الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقعدَهُ من النَّارِ)) .
2ـ معنويٌّ، وهو الأحاديثُ الكثيرةُ الَّتي تبلُغُ التَّواترَ تتَّفقُ على إفادَةِ معنًى مُعيَّنٍ، معَ أنَّ سياقاتهَا قدْ تختلفُ عن بعضهَا في ألفاظِها وفي زيادتِها ونقصِهَا، كالأحاديثِ الواردَة في المسحِ على الخُفَّينِ، فأفرادُ ذلك سُننُ آحادٍ، لكنَّ مجموعَهَا أفادَ مشروعيَّةَ المسح، فصارَ متواترًا لاتِّفاقها عليه.
2ـ سنة الأحاد
* تعريفها:
الآحادُ لُغَةً: جمعُ (أحد) وهو بمعنى (واحد) .
واصطلاحًا: ما لمْ يجمعْ شٌروطَ التَّواتُرِ.
وهذا يعني أنَّ (سُنَّة الآحادِ) ما يرويهِ الواحدُ، أو ما يرويهِ العدَدُ القليلُ الَّذيمَ لم يبْلُغْ خبرُهُم حدَّ اليقينِ بروايتِهِمْ، كروايةِ الإثنينِ، وما زادَ على ذلكَ زيادَةً دلَّتْ على انتِشارِ الحديثِ لكنَّها لم تُحقِّقْ شرْطَ التَّواتُر.
* درجتها:
سُنَّةُ الآحادِ لا ريبَ أنَّها دونَ السُّنَّةِ المتواترةِ، لكنَّ روايةَ اثنينِ
ينبغي أن تكونَ أعلى من واحدٍ، وثلاثةٍ أعلى من اثنينِ، وإن لم يبلُغُوا حدَّ التَّوتُرِ، وهذا صوابٌ من حيثُ الجملةُ، لكنَّهُ على أيِّ تقديرٍ متوقِّفٌ على معرفةِ درجاتِ أسانيدِ تلك الرِّواياتِ، وإنَّما يكونُ العددُ ميزَةً زائدَةً في قوَّةِ الحديثِ إذا ثبتَ إسنادُ كلِّ روايةٍ.
فالشَّرطُ في قبُولِ سُنَّةِ الآحادِ هوَ: شرطُ الحديثِ الصَّحيحِ في (علومِ الحديثِ) وما قرُب من الصِّحَّةِ كالحديثِ الحسنِ الَّذي أفادَ السَّبرُ والنَّظرُ أنَّهُ حديثٌمحفوظٌ ليسَ بِمُنكرٍ، فإنَّهُ يجمعُهُ مع الحديثِ الصَّحيحِ أنَّهُما جميعًا إلى جانبِ الرُّجحانِ والقَبولِ، وهذا كافٍ عندَ جمهورِ العلماءِ في إثباتِ الشَّرائعِ والدِّيانَة.
وسُنَّةُ الآحادِ الثَّابتَةُ قبولُها من بابِ (قبولِ الظَّنِّ الرَّاجحِ) ، وهوَ حُجَّةٌ مُعتبرَةٌ في الشَّرعِ، ومن الأدلَّةِ عليهِ:
1ـ قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائفة لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]، قال أهلُ العربيَّةِ:((الطَّائفةُ: الواحدُ فصاعدًا)) ، والكفايةُ تحصلُ بواحدٍ يرحلُ فيتفقَّهُ فيعودُ إلى قومِهِ وعشيرتِهِ مُبلَّغًا معلِّمًا نذيرًا، فتصحُّ نِذارتُهُ شرعًا وتلزَمُهُم حُجَّتُهُ، وهي خبرُ آحادٍ.
2ـ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] ، فأمرَ بالتَّثبُّتِ في قَبُولِ خبرِ الفاسقِ، ممَّا دلَّ بمفهومهِ
على قبولِ خبرِ العَدْلِ.
3ـ تواترَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يبعثُ أمرَاءهُ وقضاتَهُ وسُعاتهُ وهم أفرادٌ، فيلزمُ النَّاسَ الَّذين أُرسلوا إليهِم ماجاءُوهُم به من العِلمِ، كما بعثَ مُعاذًا إلى اليمنِ، وبعثَ غيرهُ إلى غيرِهَا.
4ـ قبولُ خبرِ الشُّهودِ وهُم آحادٌ بناءً على رُجحانِ صِدْقِهِم وعدالتِهمْ واجبٌ شرعًا، مع أنَّ أمرَ الصِّدقِ والعدالةِ فيهم مظنونٌ، وذلك لجوازِ اتِّفاقهِم على الكذبِ في الباطِنِ رغبَةً أو رهبةً، فقبوُ الرِّوابةِ أولى، فإنَّ داعيةَ الكذبِ ممَّن عُرفَ بالصِّدقِ ضعيفةٌ.
هذه بعضُ وجوهِ الاستدلالِ على صحَّةِ استفادَةِ التَّشريعِ من خبرِالواحدِ الصَّحيحِ، وللعلماءِ وجوهٌ أخرى يذكرونهَا تُطلبُ من مظانِّها، ككِتاب ((الرسالة)) للإمام الشَّافعيِّ.
* تنبيهات حول سنة الآحاد:
1ـ الَّذي كان عليه سلفُ الأُمَّةِ أنَّ خبر الواحدِ الصَّحيحِ حُجَّةٌ في إفادَةِ العلمِ والعملِ، ولا فرقَ فيمَا يُستفادُ به مِمَّا يتَّصلُ بعملِ القلبِ أو عمَلِ الجوَارِحِ، فما تثبتُ بهِ الطَّهاراتُ والنَّجاساتُ، وما تصحُّ الصَّلاةُ به وما تَبْطُلُ، وما يحلُّ وما يحرُمُ، يثبتُ به الإيمانُ بأنَّ من أسماء اللهِ تعالى (الجميل) ، وبأنَّ ملكينِ يسألانِ العبْدَ في قبرِهِ يُقالُ لأحدِهمَا (مُنكرٌ) وللآخرِ (نكيرٌ) ، وبقصَّةِ صاحبِ البِطَاقَةِ يومَ الحِسابِ، حينَ
يظنُّ أنَّه قد هلكَ بذُنُوبه فتُنجيهِ بِطاقةٌ فيها (لا إله إلَاّ الله) ، وبأنَّ الميزانَ لهُ كِفَّتانِ، وأنَّ الصِّراطَ جسرٌ على ظهرِ الجَحيمِ أدقُّ من الشَّعرةِ وأحَدُّ من السَّيفِ، إلى غير ذلكَ من فُروعِ العقائِدِ، فإنَّ من بنى بعضَ دينِهِ على خبرِ الثِّقةِ الصَّادِقِ وصدَّقه فيه وردَّ بعضَهُ ما جرى في ذلكَ على قاعدَةِ العَدْلِ والإنصافِ، فإمَّا أن يُكذِّبَ المُخبرَ مطلقًا، وإمَّا أن يُصدِّقهُ مُطلقًا، وإمَّا أن يتوقَّف في تصديقِهِ وتكذيبِهِ مُطلقًا حتَّى يشهَدَ معهُ الشُّهُودُ الكثيرونَ الَّذين يتواردُونَ عليهِ من أنحاءٍ متفرِّقةٍ بحيثُ لا يتَواطَأُونَ على الكذِبِ!
وهذا المسلكُ في التَّفريقِ بين العقائدِ والشَّرائعِ بِدْعَةٌ دخيلةٌ، تأثَّرَ بها كثيرٌ من المتأخرينَ المُنتسبينَ للسُّنَّةِ، لأنهم وجدُوا أخبارَ الآحادِ توصفُ بالظَّنِّ، وهذا إطلاقٌ مُوهمٌ ليسَ بِجيِّدٍ، فإنَّ العلمَ يصحُّ فيه الاكتفاءُ بالدَّلائلِ الظَّاهرَةِ، وهوَ يتفاوتُ قوَّةً بحسبِ قوَّةِ البُرهَانِ وظُهورِهِ، وليسَ مُطلقُ الظَّنِّ مقبولاً، إنَّما يُقبلُ الظَّنُّ الرَّاجحُ إلى درجَةِ اليقينِ، وذلك لا يحصلُ في الأحاديثِ إلَاّ بشُروطٍ شديدَةٍ، ولكنْ كيف يُدركُ ذلك من أفنى عُمُرَهُ في الكلامِ في أُصولِ الفقهِ على طُرقِ أهلِ الكلامِ من غيرِ درايةٍ بمناهجِ أهلِ الحديثِ العارفينَ بهِ وجهُودِهم في تحقيقهِ وتنْقيحِهِ؟!
ولعلَّهُ من الجديرِ بالمُلاحظَةِ في هذه المسألةِ أن يُلغَى استخْدَامُ عبارةٍ (حديثُ الآحادِ يُفيدُ الظَّمِّ الرَّاجحَ) من غيرِ بيانٍ لحقيقةِ هذه
اللَّفظةِ، دفعًا لما يقعُ بها من اللَّبسِ، فإنَّها لفظةٌ اصطِلاحيَّةٌلمْ ترِدْ في كتابٍ ولا سُنَّةٍ، فلا محذُورَ في ترْكِهَا.
2ـ السُّنَّةُ من حيثُ نقلُهَا عندَ الحنفيَّةِ ثلاثَةُ أقسامٍ: سُنَّةٌ متواترَةً، وسُنَّةٌ مشهورة، وسُنَّةُ آحادٍ.
ويُعرِّفُونَ (السُّنَّةَ المشهورة) بأنَّها: (الَّتي رواهَا عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم صحابِيٌّ واحدٌ أو عددٌ لم يبلُغْحدَّ التَّواترِ، ثمَّ وقعَ التَّواتُرُ في طبقةِ التَّابعينَ فمنْ بعدَهُم) .
وهذا في التَّحقيقِ (سُنَّةُ آحادٍ) باعتبارِ عدَمِ التَّواتُرِ في أصلِ الرِّوايةِ، وهو مذهبُ الجمهورِ، لكنْ يُلاحَظُ أنَّ الحنفيَّةَ يُفرِّعُونَ على ذلك لكونِ السُّنَّةِ المشهورةِ عندَهُم لها من الدَّرجةِ ما للسُّنَّةِ المُتواترَةِ في إفادَةِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ، وإن نزلتْ عنهَا قُوَّةً من جهةِ النَّقلِ.
3ـ الحديثُ المُرسلُ هوَ ما رفعهُ التَّابعيُّ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو هوَ المنقطِعُ عندَ الأُصوليينَ، وهوَ من أنواعِ الحديثِ الضَّعيفِ عندَ المحدِّثينَ، وأسقطَ الاحتجَاجَ بهِ عامَّتُهُمْ، وكذا الشَّافعيَّةُ مِن الفُقهاءِ والأصوليينَ، لكنْ سهَّل فيه الحنفيَّةُ والمالكيَّة بشرطِ أن يكونَ المُرسلُ محترزًا لا يروِي في العادَةِ إلَاّ عنِ الثِّقاتِ، وأمَّا الإمامُ أحمدُ فالمشهورُ عنهُ الاحتجاجُ بالمرسلِ حيثُ يُعدمُ الحديثُ المُتَّصلُ الثَّابتُ أو لا يجدُ للصَّحابةِ في المسألةِ شيئًا، وقالَ قومٌ: (استثنى الشَّافعيُّ مراسيلَ سعيدِ
بنِ المسيَّبِ) لأنَّهُ كان من كبارِ التَّابعينَ، والتَّحقيقُ أنَّ الشَّافعيَّ لم يسْتَثْنِ مراسيلَ سعيدٍ، وإنَّما قبلهَا حينَ يأتي ما يُعضِّدُها من وجهٍ آخرَ وجعلَ لها مزيَّةً على مراسيلِ غيرهِ لأنَّ مُعظمَهَا اعتبِر فوجِدَ صحيحًا من وجوهٍ أُخرَ.
4ـ اشترطَ المالكيَّةُ لقبولِ (سُنَّةِ الآحادِ) أن لا تكونَ مخالفَةً لعملِ أهلِ المدينَةِ، وذلكَ أنَّ عملَ أهلِ المدينةِ بمنزلَةِ السُّنَّةِ المتواترَةِ حيثُ توارثُوا العملَ عن أسلافهِم جمعًا عن جمعٍ حتَّى عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتواترُ مقَدَّمٌ على الآحادِ.
والتَّحقيقُ في هذه المسألةِ:
أنَّ مذهبَ مالكٍ الَّذي يُبيِّنُه المحقِّقُونَ من أصحابِهِ كأبي الوليدِ الباجيِّ وغيرهِ رحمهم الله أنَّه يرى الاحتِجاجَ بعملِ أهلِ المدينةِ فيما كان الأصلُ فيه النَّقلَ لا الاجتهادَ، مثلُ: ألفاظِ الأذانِ، وتركِ الجهرِ بالبسملَةِ عند قراءةِ الفاتحةِ في الصَّلاةِ، فهذا وشِبْهُه ليسَ لأهلِ المدينةِ فيه اجتهادٌ، وإنَّما الأصلُ فيه التَّلقِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحينَ يتداولهُ أهلُ المدينة جيلاً عن جيلٍ إلى عهدِ مالكٍ، ولم يكُنْ عهدُهُ بعيدًا عنهم فإنَّهُ من أتباعِ التَّابعينَ، ولم تَنْدَثر السُّننُ بعدُ في مثلهِ ولم يقعْ فيها التَّغييرُ، فهذا بمنزلة نقلهِم الحديثَ نقلَ الجمعِ الَّذي تُحيلُ العادَةُ تواطؤهم على الكذبِ، فكانَ ذلكَ العملُ كالحديثِ المتواترِ
الَّذي لا يجوزُ أن يُعارضَ بسُنَّةِ لآحادٍ.
هذا مذهبُ مالكٍ رحمه الله، والتَّحقيقُ أنَّ النَّاظِرَ في تاريخ الإسلامِ يجدُ أنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذين هُم حملةُ السُّننِ من بعدِه قدْ تفرَّقُوا في الأمصارِ، وعند َ كلٍّ من العلمِ ما ليسَ عندَ غيرهِ، وما جرى عليه عملُ النَّاسِ بالمدينةِ جائزٌ أن يكونَ ممَّا تبعُوا فيه وجهًا من النَّقلِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يجوزُ أن يكونَ من حمَلَ سُنَّةً آحاديَّةً في مسألةٍ من الصَّحابةِ ممَّن فارقَ المدينَةَ فكانَ في غيرِهَا بقيَّةَ عُمرِهِ لم يَنْشُرْ تلكَ السُّنَّةَ إلَاّ حيثَ نزلَ، فحُرِمَ منها أهلُ المدينَةِ ومضَوا على العملِ بغيرِ مُقتضاها، وجائزٌ أن يكونَ وقعَ التَّغييرُ في الشَّيءِ من عملِ أهلِ المدينةِ، فقدْ حُكِمَتْ المدينةُ بعدَ الصَّحابةِ أو في أواخرِ عهدِهِم إلى عهدِ مالكٍ بأمراءَ فيهم من عُرفَ بالميلِ عن القصدِ وكان لهُم من السُّلطانُ ما كانَ يُمكنُهم بهِ إشاعَةُ الأمرِ بما يُخالفُ السُّنَّةَ حتَّى يشيعَ وينتشرَ، فهذهِ الاعتبارَاتُ وغيرُها تُلغي اعتبارَ صحَّةِ هذا المذهبِ من أصلهِ، وإنَّما يُعتبرُ منه ما وافقَ السُّنَّةَ المسنَدَة المنقولَةَ الثَّابتَةَ، لا يكونُ هوَ حاكمًا عليها.
5ـ اشترطَ الحنفيَّةُ شرطينِ آخرينِ لقبولِ سُنَّةِ الآحادِ:
[1]
أن لا تكونَ في أمرٍ تعمُّ به البَلْوَى.
ومعنى ذلكَ: أنَّ الأمرَ الَّذي تعمُّ به البلوَى هوَ الأمرُ الشَّائعُ المنتشِرُ المُعلنُ، فلو وقعَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال فيهِ قولاً أو فعلَ فعلاً فالدَّواعي متوافرَةٌ على حفظِهِ ونقلهِ، فيجبُ أن لا يُقبلَ إلَاّ إذا رواهُ الجمعُ الكبيرُ، إّْ لا يُحتملُ مثلُهُ من الرَّاوي الفرْدِ، ويُقالُ: أينَ كانَ غيرُهُ من حفظِهِ وروايتِهِ؟
وهذا في التَّحقيقِ لا أثرَ لهُ، ولو رجعَتْ إلى ما تقدَّم ذكرُهُ من الفوارقِ بين نقلِ القُرآنِ، ونقلِ السُّننِ أدركْتَ أنَّ الأمرَ الشَّائعَ قدْ لا يُحفظُ فيه إلَاّ الحديثُ الواحدُ، لا لأجلِ أنَّهُ لم يحملُهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَاّ الرَّجلُ الواحدُ، وإنَّما لأجلِ أنَّهُ لم يُحدِّثْ به عنهُ إلَاّ الرَّجلُ الواحددُ، وفرْقٌ بين الصُّورتينِ لا يخفى، وهذه الأحاديثُ الآحادُ الَّتي لا تُحصى كثرةً جاءتْ في أمورٍ تعمُّ بها البلوى، وما أدَّى النَّاسُ ولا حدَّثُوا فيها إلَاّ بالحديثِ الواحدِ، وخُذْ لذلكَ مثالاً حديثَ:((الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)) ، فهوَ سُنَّةُ آحادٍ، لم تصحَّ له روايةٌ إلَاّ من حديثِ عُمرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، مع أنَّه أصلٌ في جميعِ الأعمالِ وقاعِدَةٌ عظيمةٌ، ومنَ المظنُونِ أن يكونَ قدْ حدَّثَ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غيرَ عُمَر، لكنْ لم يُؤدِّه عنهُ أحدٌ سواهُ.
ومن تأمَّل شرْطَ الحنفيَّةِ هذا في طريقَتِهِم وجَدَهُم خالفُوهُ ولمْ يلْتَزِمُوهُ، بل تعدَّوْهُ إلى الضَّعيفِ من أخبارِ الآحادِ في أمورٍ تعمُّ بها البلوَى على تفسيرِهِمْ.
وقدْ خالفَهُمُ الجُمهورُ في هذا الشَّرطِ من المالكيَّةِ والشَّافعيَّةِ والحنابلَةِ وغيرِهِمْ.
[2]
أنْ لا يترُك راويهَا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم العملَ بها، فإذَا تركَ العملَ بها لم تَكُن حُجَّةً.
وبنوا ذلك على أنَّ ترْكَهُ مُخالفَةٌ، والصَّحابيُّ لا يجوزُ أن يتعمَّدَ مخالفةَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك التَّركِ منهُ دليلٌ على نسخِ تلكَ السُّنَّة.
وهذا قولٌ لم يُقبلُ من الحنفيَّةِ، فإنَّ الصَّحابيَّ غيرُ معصومٍ من نسيانٍ أو غفلةٍ، والرَّاوي قد يُحدِّثُ بالشَّيء فيأتِي عليهِ الزَّمانُ فينساهُ، كما نسيَ عُمرُ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه قصَّةَ التَّيمُّمِ وذكَّرهُ بها عمَّارُ بنُ ياسرٍ رضي الله عنه، والقصَّةُ في ((الصحيحينِ)) ، في وقائعِ كثيرةٍ تُشبِهُ ذلكَ، وكذلكَ فإنَّ التَّأويلَ غيرُ ممتنعٍ، كما تأوَّلتْ عائشةُ إتمامَ الصَّلاةِ في السَّفرِ، وأُتمَّتْ صلَاةُ الحضرِ [متفقٌ عليه] ، فيجوزُ أن يكونَ هذا الاحتمالُ أو غيرُهُ واردًا على رأيِ من رَوَى خبرًا فخالَفَهُ، وهذا بخلافِ روايتِهِ فإنَّها سالمَةٌ من هذه الاعتِراضاتِ.
6ـ لا يصحُّ تصوُّرُ ورودِ سُنَّةٍ ثابتةٍ من جهةِ النَّقلِ أن تكونَ مُخالفَةً للأصولِ المقطوعِ بها في دينِ الإسلامِ، أو للقرآنِ، أو الحديثِ المتواترِ، وإن وُجِدَ شيءٌ في الظَّاهرِ يُدَّعى عليهِ ذلكَ فهوَ في التَّحقيقِ يرجعُ إلَى