الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها الخلافُ من قضايا الشَّريعَةِ المعلومَةِ من دينِ الإسلامِ بالضَّرورَةِ.
ويُقالُ: لو أمكنَ أن تتَّفقَ هذه الأمَّةُ على أمرٍ لم يرِدْ في الكتابِ والسُّنَّةِ فذلكَ الاتِّفاقُ حُجَّةٌ، على أنَّه يُقالُ: لا بُدَّ للإجماعِ من مُستَنَدٍ من الكتابِ والسُّنَّةِ، وهذا يعني أنَّه ليسَ بدليلٍ استِقلالاً وإنَّما هو دليلٌ تبعيٌّ.
*
الإجماع السكوتي:
النَّوعُ المتقدِّمُ للإجماعٍ يسمِّيه الأصوليُّونَ بـ (الإجماع الصَّريح) ، وهو حُجَّةٌ قطعيَّةٌ مُلزِمَةٌ.
أمَّا (الإجماعُ السُّكوتي) فهوَ: أن يقولَ بعضُ أهلِ الاجتهادِ قولاً، وينتشرَ ذلكَ في المجتهدين من أهلِ ذلكَ العصرِ، فيسكُتُون ولا يظهرُ منهُم اعترافٌ ولا إنكارٌ.
وهل يُعدُّ حُجَّةً أمْ لا؟
اختلفُوا فيه على ثلاثةٍ مذاهبَ:
1ـ ليسَ بِحُجَّةٍ، ولا يُسمَّى إجماعًا، وهو قولُ جمهورُ الشَّافعيَّةِ والمالكيَّةِ وبعضِ الحنفيَّةِ والحنابلَةِ.
قالُوا: كيفَ يُقوَّلُ السَّاكتُ ما لمْ يَقُلْ؟ على أنَّ السَّاكتَ لا يُجزمُ أنَّهُ
بلغَهُ ذلك القولُ، ثمَّ لو بلغَهُ فجائزٌ أن يكونَ منعهُ مانعٌ من الاعتراضِ، ربَّما كانَ الهيبةَ للقائلِ، أو الخوفَ، أو لأنَّه يرى أنَّه لا إنكارَ في موضعِ اجتهادٍ، كما يجوزُ أن يكونَ أنكرَهُ ولم يبْلُغْنا، أو لغيرِ ذلكَ.
2ـ حجَّةٌ قطعيَّةٌ، وهو قولُ بعضِ الحنفيَّةِ والحنابلَةِ.
واحتجُّوا بأنَّ السُّكوتَ في الأصلِ علامةٌ على الموافقةِ والرِّضا.
3ـ حجَّةٌ ظنيَّةٌ، وهو قولٌ للشَّافعيِّ وبعضِ الشَّافعيَّةِ والحنفيَّةِ.
واستدلُّوا بأنَّ الاحتمالَ الوارِدِ على رضَا المجتهدِ وعدَمِ رِضاهُ يجعلُ الجزمَ بموافقتِهِ ظنيًّا، لكنْ لمَّا كان الأصلُ أنَّ العالمَ لا يسكتُ في الموضعِ الَّذي يقتضي البيانَ، دلَّ ذلكَ على أنَّهُ موافقٌ على ذلكَ القولِ الَّذي بلغَهُ.
وطائفةٌ من الفقهاءِ تخصُّ هذا النَّوعَ من الإجماعِ بالصَّحابةِ دونَ من بعدَهُم، لأنَّ منصبَهُم الشَّريفَ لا يقتضي السُّكوتَ في موضعِ المخالفَةِ، وسيأتي في (مذهب الصَّحابيِّ) بيانُ درجتهِ.
وفي أيِّ هذه المذاهبِ الصَّوابُ؟
إنَّ معرفَةَ واقعِ استعمالِ هذا النَّوعِ من الإجماعِ يُساعدُ على إدراكِ المذهب الصَّحيح من هذه المذاهبِ، هذا الإجماعُ هو الَّذي يُدَّعى في كثيرٍ من المسائلِ الشَّرعيَّةِ، وهو مبنيٌّ على أنَّ الفقيهَ تتبَّع المنقولَ عن
الصَّحابةِ والتَّابعينَ مثلاً من الآثارِ والأخبارِ في تلكَ المسألةِ، فوجَدَ جميع تلكَ الآثارِ قدِ اتَّفقت على حُكمٍ واحدٍ ولم يجِدْ عن أحدٍ من أهلِ زمانِهِم من نُقل عنهُ خلافُهم، فأجرى ذلك منهُم على أنَّهُ إجماعٌ، وإنَّما هو في الحقيقةِ هذا النَّوعُ من الإجماعٍ (الإجماعُ السُّكوتي) ، أمَّا أن ينتشرَ القولُ ويبلُغ جيعَ المجتهدينَ فلا تظهرُ منهُم لهُ مخالفَةٌ فهذا يستحيلُ أن توجدَ مسألةٌ واحدَةٌ توفَّر فيها هذا الوصفُ، والشَّافعيُّ رحمه الله لهُ من الكلامِ ما يدلُّ على أنَّ القول بهذا على هذهِ الصُّورةِ لم يُعرفُ إلَاّ في زمانِهِ.
فهذا الإجماعُ السُّكوتِيُّ ما هوَ في الحقيقةِ إلَاّ رأيُ جماعةٍ من الفقهاءِ محصورَةٍ بعددٍ يسيرٍ محدودٍ، وما كانَ رأيًا يُحكَى عن العشْرَةِ والعِشرينَ لا يصلحُ أن يكونَ دينًا يُحجرُ على الأمَّةِ بعدَهُم خلافُهُ، ويكونَ حُجَّةً مُلزمَةً للنَّاسِ إلى يومِ القيامَةِ، على أنَّ كثيرًا من تلك الإجماعاتِ يُدَّعلا، فيطَّلعُ من لم يدَّعيهِ على قولٍ مخالفٍ له صادرٍ من أهلِ عصرِ ذلكَ الإجماع.