الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا محلُّهَا.
[3]
حديثُ أبي قتادَةَ رضي الله عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((من قتلَ قتيلاً لهُ عليهِ بيِّنةٌ سلَبَهُ)) [متفقٌ عليه] .
هذا تصرُّفٌ بالإمامَةِ عند كثيرٍ من أهلِ العلم فلا يستحقُّ القاتلُ السَّلبَ إلَاّ بإذنِ الإمامِ، خلافًا للشَّافعيِّ، واختلفُوا: هلْ هو حقٌّ لازمٌ لهُ، فيكونُ ذلك من قبيلِ الفُتيا النَّبويَّةِ للحُكَّامِ والأئمَّةِ، أم يفعلُهُ الإمامُ سياسةً إنْ رأى مصلحةً تستدعيهِ؟ فذهبَ مالكٌ إلى أنَّهُ سياسةٌ يفعلُهُ الإمامُ إذا رأى، وذهبَ غيرُهُ إلى أنَّهُ حقٌّ له يُعطيهِ إيَّاهُ الإمامُ إذا جاءَ ببيِّنةٍ، في تفصيلٍ وبسْطٍ ليسَ هذا موضِعَهُ.
حجيَّة السنة
* السُّنَّةُ حُجَّةٌ ومصدرٌ تشريعِيٌّ كـ (القُرآنِ) في إفادَةِ الشَّرائعِ والأحكامِ في دينِ الإسلامِ، اتَّفقَ على ذلك الصَّدرُ الأوَّلُ من هذهِالأمَّةِ وعامَّةُ أئمَّةِ الدِّينِ بعدَهُم ممَّن اقتفى آثارهُم وجرَى على منهاجهم في تقديم النَقلِ والوحيِ على العقلِ والرَّأي.
ولهمْ من البراهين ما لايُحصَى ممَّا يعودُ إليه تقريرُ هذا الأصلِ، ترجعُ إلى وجوهٍ، إليك ذكرهَا مختصرةً:
1ـ استواءُ السُّنَّة مع القرآنِ في كونهَا وحيًا، فقد قال تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3ـ4]، وعنِ المِقدامِ بنِ معدي كرِبَ رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألَا إنِّي أوتيتُ الكتابَ ومثلهُ معهُ، ألَا يُوشكُ رجلٌ شبعانَ على أريكته يقولُ: عليكُم بهذا القرآنِ، فما وجدتُّم فيه من حلالٍ فأحلُّوهُ، ما وجدتُّم فيه من حرامٍ فحرِّمُوهُ)) [حديثٌ صحيحٌ أخرجه أبوداود وغيرُه] ، ففي هذا إبانَةٌ عن كونِ السُّنَّةِ ممَّا أُوتيَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأنَّها في إفادَةِ التَّشريعِ كالقُرآنِ، وهذا معنى المثليَّةِ في الحديثِ مؤكَّدًا بإنكارِ التَّفريقِ بينهمَا في المثلِ المضروبِ.
2ـ مساواةُ الله تعالى بين طاعتهِ وطاعةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وأمرُهُ بإعادَةِ الخلافِ إليهِ وإلى نبيِّه للفصلِ فيهِ، كما قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وقال:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] ، ففي هذا دليلٌ على أنَّهُ حكمٌ واحدٌ كُلُّهُ في الأصلِ حكمُ الله تعالى، والعلَّةُ فيه أنًَّ الله عزَّوجلَّ عصمَ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم من أن يقولَ عليه غيرَ الحقِّ أو ينسُبَ إلى دينهِ الباطلَ فكانَ لا يصدُرُ إلَاّ عن أمرهِ وشرْعِهِ.
3ـ تمكينُ الله تعالى نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم من شرحِ الكتابِ وتفصيلِ أحكامِهِ وشرائعِهِ دليلٌ على أنَّ اكتمالَ الإدراكِ لأحكامِ الكتابِ لا يتمُّ إلَاّ ببيانِ
الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم فيكونُ الاحتجاجُ بالسُّنَّةِ غيرَ متأخرِ الرُّتبةِ عن درجةِ الكتابِ في إفادَةِ التَّشريعِ لاحتياجِ الكتابِ إليها، كما قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] .
وما تقدَّم ذكرُهُ في (أحكام القرآن) من إرجاء تفصيلِ الأحكامِ إلى السُّنَّة صريحُ الدَّلالةِ على امتناعِ فهمِ شرائعِ الدِّين من الكتابِ دونَ السُّنَّةِ، فلو تُركَ النَّاسُ ليصلُّوا بمُقتضى دلالةِ الكتابِ لمَا عرفَ أحدٌ كيفَ ولا متى ولا على أيِّ صفةٍ يصلِّي، وهكذا أكثرُ الأحكامِ.
4ـ أمرُ الله الصَّريح في كتابه بقبولَ ما جاءَ به الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم من غيرِ تفريقِ بين قرآنٍ وغيرهِ، وتحذيرُهُ أشدَّ التَّحذيرِ من مخالفَةِ ذلكَ، بُرهانٌ قائمٌ بذاتهِ على اعتبارِ السُّنَّةِ دليلاً لإثباتِ شرائعِ الدِّين، من ذلكَ قوله تعالى:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقوله عزَّوجلَّ:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] .
أخرج البُخاريُّ ومسلمٌ عن عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال: ((لعنَ الله الواشمَاتِ والمُوتَشمَاتِ، والمُتنمِّصاتِ، والمُتفلِّجاتِ للحُسنِ، المُغيِّراتِ خلقَ الله)) فبلغَ ذلكَ امرأةً من بني أسدٍ يُقالُ لها
أمُّ يعقوبَ، فجاءتْ فقالتْ: إنَّهُ بلغني أنَّك لعنْتَ كيتَ وكيتَ، فقالَ: ومالي لا ألعنُ من لعنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هُو في كتابِ الله؟ فقالتْ: لقد قرأتُ ما بينَ اللَّوحينِ فما وجدتُ فيه ما تقولُ، قال: لئنْ كُنتِ قرأتِهِ لقدْ وجدتيهِ، أما قرأتِ؟ :{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ؟ قالتْ بلَى، قال: فإنَّهُ قد نهَى عنهُ، قالتْ: فإنِّي أرى أهلكَ يفعلونهُ، قال: فاذهبي فانظُري، فذهبتْ فنظرَتْ فلمْ ترَ من حاجتها شيئًا، فقال: لو كانتْ كذلك ما جامعتْنَا.
5ـ مٌضيُّ سبيلِ المؤمنينَ على الاحتجَاجِ بالسُّننِ المرويَّةِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثباتِ شرائعِ الدِّينِ كالقُرآن وهي عندهُم شَطْرُهُ تحت مسمَّى الوحي، ولذلك يمنعونَ الاجتهادَ في قضيَّةٍ فصلتْ فيها كما يمنعونَ الاجتهادَ عندَ ورودِ القرآنِ بفصْلهَا، وكانَ من حادَ عنها عندَهُم بعدَ العلمِ بها زائغًا عن الهُدَى كما يصفونَ بذلكَ من حادَ عن القرآنِ، وكانَ الفرقُ عندَهُم بين الشَّرعِ والإحداثِ يتميَّزُ بمُخالفَةِ السُّنن، ولِذا أصْبحَتِ (السُّنَّةُ) مقابلةً لـ (البِدعَة) .
وهذا معنى يطولُ استقصاؤهُ، وقدْ جُرِّدتْ فيه كتبٌ كثيرةٌ قُصدَ فيها إبطالُ مقالةِ من أسقطَ الاستدلالَ بالسُّننِ أو أضْعفَ شأْنَهَا من أصحابِ البِدَعِ.