الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُتونِ فيعْتنِي بتتبُّعِهَا وجمعِهَا وتحقيقِ ثُبوتِهَا، فلهَا من التَّأثير ِفي الفقهِ والاستِنباطِ ما يُسبِّبُ اختلافَ العُلماءِ كثيرًا.
4ـ معرفةُ علمِ أُصولِ الفقه
.
هذا العِلمُ القَاعِدَةُ العُظمَى للمُجتهِدِ للتَّوصُّلِ إلى الأحكامِ.
وتقدَّم في ثنايَا هذا الكِتابِ ما يُدرِكُ بهِ ذلكَ، فهو بجميعِ تفاصيلِ أنواعِهِ واجبُ التَّحصيلِ للمُجتهِدِ.
5ـ معرفَةُ مواضعِ الإجمَاعِ
.
والمقصودُ به الإجماعُ الصَّحيحُ الَّذي تقدَّمَ شَرحُهُ في (أدلَّةِ الأحكامِ) ، وذلكَ لئلَاّ يقضِي بخلَافِهِ.
وما يبقَى بعدَ هذهِ الشُّروطِ فضلَةٌ وليسَ بلَازِمٍ للمُجتهِدِ، فلهُ أن يضرِبَ بنصِيِهِ منهَا كما يشاءُ، خاصَّةً آراءَ المُجتهدِينَ من السَّلفِ في القُرونِ الفاضلَةِ لينظُرَ أساليبَهُم في النَّظرِ والاستِنباطِ، ويعرفَ الخلافُ وأدبَهُ، كما يحسُنُ به أن يعرفَ رأيَ من سبقهُ من العُلماءِ المُجتهدينَ في المسائلِ الَّتي يتعرَّضُ لها، ويتحرَّى أقوالَهُم قبلَ المصيرِ
إلى وفاقِهَا أو خلافِهَا، كما يحسُنُ به أن يكونَ لهُ نظرٌ في الشِّعرِ والأدبِ لترويضِ اللِّسانٍِ بلُغَةِ العربِ.
كما يحسُنُ به أن يعرفَ مبادِيءَ في الحِسابِ تُساعِدُهُ في حسابِ المواريثِ، ويُمكنُ أن يعودَ فيها إلى من يُحسِنُهَا فيما يتعلَّقُ بالحسابِ المحضِ.
أمَّا فُنونُ العلمِ الخارِجَةُ عنِ العُلومِ الشَّرعيَّةِ وما يلتَصِقُ بهَا، كالطِّبِّ والهندَسَةِ والزِّراعَةِ والصِّناعَةِ، فلا صلَةَ لها بالاجتهادِ، وإنْ عرضَ للمُجتهِدِ من الحوادثِ ما يحتاجُ إليهَا فيه فإنَّهُ يكفيهِ أن يرجِعَ إلى أهلِهَا يسألُهُم، ويعتمِدُ قولَهُمْ.
* مسألتان:
1ـ هلْ الاجتهادُ يقبلُ التَّجَزُّر؟
المقصُودُ بذلكَ: القُدرةُ على الاجتهادِ في بعضِ المسائلِ دُونَ بعضٍ، أو بعضِ الأبوابِ دون بعضٍ، اختلفَ العلماءُ في جوازِ ذلكَ على قولينِ:
[1]
يقبلُ التَّجزُّؤ، فيُمكنُ أن يجتهدَ الإنسانُ بأحكامِ المناسِكِ لإحاطتِهِ وعنايَتِه بها، دون سائرِ الأحكامِ، ومنذُ عهدِ الصَّحابةِ كانَ هذا شائعًا في المجتهدينَ.
[2]
لا يقبلُ، لأنَّ الاجتهادَ ملكَةٌ تحصُلُ للمُجتهدِ بجمعِهِ لآلاتٍ معيَّنةٍ، وهذه الآلاتُ إذا اجتمعَتْ تمكَّن بها من النَّظرِ في أيِّ مسألةٍ.
وأظهرُ القولينِ هو الثَّاني، فإنَّ من أمكنهُ الاجتهادُ في المناسِك لزِمهُ فيه شُروطُ الاجتهادِ، فإذا وُجدَتْ فيه كانَ لهُ الاجتهادُ في سواهَا، وليسَ المقصودُ بالمجتهدِ أن يكونَ قدِ اجتهدَ في كلِّ قضيَّةٍ، إنَّما المجتهدُ من أمكنَهُ أن يجتهدَ في كلِّ قضيَّةٍ لتملُّكهِ لآلَةِ الاجتهَادِ.
هذا مع أنَّ المجتهِدَ قد يتوقفُ عن الجوابِ لعدَمِ ظُهورِ وجهِ الحُكمِ لهُ، لا لنقصٍ في الآلةِ أو قصُورٍ في الشَّرطِ، وقد حصل من هذا شيءٌ كثيرٌ لكثيرٍ من أئمَّةِ الأمَّةِ المقتدَى بهم في الدِّينِ.
2ـ الاجتهادُ لا يُنقضُ بمثلِهِ:
والمعنَى: أنَّ المجتهدَ إذا أدَّاهُ اجتِهادُه إلى حُكمِ في قضيَّةٍ باجتِهادِهِ، ثمَّ بدا لهُ الرُّجوعُ عن ذلكَ الاجتهادِ، فلَا ينتقِضُ حكمُ الاجتهادِ الأوَّل بالاجتهادِ الثَّاني، إنَّما يمضي على ما وقعَ، ويكونُ الاجتهادُ الثَّاني هو المُعتمدَ فيما سيقعُ، لأنَّ كُلاًّ من الاجتهادَينِ وقعَ بالظَّمِّ الرَّاجحِ في نظرِ المجتهِدِ، وكانَ هُوَ المُتعيَّنَ في وقتِهِ.
ومن هذا ما حدَّثَ به الحكمُ بنُ مسعودٍ الثَّقفيُّ قالَ: شهِدتُ عُمرَ بنَ الخطَّابِ أشركَ بين الإخوَةِ من الأبِ والأمِّ مع الإخوةِ من الأمِّ في
الثُّلثِ، فقالَ لهُ رجلٌ: قضيتَ في هذا عامَ أوَّل بغيرِ هذا، قالَ: كيفَ قضيتُ؟ قالَ: جعلتَهُ للإخوَةِ من الأمِّ، ولم تجعلْ للإخوَةِ من الأبِ والأمِّ شيئًا، قالَ: تلكَ على ما قضينَا، وهذه على ما قضينَا [أخرجه يعقوبُ بن سُفيانَ في ((التاريخ)) بسندٍ صحيحٍ إلى الحكمِ] .
وكما لا يُنقضُ الحُكمُ النَّافذُ بالاجتهادِ السَّابقِ باجتهادٍ مُتأخِّرٍ لنفسِ المجتهدِ، فكذلكَ لا يُنقضُ ذلك باجتهادٍ مُتأخِّرٍ لمُجتهِدٍ آخرَ، وإنَّما يمضي اجتهادُ المُجتهِدِ الأوَّلِ على ما مضَى عليهِ، ويُلتزَمُ اجتهادُ المُجتهدِ الثَّاني فيما يُرادُ إمضَاؤهُ.
* * *