الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) سنة فعلية
المقصود بها:
الأفعالُ النَّبويَّة الَّتي أُريد بها التَّشريعُ للأمَّةِ، ويُعرفُ كونُها أُريد بها التَّشريع بقرينةٍ تدلُّ على ذلك، وهذا على العكسِ من الأصل في الأقوالِ النَّبويَّة، والسَّببُ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كغيرهِ من البشرِ له من الحركةِ والتَّصرُّف ما لهم، والأصلُ في الإنسانِ أنَّهُ (حيٌّ متحرِّكٌ) ، وتلك حركةٌ غالبَةٌ في العادةِ لحركةٍ يُقصدُ بها التَّوجيهُ والتَّعليمُ، والبشرُ يفعلونها بالضَّرورة من غير توقُّفٍ على وحيٍ يُرشدُهُم إليها ويُعلِّمهُم إيَّاها، فكان الأصلُ أن تكونَ الحركاتُ النَّبويَّةُ من هذا القبيلِ حتَّى يوجدَ ما يدلُّ على إرادةِ التَّشريعِ.
وفهمُ ذلكَ يحتاجُ إلى تصوُّرِ أنواعِ الأفعالِ النَّبويَّةِ، فإليكهَا:
1ـ ما وقع من الأفعالِ امتثالاً منهُ صلى الله عليه وسلم لما أُمرَ به كسائرِ أُمَّتِه، مثلُ إقامتهِ الصَّلاة وصومِهِ رمضانَ وحجِّه البيتَ، ونحوهَا، فهذه أفعالٌ تساوَى فيها مع غيرِهِ من المكلَّفين، فليستْ داخلةً فيما يُقالُ: قُصدَ به التَّشريعُ، بلْ يُقالُ قصِدَ به الامتثالُ.
2ـ ما وقعَ من الأفعالِ جبِلَّةً بحكمِ بشريَّتِهِ صلى الله عليه وسلم، من قيامٍ وقعودٍ ونومٍ وركوبٍ وسفرٍ وإقامةٍ ومشيٍ وأكلٍ وشربٍ ولبسٍ وقضاءِ حاجَةٍ ونحو ذلكَ ممَّا تجري به عادةُ البشرِ، ومنهُ ما يحبُّهُ أو يكرهُهُ
طبعًا، كحبِّه للحُلوِ البارد، وكراهتِهِ لأكلِ الضَّبِّ مع أنَّه أُكلَ مائدَتِهِ.
فحكْم هذه الأفعالِ أنَّها لا تُعدُّ من التَّشريع، لِوُقوعهَا في العادةِ من غير قصدٍ أو بمقتضى الحاجَةِ والضَّرورة.
وشبيهُ بهذه الأفعالِ: نوعُ مسكنِهِ، أو مشربِه ومأكلِهِ، وملبسِهِ، من لونٍ أو صفةِ خياطَةٍ، أو نحو ذلك ممَّا هو جارٍ على أصلِ الإباحةِ، فهذا ليسَ ممَّا يندرجُ تحتَ التَّشريعِ، وإنَّما حكمُ مجرَّد فعلهِ وتركِهِ سواءٌ.
3ـ ما وقعَ من الأفعالِ مقصودًا به التَّعبُّد، لكنَّه قامَ دليلٌ على اختصاصِهِ بهِ صلى الله عليه وسلم دونَ أُمَّتِهِ، كوِصالهِ الصَّومَ، وزيادتهِ على أربعٍ في الجمعِ بين النِّساءِ.
فحكمُ تلكَ الأفعالِ بقاؤها على الخُصوصيَّةِ.
4ـ ما وقع من الأفعالِ بيانًا لمُجملٍ في الكتابِ، كصفةِ الصَّلاةِ، والحجِّ.
فحكمُ هذا النَّوعِ من الأفعالِ أنَّها شرائعُ للأمَّةِ، فإنَّها مُندرجَةٌ تحتَ عمُومِ قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، فهو بيَّنَ المأمُورَ به بِفعلِهِ لِيَقعَ الامتثالُ على تلكَ الصِّفةِ من أمَّتهِ كما قال صلى الله عليه وسلم في صفةِ الصَّلاةِ: ((صلُّوا كما
رأيتمُوني أصلِّي)) ، وقال وقدْ حجَّ بأفعاله:((لِتأخُذُوا مناسككم)) فأمرَ أمَّته أن تقتدي بِفِعلهِ في واجبِ ذلكَ ومندُوبِهِ.
5ـ ما وقع من الأفعالِ ابتداءً، وليس هو بواحدٍ ممَّا تقدَّم، فهذا قسمانِ:
[1]
ما ظهرَ فيه قصدُ القُربةِ، كصلاةِ التَّطوع وصدقةِ التَّطوُع، ونحو ذلك، فلوُضُوح معنى القُربَةِ فيه فهو تشريعٌ عامٌّ، قال الله عزَّوجلَّ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] .
[2]
ما لم يظهر فيه وجهُ القُربة، فغايتُهُ أن يكونَ متردِّدًا بين عبادةٍ وعادةٍ، فمفادُه على أقلِّ تقديرٍ إباحةَ ذلكَ الفعلِ للأمَّةِ حيثُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فعلهُ، و (الإباحةُ) تشريعٌ.
مثالهُ: في الصَّحيحينِ)) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل المُحصَّبَ (وهو اسمُ موضعٍ بين مكَّة ومِنى وإلى منَى أقرب، ويُسمَّى الأبْطَحُ)، فاختلفَ الصَّحابة في هذا النُّزولِ: هل هو تشريعٌ أو ليس كذلك، فكانَ عبدُالله بنُ عمرَ رضي الله عنهما يراهُ سُنَّةً، وكان عبدُالله بنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما يقولُ:((ليسَ التَّحصيبُ (أي: نُزول المُحصَّبِ) بشيءٍ، إنما هو منزلٌ نزلَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وكانتْ عائشةُ رضي الله عنها تُوافقُ ابنَ عبَّاسٍ فتقولُ: ((نزولُ الأبطحِ ليسَ بِسُنَّةٍ،