الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع
شرع من قبلنا
* تعريفه:
هوَالأحكامُ الَّتي شرعهَا الله تعالى للأُمَمِ السَّابقةِ على ألسنةِ رُسُلهِ إليهمْ، كشرائعِ أهل الكتابِ.
* أنواعه:
1ـ أحكامٌ شُرعتْ للأُممِ قبلَنا، وجاءَ الكتابُ أو السُّنَّةُ بجعْلهَا تشريعًا لهذه الأمَّةِ.
كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ} [البقرة: 183] .
فهذا النَّوعُ حجَّةٌ دونَ شكٍّ فقد كُلِّف به المسلمونَ بنصِّ الكتابِ أو السُّنَّةِ.
2ـ أحكامٌ شُرعتْ للأممِ قبلنَا، وجاء الكتابُ أو السُّنَّةُ ببيانِ كونهَا منسوخَةً لم تُشرعْ لهذه الأمَّةِ.
كما في قوله تعالى في تحيَّةِ أهلِ يُوسف لهُ {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] ، فهذا منسوخٌ في شريعتنا لهذه الأمَّةِ، ومن الدَّليلِ
على نسخِهِ قولهُ صلى الله عليه وسلم: ((ما ينبغي لأحدٍ أن يسجدَ لأحدٍ، ولو كانَ أحدٌ ينبغي أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأةُ أن تسجدَ لزوجِها، لما عظَّم الله عليها من حقِّه)) [حديثٌ صحيحٌ رواهُ التِّرمذيُّ وغيرُهُ] .
وكثيرٌ من التَّشديدِ في الشَّرائع كان على من قبلَنا من الأممِ وضعَهُ الله تعالى عن هذه الأمَّةِ تخفيفًا منه ورحمةً، فاستجاب قول المؤمنين:{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286]، وقال في صفةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:{وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] ، يريدُ بذلك أهلِ الكتابِ.
فهذا النَّوع ليس بتشريعٍ لنا بلا خلافٍ.
3ـ أحكامٌ عن الأممِ قبلنَا لم يرِدْ لها ذكرٌ في كتابٍ ولا سنَّةٍ، كالَّذي يوجدُ عند أهل الكتابِ ممَّا يرونهُ دينًا من الشَّرائعِ الَّتي لا تُعلمُ إلَاّ من طريقهِم ولم تُبطلها شريعتُنا.
فهذا النَّوعُ ليسَ بتشريعٍ لنا بلا خلافٍ، والأمرُ موقوفٌ في تصديقه أن يكونَ من شرائعِ الله أو ليسَ منها، كما في حديث أبي هريرَةَ رضي الله عنه قال: كان أهلُ الكتابِ يقرأُون التَّوراةَ بالعبرانيَّةِ ويفسِّرونها بالعربيَّةِ لأهل الإسلامِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا تُصدِّقوا أهل الكتابِ ولا تُكذِّبوهم، وقولو: {آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] )) ، وعن عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كيفَ
تسألونَ أهل الكتابِ عن شيءٍ وكتابُكمْ الَّذي أُنزلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدثُ، تقرأونهُ محضًا لم يُشبْ، وقدْ حدَّثكمْ أنَّ أهلَ الكتابِ بدَّلوا كتاب الله وغيَّروهُ وكتبُوا بأيديهِم الكتابَ، وقالوا: هو من عندالله ليشتروا به ثمنًا قليلاً؟ ألا ينهاكمْ ما جاءَكُم من العلمِ عن مسألتِهمْ لا والله، ما رأينا منهُم رجلاً يسألُكم عن الَّذي أُنزلَ عليكمْ [أخرجهما البُخاريُّ] .
4ـ أحكامٌ جاءتْ بها نصُوصُ الكتابِ والسُّنَّةِ، ولم يأتِ دليلٌ على اعتبارِ هذا الحكمِ شرعًا لنا أو ليسَ بشرعٍ كذلكَ.
فهذا النَّوع هو موضعُ اختلافِ العلماءِ: هلْ يُعدُّ من أدلَّةِ التَّشريعِ، أو ليسَ منهَا؟ على مذهبينِ:
[1]
هو شرعٌ لنا، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ وأكثرِ الشَّافعيَّةِ والأصحُّ عن أحمدَ بن حنبلٍ وكثيرٍ من أصحابهِ.
واستدلُّوا بقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى: 13] ، والدِّينُ شاملٌ للأصولِ والفُروعِ، وبقوله تعالى بعدَ ذِكرِ المرسلينَ يخاطبُ نبيَّهُ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] ، فأمرهُ بالاقتداءِ بهمْ، والأمرُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أمرٌ لأمَّتِه ما لم يرِدِ التَّخصيصُ بهِ.
وثبتَ عن العوَّام بن حوشبٍ قالَ: سألتُ مجاهدًا عن سجْدَةِ {ص} ؟ فقالَ: سألتُ ابن عباسٍ: من أين سَجَدْتَ؟ فقال: أوما تقرأُ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84]، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] ، فكان داودُ ممَّن أُمرَ نيُّكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدِي بهِ، فسجَدَها داوُدُ عليه السلام فسجدَها رسول الله صلى الله عليه وسلم:[أخرجه البخاريُّ] .
وقدِ استدلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالشَّيءِ من ذلكَ، فعنْ أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رقدَ أحدُكُم عن الصَّلاةِ أو غفلَ عنْها، فليُصلِّها إذا ذكرهَا، فإنَّ الله يقولُ: [طه: 14] )) [متفق عليه، واللفظُ لمسلمٍ، والبُخاريُّ نحوهُ] ، فهذا قولُ اله شريعةً لموسى عيه السَّلامُ.
[2]
ليسَ شرعًا لنَا، وهذا المذهبُ قولٌ للشَّافعيَّةِ والحنابلَةِ.
واستدلُّوا له بقوله تعالى: [المائدة:48] .
والرَّاجحُ المذهبُ الأوَّلُ، وأمَّا دليلُ المذهبِ الثَّاني فلا يُعارضُ أدلَّةَ المذهبِ الأوَّلِ، فإنَّ الله تعالى أنزلَ على كلِّ رسولٍ من الشَّرائعِ قانونًا لا يشبَهُ كلِّ وجهٍ ما بعثَ به الآخرن يكونُ في شريعةِ هذا ما ينسخُ شيئًا من شريةِ هذا ويزيدُ عيها ما لم تأْتِ بها، أمَّا أن تكونَ كلُّ
شريعةٍ تستقلُّ عن الأخرى من كلِّ وجهٍ فهذا ليسَ بصوابٍ، كما يمكنُ أن يدُلَّ عليه النَّوعُ الأوَّلُ والثَّاني من الأحكامِ.
ويزيدُ في تأكيدِ صحَّةِ المذهبِ الأوَّلِ: أنَّ الحُكم حينَ يأتي عن شرعِ من قبْلنَا في الكتابِ والسُّنَّةِ إبطالٌ لذلكَ الحكمِ، فهو دليلٌ على إقرارِه شرعًا لنا.
* * *