الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2ـ معرفة مقاصد التشريع
* ما هي مقاصد التشريع؟
مقاصدُ الشَّريعةِ هي الأغراضُ الَّتي لأجلِهَا شرعَ اللهُ الشَّرائعَ، وليسَ يخلُو شيءٌ شرعَهُ الله من غرضٍ أُريدَ بهِ، وما منْ شيءٍ من تلكَ الأغراضِ إلَاّ وهو عائدٌ على المُكلَّفِ بالنَّفعِ والمصلحَةِ، وذلكَ مُتحققٌّ لهُ في الدُّنيَا أوفي الآخرَةِ، أو في الدَّارينِ جميعًا، وكلُّهُ من رحمةِ الله تعالى بهِ وإرادتِهِ الخيرَ لهُ، فالَّذي خلقهُ وصوَّرهُ وشقَّ سمعَهُ وبصرَهُ أعلمُ بما يُصلحُهُ وينفعهُ، بلْ هوَ أعلمُ به حتَّى من نفسِهِ:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] .
ولا يخفَى أنَّ التكليفَ لا يخلُوا من مشقَّةٍ ورادةٍ على المكلَّف بامتثالهِ، لكنَّ تلك المشقَّة محتملةٌ مقدورٌ عليها كما قال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، ولِذا فإنَّه حينَ يصلُ به الحالُ في بلُوغِ تلك المشقَّةِ ما لا يُحتملُ فإنَّ التَّكليفَ يسقُطُ، ثمَّ إنَّ المشقَّة المقدور عليها يحتملهَا المكلَّف رجاءَ المصلحةِ الَّتي تربُو في نفعِها لهُ على تلكَ المشقَّةِ، وهذا في الحقيقةِ احتمالٌ للضَّررِ المرجوحِ لتحصيلِ المنفعةِ الرَّاجحة.
وتأمَّل مثالَهُ في قوله عزَّوجلَّ في فرضِ الجهادِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقوله في ذلكَ أيضًا:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104] .
والمقصودُ أنَّ جميعَ شرائعِ الدِّينِ إنَّما أريدَ بها منفعَةُ المكلَّفينَ، وهذا ظاهرٌ مُدركٌ في حِكَمِ التَّشريعِ وعِلل الشَّرائعِ وموافقةِ جميعهَا للعُقولِ المستقيمَة الجاريَةِ على نسقِ العدْلِ.
ومن حاصلِ ذلكَ إدراكُ حقيقتينِ عظيمتينِ:
الأولى: أنَّ شرائعَ الله عزَّوجلَّ كلَّهَا حكمَةٌ وعدلٌ، ليسَ منها شيءٌ خارجٌ عن ذلكَ، خلافًا لمن يظنُّ من الخارجيْن عن الملَّةِ أنَّ في شريعَةِ الإسلامِ ما هوَ خارجٌ عنِ العدلِ والحكمَةِ، فإنَّ ذلك منهم لِضيقِ عُقولهِم عن فهمِ مُرادِالله تعالى مع ظُهورِهِ والكُفرُ أو النِّفاقُ حجابٌ عظيمٌ دونَ إدراكِ الحقِّ.
والثَّانيَةُ: أنَّ شرائعَ الدِّينِ كاملَةٌ لا تقبلُ الاستِدراكُ ولا الزِّيادَةَ، ولقدْ كانَ من آخرِ ما أنزل الله تعالى على نبيِّه صلى الله عليه وسلم من الوحيِ قولُه:{اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] .