المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمالِ، والعِرضِ، والعقلِ، كالتَّفرُّغِ للعُلومِ المتخصِّصَةِ في الشَّريعَةِ والحياةِ، وإدارةِ - تيسير علم أصول الفقه

[عبد الله الجديع]

فهرس الكتاب

- ‌أصول الفقه

- ‌الفرق بين القاعدة الأصولية والفقهية:

- ‌مباحث الأحكام

- ‌1ـ معنى الحكم

- ‌2ـ أقسام الحكم

- ‌الحكم التكليفي

- ‌1- الواجب

- ‌2ـ المندوب

- ‌3ـ الحرام

- ‌4ـ المكروه

- ‌5ـ المباح

- ‌الحكم الوضعي

- ‌1ـ السَّببُ

- ‌3ـ الشَّرط

- ‌3ـ المانع

- ‌4ـ الصحة والبطلان

- ‌5ـ العزيمة والرخصة

- ‌أسباب الرخص:

- ‌أنواعُ الرُّخص:

- ‌درجات الأخذ بالرخص:

- ‌هل يُمنعُ الأخذ بالرُّخص

- ‌3ـ الحاكم

- ‌ وظيفةُ العقل:

- ‌4ـ المحكوم فيه

- ‌ متى يلزم الفعلُ المكلف

- ‌أنواع الفعل المكلف به باعتبار من يُضاف إليه:

- ‌5ـ المحكوم عليه

- ‌6ـ الأهلية

- ‌ عوارض الأهلية:

- ‌1ـ عوارض كونية

- ‌1ـ الجنون:

- ‌2ـ العتَه:

- ‌3ـ النسيان:

- ‌4 ـ النوم والإغماء:

- ‌5ـ المرض:

- ‌6ـ الحيض والنفاس:

- ‌7ـ الموت:

- ‌2ـ عوارض مكتسبة

- ‌1ـ الجهل:

- ‌2ـ الخطأ:

- ‌3ـ الهزل:

- ‌4ـ السفه:

- ‌5ـ السكر:

- ‌6ـ الإكراه:

- ‌أدلة الأحكام

- ‌تمهيد

- ‌الدليل الأولالقرآن

- ‌ مسألة تأخير البيان:

- ‌الدليل الثانيالسنة

- ‌أقسام السنن

- ‌(1) سنة قولية

- ‌(2) سنة فعلية

- ‌قاعدة التروك النبويَّة

- ‌(3) سنة تقريرية

- ‌الوجوه التي تقع عليها التصرفات النبوية

- ‌حجيَّة السنة

- ‌طرق ورود السنن

- ‌1ـ السنة المتواترة

- ‌2ـ سنة الأحاد

- ‌أنواع الأحكام الواردة في السنة

- ‌دلالة السنن على الأحكام

- ‌الدليل الثالثالإجماع

- ‌ الإجماع السكوتي:

- ‌الدليل الرابعشرع من قبلنا

- ‌الدليل الخامسالقياس

- ‌أركان القياس

- ‌1ـ الأصل

- ‌2ـ الفرع

- ‌3ـ حكم الأصل

- ‌4ـ العلة

- ‌حجية القياس

- ‌مسألة الاستحسان

- ‌الدليل السادسالمصلحة المرسلة

- ‌ ضوابط الاحتجاج بالمصلحة المرسلة:

- ‌مسألة سد الذرائع

- ‌مسألة في أحكام الحيل

- ‌الدليل السابعالعرف

- ‌الدليل الثامنمذهب الصحابي

- ‌الدليل التاسعالاستصحاب

- ‌خلاصة القولفي الاحتجاج بالأدلة المتقدمة

- ‌قواعد الاستنباط

- ‌1ـ القواعد الأصولية

- ‌القسم الأولوضع اللفظ للمعنى

- ‌1ـ الخاص

- ‌المطلق والمقيد

- ‌الأمر

- ‌النَّهي

- ‌هل النَّهي يقتضي الفساد

- ‌الأمرُ بالشَّيءِ نهيٌ عن أضْدادِه

- ‌صيغة النفي:

- ‌2ـ العام

- ‌ تخصيص العام

- ‌3ـ المشترك

- ‌القسم الثانياستعمال اللفظ في المعنى

- ‌1ـ الحقيقة والمجاز

- ‌2ـ الصريح والكناية

- ‌القسم الثالثدلالة اللفظ على المعنى

- ‌1ـ الواضح الدلالة

- ‌(1) الظاهر

- ‌(2) النص

- ‌حقيقة التّأويل

- ‌(3) المفسَّر

- ‌(4) المحكم

- ‌2ـ غير الواضح الدلالة

- ‌(1) الخفي

- ‌(2) المشكل

- ‌(3) المجمل

- ‌(4) المتشابه

- ‌القسم الرابعكيفية دلالة اللفظ على المعنى

- ‌1ـ عبارة النص

- ‌2ـ إشارة النص

- ‌3ـ دلالة النص

- ‌4ـ اقتضاء النص

- ‌5ـ مفهوم المخالفة

- ‌2ـ معرفة مقاصد التشريع

- ‌ أنواع المصالح المقصودة بالتشريع:

- ‌1ـ الضَّروريَّات:

- ‌2ـ الحاجيَّات:

- ‌3ـ التَّحسينيَّات:

- ‌ ترتيب المصالح:

- ‌ القواعد المبنيَّة على مراعاة مقاصد التشريع:

- ‌ منافاة البدعة لمقاصد التشريع:

- ‌3ـ تعارض الأدلة

- ‌1- إعمال الدليلين

- ‌2ـ الناسخ والمنسوخ

- ‌ ثبوت النسخ في الكتاب والسنة:

- ‌ شروط النسخ:

- ‌ أنواع ما يقع به النَّسخ:

- ‌ الوجوه التي يقع عليها النسخ في القرآن:

- ‌ طريقُ معرفة النسخ:

- ‌3ـ الترجيح

- ‌الاجتهاد والتقليد

- ‌1ـ الاجتهاد

- ‌ حكمه:

- ‌ الخطأ في الاجتهاد:

- ‌ ما يمتنع فيه الاجتهاد

- ‌ ما يجوزُ فيه الاجتهاد:

- ‌ المجتهدُ وشروطه:

- ‌1ـ معرفَة اللُّغَةِ العربيَّةِ

- ‌2ـ معرفَةُ القرآنِ

- ‌3ـ معرفة السُّنَّة

- ‌4ـ معرفةُ علمِ أُصولِ الفقه

- ‌5ـ معرفَةُ مواضعِ الإجمَاعِ

- ‌2ـ التقليد

- ‌ تقليد الفقهاء الأربعة:

الفصل: والمالِ، والعِرضِ، والعقلِ، كالتَّفرُّغِ للعُلومِ المتخصِّصَةِ في الشَّريعَةِ والحياةِ، وإدارةِ

والمالِ، والعِرضِ، والعقلِ، كالتَّفرُّغِ للعُلومِ المتخصِّصَةِ في الشَّريعَةِ والحياةِ، وإدارةِ شؤونِ الحُكمِ والقضاءِ والسِّياسَةِ.

واجتمَاعُ النَّاسِ على التَّفريطِ بِهذا الواجبِ اجتِماعٌ على الإثمِ، ولا تبرأُ ذِمَمُهُمْ حتَّى يوجدَ فيهِمْ من يُحقِّقُ الكفايَةَ لسائِرِ المسلمينَ بتحصيلِ ذلكَ الواجِبِ.

‌2ـ المندوب

"تعريفه:

لغةً: يُقالُ: (ندَبَ القومَ إلى الأمرِ) أيْ: دعاهُمْ وحثَّهُم إليهِ، فالنَّدْبُ: الدَّعوةُ إلى الشَّيءِ والحثُّ عليهِ، و (المندُوبُ) المدْعوُّ إليهِ.

واصطلاحًا: ما طلبَ الشَّارعُ فعلُهُ من غير إلزامٍ، ورتَّب على امتثالهِ المدحَ والثَّوابَ، وليسَ على تركِهِ الذَّمُّ والعقابُ.

"صيغته:

1ـ كلُّ صيغَةِ أمرٍ قامَ بُرهانٌ على عدَمِ الإلزامِ بها، لأنَّهُ كما تقدَّم في (الواجبِ) أنَّ صيغَةَ (افْعَلْ) دالَّةٌ على الوجوبِ بأصلِ وضعِهَا على أصحِّ المذاهبِ وأقواهَا دليلاً، فإذا قامَ بُرهانٌ على إرادَةِ مجرَّدِ النَّدبِ صُرِفتْ دلالَةُ تلكَ الصِّيغَةِ إلى النَّدْبِ.

ص: 28

مثلُ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، فقولُهُ:{فَاكْتُبُوهُ} صيغةُ أمرٍ أصلُ دلالتِها على الوجوبِ، لكنَّ الحُكمَ معقولُ المعنى يتعلَّقُ بحُقوقِ الخلقِ، فإذا وجدُوا استغناءً عن الكتابةِ بالثِّقةِ والتَّراضِي فهي حقوقُهم وهُم أصحابُها، وما يقعُ من الضَّرَرِ فهم يحتمِلوهُ، فلِذا قال من بعْدُ:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] ، فكان الأمرُ بالكتابةِ على سبيلِ النَّدبِ والحثِّ والإرشادِ لمصلحتِهِمْ.

2ـ كلُّ صيغةٍ خبريَّةٍ تضمَّنتِ الحثَّ وليسَتْ مؤوَّلةً بالأمرِ، كصِيغِ التَّرغيبِ بأذكارٍ أو تطوُّعاتٍ مخصوصةٍ، كأنْ يجيءَ:(مَن قالَ كذا فلهُ كذَا وكذا)، أو:(مَن صلَّى كذا فلهُ كذا) .

3ـ كلُّ فِعلٍ نبويٍّ قُصِدَ به التَّشريعُ على ما سيأتِي بيانُهُ في (دليلِ السُّنَّةِ) ، كصلاةِ الرَّواتبِ، وصيامِ التَّطوُّعِ.

* ألقابه:

يُسمَّى (المَنْدُوبُ) :

1ـ السُّنَّة. 2ـ النَّافلَةَ. 3ـ المُسْتَحَبَّ.

4ـ التَّطوُّعَ. 5ـ الفضيلةَ.

ومن العُلماءِ من يقولُ: يُسمَّى (مندُوبًا) إذا كانتْ مصلَحتُهُ أُخرويَّة، و (إرشادًا) إذا كانتْ مصلَحَتُهُ دُنيَويَّة.

ص: 29

"درجاته:

ليسَتِ المندُوباتُ على درجَةٍ واحدَةٍ من جهةِ النَّدبِ إليهَا، بلْ متفاوتَةٌ باعتباراتٍ:

1ـ سُنَّة مُؤكَّدة:

وهي ما داوَمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على امتثَالِهِ، وربَّما معَ اقترَانِه بالحثِّ عليهِ قولاً، مثلُ: صلاة ركعتَي التَّطوعِ قبل صلَاةِ الصُّبحِ، فقدْ صحَّ عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ:((ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في شيءٍ من النَّوافِلِ أسرعَ منه إلى الرَّكعتينِ قبلَ الفجرِ)) [متَّفقٌ عليه، واللَّفظُ لمسلمٍ]، وقال صلى الله عليه وسلم:((ركْعتَا الفجرِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها)) [رواهُ مسلم]

2ـ سُنَّةٌ غيرُ مؤكَّدةٍ:

وهي ما كان من السُّنَن ممَّا لم يُواظِبْ عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كصيامِ التَّطوُّع، فإنَّه صلى الله عليه وسلم كان يصومُ حتَّى يُقالَ لا يُفطِرُ، ويُفطرُ حتَّى يقالَ لا يصومُ، وكصلاةِ أربعِ ركعاتٍ قبلَ العصرِ، فقدْ حثَّ عليها صلى الله عليه وسلم من غيرِ مواظبةٍ على فعلِهَا.

ويندرجُ تحتَ هذا البابِ جميعُ ما حثَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه بالقولِ من التَّطوُّعاتِ، ولم يُنقلُ عنه المُواظبَةُ عليه بالفِعلِ، كقولهِ صلى الله عليه وسلم: ((تَابِعُوا بين الحجِّ والعُمرَةِ، فإنَّهُمَا ينفيَانِ الفقْرَ والذُّنوبَ كما ينفي الكِيرُ خبَثَ

ص: 30

الحديدِ والذَّهبِ والفِضَّةِ، وليسَ للحجَّةِ المبرورَةِ ثوابٌ إلَاّ الجنَّة)) [حديث صحيحٌ رواهُ التِّرمذِيُّ وغيرُهُ] ، وحثَّ على العُمرَةِ في رمضانَ، ومعَ ذلكَ فما اعتمرَ صلى الله عليه وسلم في حياتِهِ إلَاّ أربعَ عُمر، وحجَّ حجَّةً واحدَةً.

3ـ فضيلةٌ وأدَبٌ:

وتُسمَّى كذلكَ بـ (سُنَّةِ الزَّوائد) ، و (سنَّة العادَةِ) ، وهي الأفعالُ النَّبويَّةُ في غيرِ أمرِ التَّعبُّدِ، كصفةِ أكلِهِ وشُربِهِ ونوْمِهِ ولِبَاسِهِ ومَشْيِهِ ورُكوبِهِ، ونحوَ ذلكَ، فإنَّ الاقتداءَ بالنًَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيها فضيلَةٌ، فذلكَ من بابِ التَّشبُّه بهِ، وهو ممدُوحٌ، ما لمْ يُعارضْ مصلحةً أرجَح.

وهذا بابٌ جرى فيه الحالُ النَّبويُّ على مُقتضى الطَّبع البَشرِيِّ، أو على مجارَاةِ العُرفِ الَّذي لم يُخالفُ الدِّين، فما كان منه بمقتضى الطَّبعِ فالسُّنَّةُ فيه أن يُجاريَ الإنسانُ طبعَ نفسِهِ ما دامَ لا يُخالفُ الشَّريعة، وبذلك يحقِّقُ الاقتداءَ بأتمِّ من تحقيقهِ له لو تكلَّف وتصنَّع بخلافِ طبعِهِ ليُوافقَ المِشْيَةَ النَّبويَّة أو القِعدَة النَّبويَّة، وإن كان جاريًا على موافقِةِ العُرفِ كلُبسِ الإزارِ والقميصِ الطَّويلِ، فإنَّ السُّنَّةَ الَّتي ينبغي المتابعةُ فيها هي أن يُجاريَ المُسلمُ عرفَ بيئتِهِ وزمانِهِ في ذلك ما دامَ لم يُخالفْ شرعًا في نوعِ لباسِهِم وهيئتهِم، ويكونُ قَدْ خالفَ

ص: 31

الاقتداءَ بمخالفةِ العرفِ، لأنَّ الكونَ في المجتمعِ والنَّاسِ على سبيل الموافقةِ لا المخالفَةِ مقصودٌ لئلَاّ يقعَ التَّميُّزُ ومن ثمَّ الارتفاعُ على الخلقِ والتَّزكيةُ للذَّواتِ، وإنَّما يدعُ المسلمُ من العُرفِ ما خالفَ الشَّرعَ في أمرٍ أو نهيٍ.

وبعدَ هذا فيبقى من (سنن العادةِ) ما لا ينتدرجُ تحتَ طبعٍِ ولا عُرفٍ، ممَّا لا يخلو في أكثرِ الأحيانِ من معانٍ شرعيَّة ٍ أو صحيَّةٍ أو غير ذلك، يجدُهَا المتأمِّلُ لوْ أمعنّ النَّظرَ، وهذا كصِفَةِ جلُوسهِ صلى الله عليه وسلم للأكلِ، فإنَّه قال:((لا آكُلُ متَّكئًا)) ، وفيه معنى شرعيٌّ دينيٌّ ومعنى صحِّيٌّ، فالمعنى الشَّرعيٌّ الدِّينيُّ بيَّنه النَّبي صلى الله عليه وسلم بقولهِ في حديثٍ آخر:((آكُلُ كما يأكُلُ العبدُ، وأجلسُ كما يجلسُ العبدُ)) ، [حديثٌ حسنٌ رواهُ ابنُ سعدٍ وأحمدُ في ((الزُّهدِ)) وغيرهما] ، وهذا معنى تواضعٍ وانكِسارٍ، وأمَّا المعنى الصحِيُّ فإنَّ الاتِّكاءَ فُسِّرَ بالتَّربُّعِ، كما فُسِّر بالجُلوسِ معتمدًا على شيءٍ، وعلى أيِّ التَّفسيرِينِ فهيَ هيئةُ تمكُّنٍ تدفَعُ إلى الإقبالِ على الطَّعامِ بنِهمةٍ مع استعدادِ البطنِ للامتلاءِ، فقد استرخَتِ المفاصلُ وارتفعتِ القيودُ، بخلافِ جِلسَةِ العبدِ المُقلقةِ الَّتي صورتُها صورةُ جلسَةِ العَجلانِ الَّذي ينتظرُ متَى يفرُغُ من طعامِه، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:((ما ملأ آدَميٌّ وعاءً شرًّا من بطنٍ، بِحَسبِ ابنِ آدَمَ أكلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ، فإنْ كانَ لا محَالَةَ فثُلُثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنَفسِهِ)) [حديثٌ صحيحٌ رواهُ التِّرمذِيُّ وغيرُهُ] .

ص: 32

المندُوبُ تكليف اختياري لمصلحة المكلف:

إنَّ الله عزَّوجلَّ جعلَ في المستحبَّات رحمةً للعبادِ تصلُ بهِمْ إلى المقاماتِ العليَّةِ، ففي الحديثِ القُدسِيِّ:((ولا يزالُ عبْدِي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحبَّهُ)) ، كما جعل فيها عوضًا لهم عمَّا يقعُ من تقصيرٍ في الفرائضِ فتجبُرُ نقصَهَا، كما صحَّ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:((إنَّ أوَّل ما يُحاسبُ النَّاسُ به يومَ القيامَةِ من أعمالِهِمُ الصَّلاةُ، قال: يقولُ ربُّنا جلَّ وعزَّ لملائكتهِ وهوَ أعلمُ: انظُرُوا في صلاةِ عبدِي أتمَّها أم نقصَهَا، فإن كانتْ تامَّةً كُتِبتْ لهُ تَامَّةً، وإن كانتْ انتقصَ منها شيئًا قال: انظرُوا، هلْ لعبْدِي من تطوُّعٍ؟ فإنْ كانَ لهُ تطوُّعٌ قالَ: أتمُّوا لعبدِي فريضتَهُ من تطوُّعِهِ، ثمَّ تُؤخذُ الأعمالُ على ذَاكُمْ)) [أخرجه أصحابُ السُّنن] .

ولو أيقنَ العبدُ أنَّهُ أتمَّ الفرائضَ وما انتقصَ منهاَ شيئًا كانتْ نافلتُهُ زيادةً في درجتهِ، وإن تركَ التَّطوُّعاتِ حينئذٍ فليسَ عليهِ من مأثمٍ، دليلُ ذلكَ ما أخرجهُ الشَّيخانِ من حديثِ طلحةَ بنِ عُبيدِالله رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أهلِ نجدٍ ثائرَ الرَّأسِ يُسمعُ دويُّ صوتِهِ ولا يُفقَهُ ما يقولُ، حتَّى دنَا، فإذا هُوَ يسألُ عن الإسلامِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((خمسُ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ)) فقال: هلْ عليَّ غيرهَا؟ قالَ: ((لا، إلَاّ أن تطوَّعَ)) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وصيامُ رمضَانَ)) قال: هلْ عليَّ غيرُهُ؟ قال: ((لَا، إلَاّ أن تطوَّعَ)) قال:

ص: 33

وذكر له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الزَّكاةَ، قال: هلْ عليَّ غيرُها؟ قال: ((لا، إلَاّ أن تطوَّعَ)) ، قال: فأدبرَ الرَّجلُ وهو يقولُ: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقصُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أفلحَ إنْ صدَقَ)) .

ولكنَّ الصِّدقَ في ذلك أمرٌ مظنونٌ، والعبدُ يعملُ العملَ لا يضمنُ إتقانَهُ من كلِّ وجوهِهِ، لذلكَ يبقى محتاجًا إلى التَّطوعِ، ولا يحسنُ به أن يتركهُ طولَ عمُرِهِ معتمدًا على أدائهِ الفرائضَ، فإنَّ خير الهديِ هديُ محمَّد صلى الله عليه وسلم، وقد كان المثلُ الأعلى في المحافظةِ على كثرةِ التَّطوعَاتِ.

*مسألة:

ذهبَ الحنفيَّةُ والمالكيةُ إلى أنَّ من شرعَ في التَّطوعِ فإنَّهُ يصيرُ عليهِ واجبًا بِمجرَّدِ الشُّرُوعِ، فليسَ له إبطالُهُ ولا الخُرُوجُ منهُ، فإنْ خرجَ منهُ لزمَهُ القضاءُ عند الحنفيَّةِ، وعند المالكيَّةِ: يلزمُهُ القضاءُ إذا خرجَ منهُ بغيرِ عذْرٍ، ولا يلزمُهُ إذَا خرجَ منهُ بعذْرٍ.

واستدلُّوا بعمُومِ قولهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] .

ومذهبُ الشَّافعيِّ وأحمدَ وسفيانَ الثَّورِيِّ: هو تطوُّعٌ قبلَ الشُّروعِ فيهِ وبعدَهُ، وليسَ عليهِ قضاءٌ لو تركهُ، إنما الأمرُ له إن شاءَ قضَى وإنْ شاءَ تركَ، وهذه الآيةُ ليستْ في ذلكَ، إنَّما هي في إبطالِ الحسناتِ

ص: 34