الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّرعِ، فالمنهيُّ عنه على غيرِ وفاقِ الشَّرعِ فهو باطلٌ، وكلُّ ما يترتَّبُ عليه من الآثارِ فهو فاسدٌ، سوَى ما تقدَّم في النَّوعينِ قبلهُ، حيثُ ظهر استِثناؤهُمَا بدليلِ الشَّرعِ نفسِهِ أو بأصلهِ وقاعِدَتِهِ.
* قاعدة:
الأمرُ بالشَّيءِ نهيٌ عن أضْدادِه
، والنَّهيُ عنهُ أمرٌ بأحدِ أضدادِهِ.
مثالُهَا قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور: 56] ، أوَامرُ في اللَّفظِ، وهيَ نواهٍ عن تركِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ وعن معصيةِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم من حيثُ المعنى.
وقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] ، نهيٌ في اللَّفظِ، وهو أمرٌ بما يتمُّ به الاستِعفافُ من حيثُ المعنى، وما يتمُّ به الاستِعفافُ قد يكونُ النِّكاحَ، وقد يكونُ الصَّومَ، وقد يكونُ مجرَّدَ تركِ الزِّنَا.
صيغة النفي:
صيغةُ النفي صيغةٌ خبريَّةٌ، لكنَّها تجيءُ بمعنى النَّهي في صورتينِ:
1ـ أن تدخُلَ على لفظٍ شرعيٍّ من أسماءِ الجِنسِ النَّكراتِ، كلفظِ
(صلاةٍ، نذرٍ، شِغارٍ) كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاةَ بعد الصُّبحِ حتى ترتفِعَ الشَّمسُ، ولا صلاةَ بعد العصرِ حتَّى تغيبَ الشَّمسُ)) [متفقٌ عليه عن أبي سعيد الخُدريِّ] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا نذْرَ في معصيَةِ الله)) [أخرجه مسلمٌ وغيرهُ عن عِمرانَ بن حُصينٍ]، وقوله صلى الله عليه وسلم:((لا شغارَ في الإسلامِ)) [أخرجه مسلمٌ عنِ ابن عُمرَ] .
فهذه (لا) النَّافيةُ للجنسِ، دلالتُهَا في الأصلِ عندَ جُمهورِ أهل العلمِ لنفيِ الصِّحَّةِ، وإنَّما يُصارُ إلى نفي الكمالِ بدليلٍ يصرفُها عن هذه الدَّلالةِ، ونفيُ الصِّحَّةِ يعني فساد المنفيِّ وبُطلانَهُ، ونفيُ الكمالِ يعني نقصانَهُ، وتلك هي دلالةُ النّهي كما تقدَّم.
2ـ أن تدخلَ على فعلٍ معَ امتناعِ أن يُرادَ باللَّفظِ مجرَّدَ الخبرِ بقرينةٍ لفظيَّةٍ أو حاليةٍ، وإليكَ ثلاثةَ أمثلةٍ:
[1]
قولهُ صلى الله عليه وسلم: ((لا تُجزيءُ صلاةُ الرَّجلِ حتَّى يقيمَ ظَهْرَهُ في الرُّكُوعِ والسُّجودِ)) [حديثٌ صحيحٌ أخرجه أصحابُ السُّنن عن أبي مسعودٍ البدريِّ] ، فنفيُ الإجزاءِ صريحٌ في الدَّلالةِ على البُطلانِ والفسادِ، وذلكَ مُقتضى النَّهي، وهذه قرينَةٌ لفظيَّة.
[2]
قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُقبلُ صلاةٌ بغيرِ طُهورٍ، ولا صدَقةٌ من غُلولٍ)) [أخرجه مسلمٌ عن ابنِ عمرَ] ، فنفيُ القبولِ كنفيِ الإجزاءِ، وهيَ قرينةٌ لفظيَّةٌ كذلكَ.
[3]
قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُنكحُ الأيِّمُ حتَّى تُستأمرَ، ولا تُنكحُ البِكرُ حتَّى تُستأذنَ)) [متفقٌ عليه عن أبي هريرةَ] ، فهذا النَّصُّ لو أجرينَاهُ مُجرَى الخبرِ بناءً على مُقتضى اللَّفظِ لم يكُن مُطابقًا للواقعِ، فإنَّ الواقعَ أنَّ الأيِّمَ والبكرَ تُنكحانِ في أعرافِ كثيرٍ من النَّاسِ بغيرِ استئمارٍ ولا استِئذانٍ، فلمَّا امتنعَتْ إرادَةُ الخبرِ دلَّ على أنَّ معناهُ الإنشاء، وهوَ النَّهي.
* * *