الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1- إعمال الدليلين
* المقصود به:
أن يبذُلَ المجتهدُ وُسعهُ للجمعِ والتَّوفيقِ بين الدَّليلينِ المُتعارضينِ، جريًا مع الأصلِ في نفي التَّعارضِ الطَّاريء وتحقيقِ مقصودِ الشَّارعِ بخِطابهِ.
وفي (قواعدِ الاستنباطِ) ما يُساعدُ المجتهدَ لتحقيقِ ذلكَ، وأهمُّ ذلكَ ثلاثُ قواعد:
الأولى: بناءُ العامِّ على الخاصِّ.
فيُنظرُ إن كانَ أحدُ النَّصَّينِ عامًّا، وكان الآخرُ خاصًّا، فيُخرجُ ذلك الخاصُّ من العمومِ بهذه القاعِدَة.
والثَّانية: حملُ المُطلقُ على المقيَّدِ.
وذلكَ أيضًا بالنَّظرِ إلى ما بينَ الدَّليلينِ من الإطلاقِ والتَّقييدِ، فإنْ وُجِدَ حُملَ المُطلقُ على المقيَّدِ، وسبقَ من أمثلتِهَا والَّتي قبلهَا ما فيهِ
كفايَةٌ في مبحثي (المُطلقُ والمقيَّدُ، والعامِّ) .
والثَّالثة: تأويلُ أحدِ الدَّليلينِ على معنى مُناسبٍ من غيرِ تكلُّفٍ، كتعليقه بظرْفٍ أو صِفةٍ.
مثالهُ: ما وردَ في كتابِ الله تعالى من آياتِ الأمرِ الإعراضِ عن المشركينَ، وماجاءَ بعد ذلكَ من الأمرِ بقتالِهِم، فظاهرُ الصُّورَتينِ التَّعارضُ، ولذا صارتْ طائفةٌ إلى ادِّعاءِ النَّسخِ لآياتِ الإعراضِ بآيةِ القتالِ الَّتي اصطلحُوا عليها بـ (آية السَّيفِ) وهي قوله تعالى:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الآية [التوبة:5] ، فدعوى النَّسخِ بهذه الآيةِ دعوى ضعيفةٌ مردودةٌ، وإنَّما هذه مرحلَةٌ غيرُ الأولى، فإذا اقتضى الظَّرفُ حكمَ الإعراضِ فهو باقٍ مُحكمٌ، وإذا اقتضى السَّيفُ فهو باقٍ مُحكمٌ.
وحديثُ أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيرُ أُمتي القرنُ الَّذينَ بُعثتُ فيهم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم)) والله أعلمُ أذكَر الثَّالث أم لا، قال:((ثُمَّ يخلفُ قومٌ يُحبُّون السَّمانَةَ، يشهدُونَ قبل أن يُستشهدُوا)) [أخرجه مسلمٌ] ، مع حديثِ زيدِ بن خالدٍ الجُهنيِّ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:((ألا أُخبركُم بخيرِ الشُّهداءِ؟ الَّذي يأتي بشهَادَتِهِ قبلَ أن يُسألهَا)) [أخرجه مسلمٌ] ، فالأوَّلُ ذمَّ من يشهدُ قبلَ أن يُسألَ
الشَّهادَة بما ينفي عنهُ الخيريَّةَ، والثَّاني يُثبتُ لمن فعلَ ذلك الخيريَّةَ، وهذا تعارُضٌ ظاهرٌ، لكنَّ الفقيهَ لا يعدَمُ جوابًا يُعملُ به الخبرَينِ الصَّحيحينِ، فتأوَّل أهلُ العلمِ حديثَ زيدٍ على واحدٍ من معنيينِ: أن يكونَ من الشَّهادَةِ لصاحبِ حقٍّ لا يعلمُ أنَّكَ شاهدٌ ليأتيكَ فيسْألَكَ، فتشهدُ لهُ قبلَ أنْ تُسألَ الشَّهادَة لتنصُرَهُ في حقِّه، أو يكُونَ في حقوقِ الله تعالى الَّتي يُرجَى فيها الثَّوابُ عندَهُ، لا للآدميِّينَ.
وما كانَ من هذا النَّمطِ من الأدلَّة فإنَّ العملَ بكلا الدَّليلينِ حاصلٌ فيهِ، ولوْ مِن وجهٍ، وهذا واجبٌ ما وجَدَ إليهِ الفقيهُ سبيلاً.
* * *