الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّرعيَّة، ولا يصحُّ أن يُعاقبَ بغيرِ حدِّ الخمْرَةِ، فإذا تعدَّى على غيرهِ بغيرِ القتلِ فإنَّهُ يحتمِلُ حقَّ الغيرِ كما يحتملُهُ المجنونُ في مالهِ، أمَّا القِصاصُ فقدْ تخلَّف رُكنٌ فيه وهو (العمْدُ) ، فلا يصحُّ.
وعليهِ: فلا ينبغي التَّفريقُ بينَ الآثارِ المترتِّبة على تصرُّفِ السَّكرانِ بطريقٍ مباحٍ كمنْ شرِبَ الخمرَ وهوَ لا يعلمُ، أو بطريقٍ محرَّمٍ، ولا يحلُّ أن نزيدَ في عُقوبَتِهِ على ماجاءتْ به الشَّريعَةِ.
6ـ الإكراه:
هوَ: حملُ الغيرِ على أنْ يفعلَ أو يقولَ ما لا يرضَاهُ ولا يختارُ لوْ خُلِّي بينهُ وبينَهُ.
و (الإكراهُ) لا يُنافي الأهليَّتينِ: أهليَّبة الوجوبِ والأداءِ، لكنَّهُ يؤثِّرُ في بعض الأحكامِ بسببِ ما يدْفعُ إليهِ الإكراهُ من التَّصرُّفِ على خلافِ مُقتضَى الشَّرعِ.
والأصلُ فيه قولهُ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله وضعَ عن أُمَّتِي الخَطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهُوا عليهِ)) ، وقال الله تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، وقال تعالى:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] ، فرفعَ الله الإثمَ واللَّومَ عمَّنْ أُكرهَ على قولٍ أو فعلٍ، إذا
كان ذلك الفعلُ أو القولُ مِمَّا يثبُتُ بمواقعتِهِ الإثمُ، لكنْ ما حُكمُ التَّصرُّفاتِ الواقعةِ من المكرَه؟
في ذلك خلافٌ بين الحنفيَّةِ وغيرِهِم يُستفادُ من كُتُبِ الفِقهِ، وما دلَّت عليهِ الأدلَّةُ في ذلك وهو مذهبُ الجمهورِ أنَّ الإكراهَ نوعانِ:
[1]
إكراه بحقٍّ
كإكراهِ القاضي المدينَ على سَدَادِ الدَّينِ، فهذا إكراهٌ صحيحٌ تبرأُ به ذمَّةُ المكرَه.
[2]
إكراهٌ بغيرِ حقٍّ.
كالإكراهِ على قول كلمةِ الكفرِ، وقتلِ النَّفسِ، والسَّرقةِ، وشربِ الخمرِ، والنِّكاحِ أو الطَّلاقِ أو البيعِ.
فهذا النَّوع من الإكراهِ لا يترتَّبُ عليه أثرهُ ولا يُتبَعُ بهِ المكرَهُ، فهوَ تصرُّفٌ باطلٌ.
إلَاّالقتل فاختلفُوا فيه، فقيلَ: لا يُعفى فيه عن المكرَهِ، لاستواءِ نفسي المكرَه ومن يُرادُ قتلُهُ في الحُرمَةِ، فلو قيلَ لِشخصٍ:(اقتُل فلانًا وإلَاّ قتلناكَ) والمطلُوبُ قتلهُ مسلمٌ، فقد استويَا في عصمةِ الدَّمِ ولَا مرجِّحَ، فانتفَى العُذْرُ بـ (الإكراه) ، لكنَّهُ لو قتلَ مُكرَهًا فهلْ يُقتصُّ منه أمْ يُقتصُّ من الَّذي حملهُ على القتلِ؟ مذهبُ الحنفيَّةِ في هذا أظهرُ من مذهبِ غيرِهِم، وهوَ: القصاصُ من الحاملِ على القتلِ، أمَّا المكرَهُ فإنَّهُ
صارَ بمنزلَةِ الآلةِ، والقاتلُ حقيقةً من ألجأ إلى القَتْلِ.
وما اتَّصلَ بحقُوقِ العبادِ غيرُ القتلِ، كإتلافِ أموالِهِم، فالضَّمانُ فيه على (المكرِهِ) الَّذي حملَ غيرُهُ على الفعلِ، لا على (المكرَه) المدفُوعِ إلى الفعلِ، وهيَ مظلمةٌ ثابتَةٌ في ذمَّتِهِ.
ومن الأدلَّة الَّتي أبطِلَتْ بها آثارُ التَّصرُّفاتِ لعلَّةِ الإكراهِ، قولهُ صلى الله عليه وسلم:((لا طلاقَ ولَا عتاقَ في إغلاقٍ)) [حديثٌ حسنٌ رواهُ أحمدُ وغيرُهُ] ، و (الإغلاقُ) الإكراهُ.