الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن ينزلَ فينا القُرآن، فلمَّا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلَّمنَا، [أخرجه البخاريُّ وابن ماجه وأحمدُ واللَّفظُ له] .
[3]
أن يكونَ الشَّيء مِمَّا جرى به عُرفُ النَّاسِ زمَنَ التَّشريعِ، ولمْ يأتِ من الشَّارعِ فيه أمرٌ ولا نهيٌ، فهوَ تقريرٌ من الشَّارعِ لعدَمِ الحُكمِ.
مثالهُ: أنَّ النَّاسَ كانُوا يتَّخذون الخيلَ، ولم يأتِ أنَّهُم كانُوا يُخريجونَ عنها الزَّكلة، ولو كانُوا يفعلونَ لحُفظَ ذلكَ، فحيثُ لم يأتِ فيه شيءٌ دلَّ على أن لا شيءَ فيهِ.
الوجوه التي تقع عليها التصرفات النبوية
* النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كان المبلغُ لأمَّتِهِ عن الله تعالى شرائعَ الدِّنِ، فكانَ مصدرَ الأحكامِ وإليهِ سُلطةُ الفتوى بحكمِ أنَّه رسول الله، لكنَّه لم يستقلَّ بهذه الوظيفةِ فحسب، بلْ كانتْ لهُ سلْطةُ الحُكمِ والسِّياسةِ والإمامةِ، كما كانتْ لهُ سُلطةُ القضاءِ والفصْلِ بين الخُصوماتِ، وبهذه الاعتباراتِ جاءتْ تصرُّفاتُهُ من الأقوالِ والأفعالِ والتَّقريرَاتِ على وجُوهٍ أربعةٍ جديرٌ بالفقيهِ مُلاححَظَتُها، هيَ:
1ـ تصرُّف مقطوعٌ بكونه صدرَ منهُ صلى الله عليه وسلم بمقتضى الحُكِ والسِّياسَةِ.
مثلُ: إقطاعِ الأراضي، وإقامةِ الحُدُودِ، وقيادَةِ الجُيوشِ، وقسمَةِ
الغَنائمِ، وتوزيعِ أموالِ بيتِ المالِ في المصالحِ.
فهذا النَّوعُ لم يكُن يقعُ من أحدٍ إلَاّ بإذنهِ صلى الله عليه وسلم، فهوَ حقٌّ للحاكمِ لا يؤذنُ فيه للأفرادِ بلا خلافٍ يُذكرُ بين أهلِ العلمِ.
2ـ تصرُّفٌ مقطوعٌ بكونِهِ صدرَ منهُ صلى الله عليه وسلم على وجهِ القضاءِ.
مثلُ إلزامِ الدُّيونِ، وتسليمِ الحقوقِ، وفسخِ الأنكِحةِ.
فهذا النَّوعُ لم يكُن يقعُ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَاّ بحكمِ القضاءِ، وما كانَ يجرُؤ عليه أحدٌ بغير إذنهِ، فهو حقٌّ للقاضي لا يُؤذنُ فيه إلَاّ لمن كانتْ لهُ وِلايَةُ قضاءٍ بلا خلافٍ يُذكرُ عن أهلِ العلمِ.
3ـ تصرُّفٌ مقطوعٌ بكونِه صدرَ منهُ صلى الله عليه وسلم على وجهِ الإفتاءِ وبيانِ الشَّرائعِ لعُمومِ الأمَّةِ.
مثلُ: بيانِ أحكامِ العباداتِ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ ومناسكِ الحجِّ.
فهذا عامٌّ في حقِّ كلِّ فرْدٍ، لا يتوقَّفُ امتثالهُ على إذنِ حاكمٍ ولا قضاءِ قاضٍ، وهو الأصلُ الغالبُ فيما صدرَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من السُّننِ.
4ـ تصرُّفٌ صدر منهُ صلى الله عليه وسلم ليسَ بصريحٍ في إرادَةِ واحدٍ من الوجوهِ المتقدِّمةِ، فهو يحتملُ الإلحاقَ بهذا أو ذاك منها، وهذا ممَّا وقعَ فيهِ اختلافُ العلماءِ.
وإليكَ ثلاثة أمثلةٍ لذلك:
[1]
حديثُ جابرِ بن عبد الله رضي الله عنهما: عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((منْ أحيَا أرضًا ميتةً فهيَ لهُ)) [حديثٌ صحيحٌ أخرجه التِّرمذِيُّ وغيرُهُ] .
فمذهبُ مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ وغيرهم: هذا تصرُّفٌ بالفُتيا، فلكلِّ أحدٍ حقٌّ في إحياءِ الأرضِ الميتةِ من غيرِ توقُّفٍ على إذنِ السُّلطانِ.
وخالفهُمْ أبُوحنيفةَ، فقالَ: هذا تصرُّفٌ بالحكمِ، فلا يحلُّ لأحدٍ إلَاّ بإذنِ الإمامِ.
[2]
حديثُ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ، لا يُعطيني من النَّفقةِ ما يكفينِي ويكفي بَنِيَّ، إلَاّ ما أخذْتُ من مالهِ بغيرِ علمِهِ، فهلْ عليَّ في ذلكَ من جُناحٍ؟ فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:((خُذي من مالهِ بالمعروفِ ما يكفيكِ ويكفي بنيكَ)) [متفقٌ عليه] .
فذهَبَ كثيرٌ من العُلماءِ إلى أنَّ هذا من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تصرُّفٌ بالفُتيا، فهوَ حكمٌ عامٌّ لكلِّ أحدٍ إنْ كانَ لهُ حقٌّ عندَ غيرِهِ فظفرَ بهِ أنَّ لهُ أن يأخذَهُ.
وذهبَ مالكٌ إلى أنَّ هذا تصرُّفٌ بالقضاءِ، وعليهِ اعتراضاتٌ ليسَ