الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6ـ الأهلية
تعريفها:
لُغَةً: الصَّلاحيَّة، تقولُ:(فلانٌ أهلٌ لكَذا) أي صالحٌ ومستوجبٌ لهُ، وتقولُ:(أهلتُهُ لِكذا) إذا جعلتَهُ صالحًا لهُ.
واصطلاحًا: نوعان:
1ـ أهليَّةُ وجوبٍ:
وهي صلاحيةُ الإنسانِ لأنْ تثبتَ لهُ الحقُوقُ وتجبَ عليهِ الوَاجبَاتُ.
ويُعبَّرُ عن هذه الأهليَّة بـ (الذِّمَة) ، فكلُّ إنسانٍ له ذِمَّةٌ تتعلَّقُ بها حقوقٌ ووَاجِباتٌ.
وتثبتُ هذه الأهليَّة للإنسانِ بمجرَّدِ (الحياة) ، فكلُّ إنسانٍ حيٍّ له أهليَّةُ وجوبٍ.
قيلَ: أصلُ هذه الأهليَّةُ مستفادٌ من العهدِ الأوَّلِ الَّذي أخذهُ الله تعالى على بني آدم، كما قال عزَّوجلَّ:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172] ، ذلك أنَّ (الذِّمةَ) هي العهدُ،
والعهدُ الثَّابتُ للإنسانِ بمجرَّدِ إنسانيَّتهُ هو هذا العهْد.
أمَّا تسميتهَا (ذمَّة) فقيلَ: لأنَّ نقضَ العهدِ يُوجبُ الذَّمَّ، فسمِّي العهدُ بما يؤولُ إليهِ نقضُهُ.
2ـ أهليَّةُ أداءٍ:
وهي صلاحيةُ الإنسانِ للمطالبَةِ بالأداءِ بأنْ تكونَ تصرُّفَاتُهُ معتدًّا بها.
وهَذه الأهليَّةُ تثبتُ للإنسان ببلوغِهِ سِنَّ (التَّمييز) .
* الأهليَّة كاملة وناقصة:
أهليَّة الإنسان تختلفُ كمالاً ونقصًا بحسبِ كمالهِ أو نقصِهِ في الحياةِ والعقلِ، ويُمكنُ إدراكهَا من خلالِ أدوارِ الإنسانِ، وهي كالتَّالي:
1ـ الجنين:
هُوَ موصوفٌ بـ (الحياةِ) وهوَ نفسٌ وإنْ لم يستقلَّ بعدُ عن أمِّهِ، يدلُّ عليهِ حديثُ أبي هرَيرَةَ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضَى في امرأتينِ من هُذيلٍ اقتَتَلْنَا، فرمتْ إحداهُما الأخرلى بحجرٍ، فأصابَ بَطْنَهَا وهي حاملٌ، فقَتَلَتْ ولَدَهَا الَّذي في بَطنهَا، فاختصَمُوا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقضى أنَّ ديَةَ ما في بَطنِهَا غُرَّةٌ: عبدٌ أو أمَةٌ، فقالَ وليُّ المرأةِ الَّتي غرِمَتْ: كيفَ أغَرَمُ يا رسول الله من لا شرِبَ ولَا أكلَ، ولا نَطقَ ولَا
استهلَّ، فمثلُ ذلكَ بَطلَ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:((إنَّما هـَذَا من إخوَانِ الكُهَّانِ)) [متفقٌ عليه] .
فهَذا الحديثُ فيه اعتبارُ حياةِ الجنينِ شرعًا، لكنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يجعلْ ديتَهُ ديةَ المولودِ، بلْ نقصتْ عن ذلك، وذلكَ لأجلِ عدمِ انفصَالِهِ واستقلالِعِ.
لهذَا فأهليَّتُهُ (أهليَّةُ وجوبٍ ناقصةٌ) يجبُ لهُ لا عليهِ، ومن فُروعِ هذه الأهليَّةِ: استحقاقُه الميراثَ والوصيَّةَ.
2ـ الطفلُ غيرُ المميِّز:
وليسَ للتَّمييزِ سنٌّ محدَّدٌ في الشَّرعِ، إنَّما هو أمرٌ تقديريٌّ يعودُ إلى ما غلبَ عليهِ من التَّفريقِ بين المنافعِ والمضارِّ وإدراكِ الخطإ والصَّواب، ويمكنُ أن يُجعلَ له ضابطٌ بفهمِ الطِّفلِ للاستئذانِ قبل الدُّخولِ في السَّاعاتِ الثَّلاث الَّتي قال الله تعالى فيها:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور: 58] ، وكذلك بتمييز الطِّفلِ بين ما هوَ عورةٌ وما ليسَ بعورةٍ، فإنَّ الله تعالى ذكرَ فيمَنْ استثناهُم فيمَنْ تُبدي المرأةُ بحضرَتِهم زينتهَا الأطفالَ الَّذين لم يُميِّزُوا بقوله:{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}
[النور: 31] .
والأهليَّةُ الثَّابتُ للطِّفلِ الَّذي لم يُميِّز أهليَّةُ وجوبٍ كاملةٍ، تجبُ لهُ الحقوقُ وعليهِ، أمَّا وجوبُ الحقوقِ فإذا صحَّتْ للجنينَ فلهُ أولى، فتثبتُ حقوقُه في الميراثِ والوصيَّةِ وغير ذلك، وأمَّا الوجوبُ عليه فليسَ على معنى أنَّهُ مُطالبٌ بها، فإنَّه ليس عليهِ أهليَّةُ أداءٍ، وإنما تجبُ عليه حقُوقٌ يؤدِّيها عنه وليُّه، كوُجوبِ الزَّكاةِ في مالهِ، فإنَّ على وليِّه أن يُخرجَ من مالِهِ الزَّكاةَ، ولوْ أتْلفَ شيئًا وجبَ الضَّمانُ في مالهِ يؤدِّيه عنهُ وليُّه، لكنَّه لا يُؤاخذُ في نفسهِ ولا يوصفُ بالتَّقصيرِ لِفُقدانِهِ شرطَ التَّكليفِ.
أخرجَ مسلمٌ عن عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: رفعَت امرأَةٌ صبيًّا لهَا فقالتْ: أَلِهَذا حجٌّ؟ قالَ: ((نَعَمْ، ولكِ أجرٌ)) .
فهَذا فيه صحَّةُ حجِّ الصَّبيِّ، وجمهورُ العلماءِ على أنَّ ذلكَ في حقِّهِ تطوُّعٌ لا يسقُطُ بهِ فرضُهُ لعَدَمِ التَّكليفِ، ووجْهُ اعتبارِ حجِّهِ لِمَا يُعَانيهِ وليُّهُ من حملِهِ وأداءِ المناسِكِ بهِ.
3ـ الطِّفلُ المميِّزُ الَّذي لم يبلُغْ:
تثبتُ لهُ أهليَّةُ وجوبٍ كاملةٍ، فهوَ أولى بهذا الحُكمِ من غيرِ المميِّزِ، وتقدَّمَ أنَّهَا ثابتَةٌ لهُ.
وكذلكَ تثبتُ لهُ أهليَّةُ أداءٍ ناقصةٍ بسببِ نُقصانِ عقلِهِ، يصحُّ منهُ
الإيمانُ وجميعُ العبَادَات
ولا يجبُ عليه ذلك، فهو غيرُ مؤاخذٍ بالإخلالِ لكنَّه مأجورٌ على الامتثال، كما تقدَّم في حديث الحجِّ، وأمرُ الأولادِ بالصَّلاةِ ونحوها من العبادات من جهةِ الأولياء قبلَ أن يبلُغوا الحلم ليس لوجوبِ ذلك عليهم، إنَّما لتأديبهم وتمرينِهم، فقدْ تقدَّم الحديثُ الصَّحيحُ في رفعِ القلمِ عن الصَّبيِّ حتَّى يحتلمَ.
وأمَّا تصرُّفاتُه الماليَّةُ فهي على ثلاثَةِ أنواعٍ:
[1]
ما فيه منفعةٌ خالصةٌ للطِّفل، كالهِبةِ والصَّدقة لهُ، فلو قبِلَهَا فقبُولهُ صحيحٌ معتبرٌ، بناءً على الأصلِ في مراعاةِ منفعَتِهِ.
[2]
ما فيه ضررٌ خالصٌ لهُ، فتصرُّفه فيه غيرُ معتبرٍ، كأنْ يهبَ من مالهِ، فهو ليسَ أهلاً للتَّصرُّف في المالِ لقُصورِ العقلِ، وقد قال الله تعالى لوليِّ مالِ اليتِيمِ:{فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] .
[3]
ما تردَّد بين المنفعةِ والضَّررِ، كمزَاولَةِ البيعِ والشِّراءِ من قبلِ الطِّفلِ، فاحتمالُ الرِّبحِ والخسارَةِ واردٌ فيها، فهذا النَّوعُ من العقودِ صحيحٌ منه إذا أذِنَ الوليُّ، فإذنًه يجبُر النَّقصَ في أهليَّةِ الأداءِ عندَ الصَّبيِّ.
4ـ البالغُ العاقلُ:
هذا سنُّ الاكتمالِ الَّذي تثبتُ فيهِ الأهليَّتانِ: أهليَّةُ الوجوبِ،