الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلق والمقيد
* تعريفهما:
المُطلقُ: هو اللَّفظُ الدَّالُّ على فردٍ غيرِ مُعيَّنٍ، أو أفرادٍ غيرِ مُعيَّنينَ.
مثلُ: (رجل) لفردٍ غير مُحدَّدٍ، و (رجال) لأفرادٍ غيرِ مُحدَّدينَ.
والمقيَّدُ: هوَ اللَّفظُ االدَّالُّ على فردٍ غيرِ مُعيَّنٍ، أو أفرادٍ غيرِ مُعيَّنينَ مع اقترَانِه بصفةٍ تُحدِّدُ المُرادُ بهِ.
مثلُ (رجلٌ بصريٌّ) ، و (رِجالٌ صالحونَ) .
* قاعدة المطلق
اللَّفظُ المُطلقُ باقٍ على إطلاقِهِ حتَّى يرِدَ دليلُ التَّقييدِ.
من أمثلةِ القاعدَةِ:
1ـ قوله تعالى في كفَّارة الظِّهارِ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] .
لفظُ {رَقَبَةٍ} مطلقٌ من أيِّ قيدٍ، فلو أعتقَ المُظاهرُ رقبةً على أيِّ وصفٍ أجزأهُ مؤمِنةً كانتْ أو كافرَةً، خلافًا للشَّافعيَّةِ والمالكيَّةِ كما سيأتي:
2ـ قوله تعالى في أحكامِ المواريث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] ، فلفظ {وَصِيَّةٍ} مُطلقٌ وردَ الدَّليلُ من السُّنَّةِ
بتقييدِه بالثُّلثِ، كما في حديث سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودُنِي عامَ حجَّة الودَاعِ من وَجَعٍ اشتدَّ بي، فقلتُ: إنِّي قدْ بلغَ بِي من الوَجعِ وأنا ذُومالٍ، ولا يرثُني إلَاّ ابنةٌ، أفأتصدَّقُ بثُلثي مالي؟ قالَ:((لا)) فقلتُ بالشَّطرِ؟ فقالَ: ((لا)) ، ثم قالَ:((الثُّلُثُ والثُّلثُ كبيرٌ (أو كثيرٌ) ، إنَّك أن تذرَ ورثَتَكَ أغنياءَ خيرٌ من أن تذرهُم عالةً يتكفَّفُون النَّاسَ)) الحديث [متفقٌ عليه] .
* قاعدة المقيد:.
يجبُ العملُ بالقيدِ إلَاّ إذا قامَ دليلٌ على إلغائِهِ.
من أمثلةِ القاعدَة:
1ـ قوله تعالى في كفَّارةِ الظِّهار: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4]، فقولُه:{مُتَتَابِعَيْنِ} قيدٌ يجبُ إعمالُه، فلا تُجزيءُ الكفَّارَةُ لو صامَ شهرينِ مُقطَّعينِ.
2ـ وقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نسائكم اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]، فقولُهُ:{فِي حُجُورِكُمْ} قيدٌ لكنَّهُ لا أثرَ لهُ وإنَّما خرجَ مخرجَ الغالبِ، لأنَّ بنتَ الزَّوجَةِ تكُونُ غالبًا مع أُمِّهَا، على هذا جمهُورُ العلماءِ أنَّ بنتَ الزَّوجةِ المدخولِ بها محرَّمةٌ بمجرَّدِ الدُّخولِ بأُمِّهَا كانتْ في بيتِ الزَّوجِ وتحتَ رِعايَتِهِ أو كانتْ في موضعٍ بعيدٍ لا شأْنَ لهُ بهَا، لكنْ ذهبَ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ رضي الله
عنه إلى إعمالِ هذا القيدِ بناءً على الأصلِ، وتابعَهُ على قولهِ الظَّاهريَّةُ.
فعنْ مالكِ بن أوسٍ بنِ الحدثانِ قالَ: كانتْ عندي امرأةٌ فتُوُفِّيتْ، وقد ولدَتْ لي، فوجدْتُ عليها، فلقينِي عليُّ بنُ أبي طالبٍ فقالَ: مالكَ؟ فقلتُ: تُوُفِّيتِ المرأةُ، فقالَ عليٌّ: لهَا ابنةٌ؟ قلتُ: نعمْ، وهيَ بالطَّائفِ، قالَ: كانتْ في حُجرِكَ؟ قلتُ: لَا، هيَ بالطَّائفِ، قالَ: فانكِحهَا، قلتُ: فأينَ قولُ الله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} قال: إنَّها لم تكُن في حُجرِكَ، إنَّما ذلك َإذا كانتْ في حُجرِكَ [أخرجه ابن أبي حاتمٍ كما في ((تفسير ابن كثير)) 1/513 بإسنادٍ صحيحٍ] .
* متى يُحمل المطلق على المقيد؟
إذا وردَ القيدُ مُقترنًا باللَّفظِ فالقاعِدَةُ ـ كما تقدَّم ـ وُجوبُ إعمالِ القيدِ، ولكنْ إذا جاءَ القيدُ منفصلاً عن الإطلاقِ، بأنْ يجيءَ هذا في نصٍّ، وهذا في نصٍّ آخرَ، فلهُ أربعُ حالاتٍ:
1ـ إذا اتَّحد في الحُكمِ والسَّببِ، فيجبُ حملُ المُطلقِ على المقيَّدِ.
مثالهُ: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3]، مع قولِهِ:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] ، فلفظُ (الدَّمِ) في الآيةِ الأولى مُطلقٌ، وفي الآية الثَّانية مقيَّدٌ بالمسفوحِ، الحُكمُ: حُرمَةُ الدَّمِ، والسَّببُ: بيانُ حُكمِ المطاعِمِ المحرَّمةِ
في الآيتينِ والدَّمُ فيهما واحدٌ.
2ـ إذا اختلفَا في الحُكمِ والسَّببِ، فلا يُحملُ المُطلقُ على المقيَّدِ..
مثالُهُ: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] مع قولهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] ، فلفظُ (الأيدي) مُطلقٌ في الآيةِ الأولى، ومقيَّدٌ في الآية الثانية، لكنَّ حُكمَ الأولى وجوبُ قطعِ الأيدي، وسببهَا السَّرقةُ، وحُكمَ الثَّانيَةِ وجوبُ غسلِ الأيدي، وسبَبَهَا القيامُ إلى الصَّلاةِ.
فعلاقَةُ التَّأثيرِ منعدِمَةٌ بينَ الحُكمينِ، فلا يصحُّ حملُ المُطلقِ علىالمقيَّدِ.
ولِذا رُوِي في السُّنَّةِ تقييدُ القَطعِ بالكفِّ إلى الرُّسغِ، وهذا وإن كانَ النَّقلُ بخُصوصِهِ لا يثبتُ بهِ إسنادٌ، لكنَّهُ لم يُنقلُ غيرُهُ والرِّوايةُ فيه ليستْ بساقِطَةٍ، وهو المرويُّ فِعلُهُ عنِ أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقدِ اعتضَدَ بأصلٍ شرعيٍّ، ذلكَ أنَّ لرفلظ (اليد) يُرادُ به الكفُّ، كما يُرادُ به إلى المِرفقِ، كما يُرادُ به إلى المنكِبِ، والحدُّ يسقُطُ بالشُّبهَةِ، كما لا يُتجاوزُ بهِ قدْرُ اليقينِ، واليقينُ ههُنا بقطْعِ أدنى ما يُسمَّى يدًا، وبهِ يتحقَّقُ المقصودُ.
3ـ إذا اختلفَا في الحُكمِ واتَّحدَا في السَّببِ، فلا يُحملُ المُطلقُ على
المقيَّدِ.
مثالُهُ قولهُ تعالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، مع قولِهِ قبل ذلكَ في الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فلفظُ (الأيدي) ، في الموضعِ الأوَّل مُطلقٌ، وفي الثَّاني مقيَّدٌ (إلى المرافقِ) ، السَّببُ مُتَّحدٌ في النَّصَّينِ، فكلاهُمَا في القيامِ إلى الصَّلاةِ لكنَّ الحُكم مختلفٌ ففي الأوَّل وجوبُ التَّيمُّمِ للصَّلاةِ عندَ فقدِ الماءِ، وفي الثَّاني وجوبُ الوُضوءِ.
فلا يصحُّ في هذه الحالةِ أن يُقالَ: تُمسحُ الأيدِي في التَّيمُّمِ إلى المرافقِ، حملاً للمُطلقِ في نصِّ التَّيمُّمِ على المقيَّدِ في نصِّ الوُضوءِ.
ولذَا جاءَت السُّنَّةُ بعَدمِ اعتبارِهَا هذا القيد ِفي التَّيمُّمِ خلافًا للحنفيَّةِ والشَّافعيَّة ومن وافقهُم، وذلكَ قوله صلى الله عليه وسلم لعمَّارِ بن ياسرٍ:((إنَّما كان يكفيكَ أن تضربَ بيدَيكَ الأرضَ، ثمَّ تَنفُخَ، ثمَّ تمسَحَ بهمَا وجهَكَ وكفَّيكَ)) [متفقٌ عليه] ، وهو قولُ عليِّ بن أبي طالبٍ، وجماعةٍ من التَّابعينَ ومذهبُ أحمدَ بنِ حنبلٍ وكثيرٍ من أهلِ الحديثِ، وما رُويَ من الأحاديثِ في أنَّ التَّيمُمَ إلى المِرفقينِ فلا يثبُتُ منهُ شيءٌ من قِبِلِ الرِّوايةِ.
4ـ إذا اتَّحدَ في الحُكمِ واختلفَا في السَّببِ، فلا يُحملُ المُطلقُ على
المقيَّدِ.
مثالُه قوله تعالى في كفَّارةِ الظِّهارِ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، مع قولهِ في كفَّارةِ قتلِ الخطإ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، فلفظُ (رقبَة) في الآية الأولى مُطلقٌ، وفي الثَّانية مقيَّدٌ بالإيمانِ، الحُكمُ واحدٌ هو الكفَّارةُ، والسَّببُ مُختلفٌ، فالأولى الظِّهارُ، والثَّانيةُ القتلُ.
فلا يصحُّ في هذا الحالةِ حملُ المُطلقِ على المقيَّدِ عندَ الحنفيَّةِ ومن وافقهُم خلافًا للشَّافعيَّةِ، يؤيِّدُ ذلك في المثالِ المذكورِ أنَّ الكفَّارةَ عقوبةٌ شُرعتْ لعلَّةٍ، ولكلِّ حُكمٍ علَّتُهُ المُناسبَةُ لهُ، قدْ تظهرُ وقدْ تخفَى، ولعلَّ المقامَ هُنا أنْ شُدِّدَ في كفَّارةِ القتلِ لشدَّةِ أمرِهِ بخلافِ الظِّهارِ، والقيدُ في هذا الحُكمِ تشديدٌ كما لا يخفى، واللهُ تعالى رحيمٌ بعبادِهِ، فحيثُ لم يُشدِّد فلا يُقالُ: أرادَ هُنا التَّشديدَ لكونِه شدَّدَ في حُكمٍ آخرَ ماثلَ هذا الحُكمَ في مُسمَّاهُ، فتلكَ زيادَةٌ في الشَّرعِ ومشقَّةٌ على الأمَّةِ.
* مسألة أصولية للحنفيَّة:
إذا جاءَ النَّصُّ مُطلقًا وأمكَن العملُ به على إطلاقِه لوُضوحِهِ في نفسِهِ وتمامِ بيانِهِ وعدمِ احتمالِهِ الزِّيادَةَ، لأنَّهُ لو اقتضاهَا لوجبَ أنْ تُذكرَ معهُ استيفاءً للبيانِ، فإذَا جاءتِ الزِّيادَةُ حينئذٍ فلا يكونُ لها
حكمُ القيدِ، لأنَّهَا حينئذٍ بمنزلةِ النَّسخِ وإنَّما لها اعتبارٌ شرعيٌّ آخرَ وإليكَ مثاليْنِ لتوضيحِ ذلكَ:
1ـ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ، فالمأمورُ بهِ على الإطلاقِ هو الغَسْلُ، فلا يجوزُ أن يُزادَ عليه شرطُ النِّيَّةِ والتَّرتيبِ والمُوالَاةِ والتَّسميَّةِ، إذْ لو كانتْ من شرْطِ الوُضوءِ لتضمَّنهَا نصُّ الكتابِ، فحيثُ لم يرِدْ ذلكَ كانتْ من قبيلِ السُّننِ في الوُضوءِ.
2ـ قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، فالنَّصُّ بيِّنٌ في عُقُوبةِ الزَّاني أنَّها الجلدُ، وقدْ علمنَا في نصوصِ قطعيَّةِ الثُّبوتِ أنَّ هذا حُكمُ الزَّاني غيرِ المُحصنِ، لكنْ ما جاءتْ بهِ السُّنَّةُ من التَّغريبِ سنةً مع الجلدِ، فهذهِ زيادَةٌ على نصِّ الكتابِ البيِّنِ، ولو كانتْ لازمَةً لوجبتْ بنفسِ النَّصِّ مع الجلدِ، أو لبيَّنها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَ نُزُولِ الآيةِ، فحيثُ لم يكُن ذلكَ فقدْ دلَّ على أنَّ هذا من قبيلِ التَّعزيرِ يفعَلُه الإمامُ سياسَةً.
* * *