخيم ولم تقلب ألفا، فكذلك لا تقلب إذا رخمت وأنت تنوي رد المحذوف، بل تثبتها على ما كانت عليه قبل الترخيم. وإذا رخمت عدويّا على لغة من نوى رد المحذوف لم ترده إلى أصله فتقول: يا عدي، لأن ياء النسب لم تلحقه وهو باق على بنائه الأصلي، وإنما لحقته بعد أن رد إلى مثال فعل؛ فإذا حذفت الياء وأنت تريدها فإنما يجب أن ترد إلى الاسم الذي حذفتها منه ما كان موجودا في البناء الذي لحقته ياء النسب، ولم ترده إلى أصله الأقرب فتقول: يا عدى وسبب ذلك أن الواو من عدوي وإن كان أصلها ألفا فإنها لم ينطق بها على أصلها. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلما كانت الألف أصلا مرفوضا لم يردوها في حال الترخيم على لغة من نوى انتهى كلامه رحمه الله تعالى (1).
والذي تلخص منه أولا، وآخرا:
أن الاسم المرخم على اللغة الشهيرة وهي لغة من ينوي المحذوف أي يقدر ثبوته لا يغير عما كان عليه قبل الحذف إلا في موضعين: أحدهما أن يؤدي بناؤه على ما كان عليه إلى الجمع بين ساكنين فيغير بتحريك الآخر كما في أسحار وياراد ويا مضار ويا تضار.
ثانيهما: ما حذف منه حرف ساكن (لالتقائه) مع ساكن آخر قبل الترخيم، فإذا زال الساكن الثاني للترخيم لا يبقي الاسم على حاله بل يرد إليه الساكن الأول الذي كان قد حذف، وذلك كما في يا قاضي ترخيم يا قاضون ويا أعلى ترخيم يا أعلون، ويا ناجي ترخيم [4/ 216] يا ناجي. لكن قد عرفت اختيار المصنف في يا قاضي أنه لا يرد الياء حيث قال: خلافا لأكثرهم في رد ما حذف لأجل واو الجمع. ومقتضى عدم رده الياء في يا قاض أن لا يرد الألف في يا أعلون ولا الياء في يا ناجي إذا رخما.
وأما عدم التغيير في غير هذين الموضعين بعد الترخيم فالظاهر أنه لا يحتاج إلى الاعتذار عنه؛ لأن المحذوف اذا كان مقدر الثبوت وجب أن يبقى ما قبله بحاله ولا يتعرض إليه بتغيير، وعلى هذا فما ذكره ابن عصفور من تعليل عدم التغيير في محمرّ ورحوى وعدوى إذا رخمت مستغنى عنه. ويظهر من قولنا إن المحذوف إذا كان مقدر الثبوت وجب أن يبقى ما قبله بحاله ولا يتعرض إليه بتغيير - إن الذي اختار المصنف في مسألة قاضون إذا رخم من عدم رد المحذوف على لغة من ينوي ما حذف هو الحق. وعلى هذا:
فالتغيير بعد الحذف في أسحار وراد ومضار ومضار وتضار إنما هو لأمر آخر وهو الفرار من اجتماع ساكنين
في الوصل.
الثانية:
أن المصنف قال: إن الترخيم على الوجه الأعرف يتعين في صور منها ما يوهم -
(1) كان الكلام السابق لابن عصفور في شرحه على الإيضاح كما نبه عليه ناظر الجيش. وانظر - كذلك - شرحه على الجمل (2/ 117) وما بعدها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقدير تمامه تذكير مؤنث نحو عمرة وضخمة، فمثل بالاسم والصفة والجماعة، أعني المغاربة يقدرون ذلك بكونه صفة. قال ابن عصفور بعد أن ذكر من رخم قد ينوي المحذوف وقد لا ينوي، واللغتان مطردتان في جميع الأسماء المرخمة، إلا أن يكون صفة فيها تاء التأنيث، فإنها لا ترخم إلّا على لغة من نوى خاصة (1).
وقال ابن الضائع: لغة من لم ينو جارية في كل المرخمات إلّا الصفات التي فيها تاء التأنيث كذاهبة ومنطلقة (2)، ومن ثم قال الشيخ: شمل كلام المصنف العلم والصفة وشيوخنا فصلوا في ذلك فلم يعتبروا اللبس في الأعلام واعتبروا ذلك في الصفات (3) انتهى.
والذي يظهر أن كون ذلك في الصفات المذكورة هو الأكثر والغالب؛ لأن الموجب له إنما هو خوف التباس المؤنث بالمذكر وهذا لا يجيء في الأعلام فإذا قيل:
يا حمز ويا طلح دون نية المحذوف وجعلناهما اسمين تامين لا يرتاب أن الأصل حمزة وطلحة إذ ليس في الأسماء حمز وطلح. ولهذا قال المصنف في الخلاصة:
والتزم الأوّل في كمسلمه
…
وجوّز الوجهين في كمسلمه
إذ ليس في الأسماء مسلم فإذا اتفق في بعض الأسماء موافقة ما بقى منه بعد حذف التاء للترخيم لاسم مستعمل وجب أن يكون حكمه حكم الصفات التي ترخم بحذف (التاء في) أنه لا يرخم إلا على لغة من ينوي المحذوف وذلك كالمثال به المصنف وهو عمرة فإنه لو رخم على لغة من لا ينوي المحذوف لحصل الإلباس الذي فرضة في ترخيم الصفات وعلى هذا لا ينبغي التقيد بكون الاسم صفة بما يوهم تقدير تمامه تذكير مؤنث كما قال المصنف. ومنها ما يلزم من تقدير تمامه عدم النظير كما في طليسان وحدرية وعرقوة وصلوى وحمراوي إلا أن المصنف لم يشعر كلامه أن في مثل ذلك خلافا.
لكن قد أشار إلى ذكر الخلاف ابن عصفور فقال في شرح الإيضاح وزعم المبرد والأخفش أنك تقول في ترخيم
صلوى على لغة من ينوي يا حبلو. قالا ولا يجوز ترخيمه على لغة من لم ينو لأن ذلك يؤدي إلى انقلاب الواو ألفا وألف فعلى لا تكون -
(1) شرح الجمل (2/ 120، 121).
(2)
في شرحه على الجمل اللوحة: 59.
(3)
التذييل (4/ 231).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلا للتأنيث فلا يجوز أن تكون منقلبة عن شيء (1). قال. وكذلك أجازا هما المازني ترخيم طيلسان في لغة من كسر اللام على لغة من نوى ولم يجيزا ترخيمه (على لغة) من لم ينو لأن فيعلا صحيح العين لا يكون في الأسماء الكاملة. قال وكذلك زعم ابن الدهان في الغرة له أن بعض النحويين أجاز أن يرخم سفرجل على لغة من لم ينو فيقال: يا سفرج، وزعم أن ذلك باطل؛ لأنه لا يوجد في الرباعي الأصول ما هو فعل (2).
قال: وأجاز السيرافي الترخيم على اللغتين في هذه الأسماء الثلاثة وأمثالها، وزعم أن العرب لا تشترط أن يكون ما بقي بعد الترخيم في لغة من لم ينو الرد على أبنية كلامها؛ لأنه شيء عرض في الكلام وليس ببنية أصلية (3). قال: ويقال للمحتج عن صاحب هذا المذهب: أخبرنا عن حار من قولك: يا حار ما وزنه فإن قال فاعل على أصله قبل الترخيم. قيل له: فما أنكرت أن يكون طيلس وزنه فيعلان على أصله قبل الترخيم وهو طيلسان. وإن قال: وزنه فاع قيل له: فلم قلت: يا حار وليس في الكلام فاع. قال - يعني السيرافي: والقول في مثل هذا أن (لا يعتد ب) الوزن في ما بقي لأنه ليس بالأصل الموضوع في بنية تلك الكلمة وتعتبر الحروف، فإذا وقعت في موضع يستمر الحكم في تغييرها غيرت.
قال ابن عصفور: وهذا القول أخذه المبرد عن المازني، وذلك أن المازني قال:
سألت الأخفش: كيف ترخم طيلسان اسم رجل في لغة من من كسر اللام على قولك: يا حار؟ فقال يا طيلس: قلت: أرأيت فيعلا اسما قط في الصحيح؟ إنما يوجد هذا في المعتل كسيد.
فقال: قد علمت أني أخطأت. لا يجوز ترخيمه إلّا (على) قول من قال: يا حار.
قال ابن عصفور: والصحيح عندي أن الترخيم على لغة من لم ينو الرد في حبلوي وطيلسان وأمثالهما لا يجوز، وأنه في سفرجل وأمثاله جائز والفرق [4/ 217] بين الصفتين أن المحذوف من حبلوي وطيلسان ليس من أصول الاسم، ومع أنه ليس من -
(1) المقتضب (4/ 4، 5، 234) والرضي (1/ 141) والشجري (2/ 98، 99).
(2)
الارتشاف (3/ 160) والتذييل (4/ 233).
(3)
شرح السيرافي في على الكتاب (3/ 64 / أ) والأشموني (3/ 183).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصوله فإنك لم تنوه بدلالة بنائك ما بقي على الضم، وإذا كان كذلك لم يلتفت إليه في وزن الاسم؛ لأنه ليس من أصوله، فتكون الكلمة مفتقرة إليه ولا نوي ردّه فلم يكن لاعتباره في الوزن وجه، بل المعتبر في الوزن ما بقي بعد الحذف. وأما سفرجل وأمثاله فإن المحذوف منه أصل والاسم مفتقرا إلى ما هو أصل منه، فلم يكن بد من اعتبار المحذوف في الوزن كما أن المحذوف من يد ودم وأشباههما معتبر في الوزن.
هذا ما قاله في شرح الإيضاح.
وكلامه في شرح الجمل يخالفه فإنه قال فيه: والصحيح الجواز - يعني ترخيم طيلسان - بكسر اللام على لغة من لم ينو؛ لأن الأوزان لا تراعى في الترخيم بدليل قولهم يا حار (1).
وكلام ابن أبي الربيع يوافق ظاهره ما قاله ابن عصفور في شرح الجمل؛ لأنه بعد أن ذكر أن ثم خلافا في ما إذا حذف آخره لم يبق له نظير - هل يرخم على لغة من لم ينو سفرجل، فإنه إذا رخم يصير بوزن فعلّ. ومثل جعفر لم يأت في الكلام.
قال: وظاهر كلام سيبويه أن هذا النوع يرخم على لغة من لم ينو ولا يبالى بعدم النظير؛ لأنه أمر عارض (2) انتهى.
وقد تبين أن الذي ذكره ابن عصفور في شرح الإيضاح موافق لما ذكره المصنف.
المسألة الثالثة:
استثنى ابن عصفور من قول النحاة أن آخر المرخم يضم على لغة من لم ينو مسألة. فقال: إلا أن تصفه بابن وتتبع حركة الآخر فتحه في نون ابن.
فإن الآخر إذ ذاك يكون مفتوحا لا مضموما نحو قولك: يا حار بن عمرو تريد يا حارث بن عمرو، ومن ذلك قوله:
3505 -
وهذا ردائي عنده يستعيره
…
ليسلبني نفسي أمال بن حنظل (3)
-
(1) شرح الجمل (2/ 120 - 121).
(2)
التذييل (4/ 232) والكتاب (2/ 241).
(3)
من الطويل للأسود بن يعفر - التصريح (2/ 190) والشجري (1/ 127، 2/ 89) والكتاب (1/ 332) والمخصص (14/ 195) والنوادر (ص 159).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في رواية من روى أمال بفتح اللام. وقال مبرمان (1): وبفتحها قرأت على أبي العباس المبرد ولا يتصور هذا الإتباع في لغة من رخم ونوى؛ لأن حركة آخر ما بقي في هذه اللغة محكوم له بحكم حركة ما هو حشو، وحركة ما هو حشو لا تتبع حركة النون من ابن (2). هذا كلامه. واقتفى الشيخ هذا الكلام فقال في قول المصنف أنه نبّه بقوله: ويعطى آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا على إظهار ضمته إن كان صحيحا: «وينبغي أن يزيد إلا أن تصفه بابن وتتبع حركة الآخر الفتحة في نون ابن، فإن الآخر إذ ذاك يكون مفتوحا لا مضموما (3). انتهى.
وما قاله ابن عصفور كلام عجيب؛ لأن المراد من قولنا: يتبع الآخر حركة نون ابن الذي هو صفة - أننا نترك الضمة ونفتح لقصد الإتباع، فالإتباع عند قصده معاقب للضمة ولا يتصور وجودها معه؛ لأننا إما أن نضم، وإما أن نتبع، وإذا كان كذلك فمعنى كلامه: يضم الآخر إلّا أن يفتح للإتباع فلا يضم. ولا شك أننا متى فتحنا للإتباع امتنع الضم قطعا. فأي فائدة لقوله: إلّا أن تصفه بابن، وتتبع حركة الآخر في نون ابن.
وكما يتعجب من ابن عصفور في ما ذكره يتعجب من الشيخ أيضا كيف أقرّه عليه، ثم استدرك به على المصنف.
الرابعة:
لا التفات إلى قول من منع نعت المرخم معتلّا لذلك بأن الاسم المرخم يختص بالنداء نحو فل، وفسق، وفساق. لا ينعت لأن الاسم المرخم لم يكن مختصّا بالنداء، إنما المختص بالنداء هو الترخيم، فالاسم إذا لم يكن مرخما يستعمل في النداء وغيره.
نعم إذا رخم اختص بالنداء من أجل أن الترخيم في غير ضرورة إنما يكون في -
(1) محمد بن علي بن إسماعيل العسكري أبو بكر من كبار علماء العربية من بغداد أخذ عن المبرد والزجاج وعنه الفارسي والسيرافي له شرح شواهد سيبويه وغيره (ت 345 هـ) الأعلام (7/ 158) والبغية (ص 74) ومفتاح السعادة (1/ 137).
(2)
الأشموني (3/ 183) والهمع (1/ 184) وما بعدها وشرح الجمل (2/ 93، 96).
(3)
التذييل (4/ 232).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النداء وقد قال سيبويه: ألا ترى أن من قال: يا زيد الكريم قال: يا سلم الكريم (1)، ثم قد تقدم في البيت المتقدم الإنشاد أمال بن حنظل، وقال آخر:
3506 -
أحار بن بدر قد وليت ولاية
…
فكن جرذا فيها تخون وتسرق (2)
الخامسة:
قد عرفت معنى قول المصنف: ويعطى آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا وأنه نبه بذلك على إظهار الضمة إن كان صحيحا نحو: يا حار، ويا جعف، ويا هرق، وعلى تقديرها إن كان معتلّا نحو: يا ناجي بسكون الياء ترخيم ناجية وعلى أنه: يقال في كروان، وصميان علمين: يا كرا ويا صما، وعلى أنه يقال في علاوة، وعناية: يا علا ويا عنا، فيعاملان معاملة كساء، ورداء وجرا؛ وظباء.
ولا شك في وضوح ذلك، لكن ذكر ابن عصفور مسألة كأنه كالمستثنى لها من هذا الحكم، وهي أنك تقول في ترخيم (غاو) اسم رجل على لغة من ينوي (يا غاو) مبقيا الواو على كسرها، و (على) لغة من لم ينو: يا غاو قال: فتضم الواو ولا تقلبها همزة، يعني كما في كساء قال: وذلك لأمرين: أحدهما: أن الاسم المذكور معل بحذف لامه للترخيم فلم يجز لذلك أن تعل عينه لما في ذلك من توالي إعلالين وهو غير جائز في كلامهم، ومن ثمّ قالوا: طوى فأعلوا اللام ولم يعلوا العين، بل أجروها مجرى الصحيح لما قلناه. والآخر: أنك لما رخمت فقلت:
يا غاو ولم تنو المحذوف بقي الاسم على ثلاثة أحرف، والاسم التام إذا كان على ثلاثة أحرف وكان آخره واوا قبلها ألف صحت الواو منه ولم تقلب همزة نحو واو، وكذا الحكم في ترخيم ها وعلى اللغتين. انتهى (3).
وفي الأمرين اللذين ذكرهما نظر.
أما توالي إعلالين فإنما يمتنع حيث يتوافق الإعلالان كما لو أعل نحو طوى وهوى، -
(1) الكتاب (2/ 241، 242) - هارون.
(2)
من الطويل لأنس بن أبي إياس - الأشموني (3/ 174) والبلدان: سرق، والدرر (1/ 159) والهمع (1/ 183).
(3)
نقل من شرح الإيضاح المفقود ومما بين قيمة شرح التسهيل لناظر الجيش (يوجد من شرح الإيضاح أربعون لقطة في تركيا من أول الكتاب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أما حيث يختلفان فتواليهما غير ممتنع كما في ماء، وأما صحة الواو في واو فسببه أن الألف التي قبلها أصلية، أي (غير)(1) منقلبه عن أصل، والواو الواقعة طرفا بعد ألف إنما تقلب همزة إذا كانت الألف زائدة. وعلى هذا فكلمة
واو ليس فيها موجب إعلال فتعل [4/ 218] بخلاف غاو لكن الألف الواقعة قبل الواو زائدة.
والذي يظهر أن الموجب لسلامة الواو في غاو المرخم على لغة من لم ينو أن الواو ليست في الحقيقة طرفا؛ لأن غاويا المسمى به منقول من اسم فاعل من غوي؛ فلابد أن تكون الياء المحذوفة في الترخيم مرادة قطعا؛ لأن الاسم لا يتم بدونها، وإذا لم تكن طرفا كانت حشوا فيمتنع إعلالها لا يقال: الترخيم المفروض الآن في يا غاو إنما هو على من لم (ينو) المحذوف؛ لأنا نقول: المراد بقولهم: لا ينوى أنه لا ينوى لفظا بل بغرض كأن الاسم إنما ختم بالحرف الذي قبل الحرف الذي حذف للترخيم ليعامل المختوم به معاملة الحرف الذي حذف فيضم للبناء كما كان المحذوف يضم له. ولهذا يصرحون فيقولون: لا ينوى رده إما أنه لا ينوى وجوده (فهذا) مستحيل وإذا كان منويّ الوجود ثبت ما قلناه.
وقوله: إن الاسم المذكور مثل محذوف منوي الوجود إذ لو كان حذفه نسيا منسيّا لم يكن في قلب الواو همزة توالى إعلالين. وإذا تقرر هذا لم يناسب قوله أن صحة الواو في يا غاو كصحتها في واو؛ إذ الألف في غاو محكوم بزيادتها (والألف) واو محكوم بأصالتها.
السادسة:
قد عرفت أيضا ما أراد المصنف بقوله: وإن كان ثنائيّا ذالين إلى آخره، وما شرح به كلامه، وقد تعرض ابن عصفور إلى ذكر كلمات أخر غير ما ذكره المصنف، فقال بعد ذكر رد المحذوف من شاة إذا رخم على لغة من لم ينو الرد (2): وتقول في ترخيم شية على لغة من لم ينو يا شي أقبل (فترك) ما بقي على ما كان عليه قبل الحذف وعلى لغة من لم ينو يا وشي أقبل في قول الأخفش؛ لأن أصلها فعلة -
(1) لا بد منها. إذ الألف منقلبة عن غيرها في الفعل المتصرف والاسم المتمكن وهي أصلية في الفعل الجامد والاسم المبني والحروف؛ إذ إنه لا تصريف في الأخيرة نصل عن طريقه إلى أصل الألف.
(2)
نقل طويل من شرح الإيضاح لابن عصفور (مفقود).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والذاهب الواو من وشيت وعلى قول سيبويه يا وشي أقبل فترد الواو وتدع الشين على حركتها ولا تردها إلى أصلها من السكون؛ لأن المقصود برد الواو المحذوفة إنما هو تقوية الكلمة فلو رددتها وحذفت الحركة من الشين لكونها كانت ساكنة قبل الحذف لكنت بمنزلة من لم يرد شيئا من جهة أن الحركة حكموا لها بحكم الحرف في مواضع من كلامهم بدليل التزام حذف ألف جمزى في النسب حيث قالوا:
جمزي، كما التزموا حذف الألف الخامسة نحو قرقريّ في النسب إلى قرقرى، ولا يفعلون ذلك في حبلي وأمثاله، وكذا تجويزهم صرف هند لسكون وسط الكلمة بخلاف سقر للحركة، ثم قال:
والصحيح يعني في المسألة مذهب سيبويه بدليل قولهم يديان بتحريك الدال ولم يردوها إلى أصلها من السكون. والدليل على سكونها في الأصل قولهم في الجمع أيد.
ولا يستدل لأبي الحسن بقول الشاعر:
3507 -
لا تقلواها وادلواها دلوا
…
إنّ مع اليوم أخاها غدوا (1)
فيقال: قد سكنت الدال لما رد المحذوف؛ لأنا نقول إن غدوّا جاء على أصله، وغير محذوف منه، ولم يقم دليل على أن غدوّا ردت إليه الواو بعد حذفها. انتهى.
ولك أن تقول: إن التعليل الذي ذكره لبقاء الشين على حركتها بعد رد الواو غير ظاهر.
وبيان ذلك: أن الحركة التي حكم لها بحكم الحرف - يعني في النسب - ومنع الصرف حركة أصلية بخلاف حركة الشين في شيه، فإنها حركة الفاء، فلما حذفت الفاء حركت العين بحركتها كأنهم قصدوا بذلك الدلالة على أن الحرف الذي حذف كانت حركته كسرة، فالفاء إذا عادت إنما تعود بحركتها التي كانت لها قبل الحذف. ولا شك (أنه) يلزم من ذلك ردّ العين إلى أصلها من السكون.
فأما بقاؤها على حركتها في النسب على مذهب سيبويه فيحتاج إلى الاعتذار عنه، وسيأتي الكلام عليه في باب النسب إن شاء الله تعالى.
(1) من الرجز - الشجري (2/ 35) والشذور (ص 444) وشرح شواهد الشافية (ص 449) واللسان: دلا، غدا والمصباح: غدا، والمقتضب (2/ 328)، (3/ 153).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم قال ابن عصفور أيضا (1): وتقول في ترخيم سوأة إذا خففت بنقل الهمزة إلى الساكن قبلها على لغة من ينوي يا سو أقبل، وعلى لغة من لم ينو (يا سؤ أقبل بضم الواو قال: وإنما جاز بقاء الاسم على حرفين، ثانيهما حرف علة في لغة من لم ينو) ولم يجز ذلك في ترخيم شاه وشيه وأمثالهما على لغة من لم ينو؛ لأن سوأة محكوم لها بحكم سوأة لأن حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الساكن قبلها عارض بسبب التخفيف، والعارض لا يعتد به فيجب أن يحكم لسوة (بحكم سوأة) وكما حكموا لسوة بحكم سوأة كذلك حكموا لسوء بحكم سوء، ثم قال:
وتقول في ترخيم سفيرج في لغة من نوى: يا سفير فيترك ما بقي على ما كان عليه قبل الترخيم. وأما على لغة من
لم ينو فحكي ابن السراج عن الأخفش أنه كان يقول: إن رد اللام لازم إذ ذاك فتقول: (يا سفيرل) لأن حذفها إنما كان لطول الاسم فلما حذفت الجيم زال الطول الذي أوجب حذفها فردت اللام. وحكى عن أبي العباس المبرد أنه كان يرد هذا القول ويحكم بأنه غلط؛ لأن المتكلم بذلك لم يقصد إلى سفرجل فيسمى به وإنما قصد إلى سفرج فسمي به ولا لام فيه وهو على مثال ما يرخم فرخم بعد أن بنيته اسما. ألا ترى أنك تقول في تصغير سفرجل سفيرج وسفيريج ولو سميت بسفيرج لم يجز أن تقول سفيريج؛ لأنك لم (تقصد) إلى ما كان يجوز في سفرجل. ولو سميت بفريزد تصغير فرزدق في لغة من قال فريزد لم يجز أن تقول فيه: فريزق، وإن كان ذلك جائزا في تصغير فرزدق؛ لأنك سميت بشيء بعينه، ثم قال: وما رد به أبو العباس لا يلزم إلّا على تقدير أنه سمي أولا بسفيرج. فإن قدر أنه سمي أولا بسفرجل ثم صغر بعد التسمية به فقيل:
سفيرج لم يمتنع فيه سفيريج فتأتي بالياء عوضا من اللام المحذوفة (2). انتهى.
(ولما) ذكر الشيخ هذا البحث عن ابن عصفور قال:
والمسألة عن الأخفش مفروضة في ما إذا سمي بخماسي مصغر [4/ 219] لا في
(1) نقل من شرح الإيضاح المفقودة وتوجد لدي أربعون لقطة منه [80 صفحة] من أول الكتاب مصورة من تركيا (د. علي فاخر).
(2)
شرح الإيضاح المفقود وينظر شرح الجمل (2/ 121) وكذا: شذور الذهب (/ 444) ولسان العرب:
دلا، وغدا، والمخصص (9/ 60) والمقتضب (2/ 438)، (3/ 153) والمنصف (1/ 64، 2/ 149).