الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل التاسع
الاستصحاب
* تعريفه:
لغةً: طلبُ المُصاحبَةِ واستِمرارُهَا.
واصْطلاحًا: جعلُ الحُكمِ الَّذي كان ثابتًا في الماضِي باقيًا على حالِه حتَّى يقومَ دليلٌ على انتقالِهِ عن تلكَ الحالِ.
ويُسمَّى (دليل العقلِ) ، وهوَ معنَى مستقرٌّ في تصرُّفاتِ جميعِ النَّاسِ، فإنَّهُم إذا علمُوا وجودَ أمرٍ بنَوا أحكامَهُم فيما يتَّصلُ بذلكَ الأمرِ على أنَّهُ موجودٌ حتَّى يقومَ بُرهانٌ على ضدِّ ذلكَ، وإذا علموا عدَمَ شيءٍ كانَ عدمُه هو الأصلَ حتَّى يثبُتَ وجودُهُ.
فـ (الاستصحابُ) بعبارةٍ أُخرى: بقاءُ ما كانَ على ما كانَ عليهِ حتَّى يثبتَ ما يُغيِّرُه.
* أنواعه:
هو ثلاثةُ أنواعٍ:
1ـ البراءةُ الأصليَّةُ:
وهي: استصحابُ العدَمِ الأصليِّ حتَّى يرِدَ ما ينقُلُ عنهُ.
مثالُهُ: لو ادَّعى إنسانٌ أنَّ شخصًا اعتدَى عليهِ، فالأصلُ أنَّ الشَّخصَ المُدَّعى عليه بريءٌ من ذلكَ الادِّعاءِ، حتَّى يُبرهِنَ المدَّعي على صحَّةِ دعواهُ.
وفي (الصَّحيحينِ) من حديثِ عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((لَوْ يُعطَى النَّاسُ بِدعواهُم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رجالٍ وأموالَهُمْ)) .
والشَّريعةُ قدْ جاءَتْ بمُراعَاةِ هذا الأصلِ، فلمْ تؤاخذ الجَاهلَ بتكاليفِ الإسلامِ، لأنَّ الأصلَ عدمُ العلمِ، وعدَمُ العلمِ يُسقِطُ التَّكليفَ، فتسقطُ المُؤاخذة، كما قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقال بعدَما حرَّم الرِّبا:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] ، فاعتبرَ الذِّمَّة بريئةً من المؤَاخَذة قِبل تحريمِ الرِّبا، مسؤُلَةً بعدهُ إلى أمثلةٍ أُخرى يطُولُ استقصاؤُهَا.
ومِن هذا الإستِدلالُ بِعدَمِ وُجودِ ما يَدُلُّ على الحُكمِ على عَدَمِ الحُكمِ، وهذا يحتاجُ إلى استِقراءِ أدلَّةِ الشَّرعِ فيما يغلبُ على ظنِّ الفقيهِ أنَّ المسألَةَ لو كانَ لها أصلٌ فهيَ واردَةٌ في كذا وكذا، فحيثُ لا يجدُ الدَّليلَ المُغيِّرَ لذلكَ العَدَمِ، فهوَ باقٍ في تلكَ المسألَةِ على العَدَمِ.
2ـ استِصحابُ حكمِ الإباحَةِ الأصليَّة للأشياء.
فالشَّريعةُ قضتْ بـ (أنَّ الأصلَ في الأشياءِ الإباحَة) فأقامَتْ ذلكَ قاعِدَةً بأدلَّةٍ كثيرةٍ من الكتابِ والسُّنَّةِ، كقوله عزَّوجلَّ:[البقرة: 29]، وقوله عزَّوجلَّ:[الجاثية: 13] ، فيستمرُّ البقاءُ على هذا الأصلِ حتَّى يرِدَ النَّاقلُ عنه إلى غيرِهِ.
3ـ استِصحابُ دليلِ الشَّرعِ حتَّى يرِ النَّاقِلُ.
فالأصلُ بقاءُ النَّصِّ على العُمومِ حتَّى يرِدَ دليلُ التَّخصيصِ، والخطابُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خطابٌ لأمَّتِهِ حتَّى ترِدَ الخُصوصَيَّةُ، والنُّصُوصُ كلُّها مُحكَّمةٌ غيرُ منسوخَةٍ حتَّى يثبُتَ النَّاسِخُ، ومن ثبَتَتْ ملكيَّتُهُ لعقارٍ أو غيرِهِ فهوَ مِلكُه حتَّى يثبُتَ زَوالُه بِبُرهانٍ.
ومن هذا: أنَّ الأصلَ في المضارِّ المنعُ لدَليلِ الشَّرعِ: (لا ضرَرَ ولا ضِرارَ) .
* حجيته:
(الاستِصحابُ) فيما يُلاحظُ من أنواعِهِ المتقدِّمَةِ لا يفيدُ إثباتَ حُكمٍ جديدٍ، إنَّما يدلُّ على استِمرارِ الحُكمِ السَّابقِ الَّذي ثبتَ بالشَّرعِ، فلِذا لا يحسُنُ عدُّه من (أدلَّةِ التَّشريع) إنَّما دليلُ التَّشريعِ ما أفادَ حُكمَ الأصلِ، وهوَ في جميعِ صُورِ الاستِصحابِ الكتَابُ والسُّنَّة.
وجُمهُورُ العُلماءِ على إعمالِ أصلِ (الاستِصحابِ) عندَ فقْدِ الدَّليلِ الخاصِّ في المسألةِ، فهوَ آخرُ ما يَلْجأُ إليهِ الفقيهُ في استِفادَةِ الحُكمِ الشَّرعيِّ.
ومن القواعِدِ الفقهيَّة المنبثِقةِ عن الاستِصحابِ:
1ـ اليقينُ لا يزُولُ بالشَّكِّ.
2ـ الأصلُ بقاءُ ما كانَ على ما كانَ.
3ـ الأصلُ في الأشياءِ الإباحَةُ.
4ـ الأصلُ براءةُ الذِّمَةِ.
* * *