الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طرق ورود السنن
"طريقُ نقلِ السُّنَّةِ يختلفُ عن الطَّريق الَّذي نُقل به القرآن، فإنَّ القرآن لقيَ أعظَمَ العنايَةِ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ، فكانَ لا يتلوهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدما ينزلُ عليه به جبريلُ عليه السلام إلَاّ وتلقَّفهُ الكاتبونَ الأمناءُ المعدَّلونَ من قبلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يتلوهُ على أصحابهِ في مواعظِهِ وخُطبهِ ومجالسِه وصلوَاتِه فيسمعُهُ الخاصُّ والعامُّ، وهو يحثُّهم على أخذهِ وحفظِهِ، فلمَّا مات- صلى الله عليه وسلم جُمع المكتوبُ وقورِن بالمحفوظِ وحُصرَ بالمصاحفِ، ورأى أئمَّةُ الصَّحابةِ كالخُلفاءِ الرَّاشدينَ أنَّ ضبطَ ذلك من مسؤوليَّة الأمَّةِ العُظمَى، فنُشرتِ المصاحفُ بعدَ ضَبْطِهَا وشاعتْ في الأمصارِ، والحُفَّاظُ له المعتنونَ به لم يدخُلو بعدَ ذلك تحتَ حصرِ حاصرٍ، وأسانيدُ النَّقلِ لهُكثيرةٌ لم يكُن يخلُ منها مصرٌ من أمصارِ المسلمين على اتِّساعهَا.
أمَّا السُّنَّةُ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكُن أذنَ في كتابِتهَا خشةَ اختلاطِهَا بالقرآنِ لأنَّهُ لم يكُن بعدُ قد جُمعَ وحُصرَ بالمصاحفِ، وإنَّما أذنَ لبعضِ أصحابهِ بذلكَ، وبقيَ أمرُ حفظِهَا إلى من يقصدُ الاعتناءَ بذلكَ من أصحابِهِ، كما وقعَ من أبي هريرةَ رضي الله عنه وغيره، وربَّما كانَ الصَّحابيُّ سمعَ الحديثَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعٍ لم يكنْ فيهِ
غيرهُ وآخرُ سمعهُ مع آخرينَ ولكن لم يكُن الحملُ كالأداء، فرُبَّما نسيَ بعضُ أولئكَ الحديثَ، وربَّما لم ينشطُوا لأدائهِ، وربَّما منعهُمْ من التَّحديثِ عارضٌ شغلَهُم عنه، كما حصلَ من كثيرٍ من كبارِ الصَّحابةِ كأبي بكرٍ وعُمرَ ومن ماتَ في عهدِهِما، فمع طولِ الصُّحبةِ لم يؤدُّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديثِ إلَاّ القليلَ لانشغالِهِم يومئذٍ بأمرِ تثبيتِ الدَّولةِ الإسلاميَّةِ والفُتوحِ، ولذَا ترى في الحديثِ المنقولِ عن صغارِ الصَّحابةِ ومن تأخَّر موتُه ما هو أضعافُ أضعافِ المنقولِ عن أولئكَ الكِبارِ.
نعمْ؛ لا يصحُّ اعتقادُ ضياعِ شيءٍ من السُّننِ، لأنَّ الله تبارك وتعالى تعهَّدَ بحفظِ وحيِهِ لِيبقَى حُجَّةً ما بقيَ الخلقُ، وهذه قضيَّةٌ لبسطِهَا موضعٌ آخرُ، ولكنَّ الَّذي يعنِينا هُنا هوَ أنَّ الأسبابَ المتقدِّمَةَ ونحوَها جعلتْ نقلَ السُّنَّةِ دونَ نقلِ القرآنِ، ممَّا يقعُ بمثلهِ خفاءُ الحُجَّةِ في المسائلِ الشَّرعيَّةِ الواردَةِ في كثيرٍ من السُّننِ، ولذلكَ كان من أعظمِ أسبابِ اختلافِ الفُقهاءِ خفاءُ الحديثِ على الفقيهِ وعلمُ الآخرِ بهِ، وهذا لا يقعُ بالنِّسبةِ إلى القرآنِ، إنَّما اختلافُهُم في القرآنِ إنْ وقعَ فبِسببِ الدَّلالةِ لا الرِّوايةِ.
وعليهِ فإنَّ الفقيه مُضطرٌّ إلى البحثِ عن الأحاديثِ المرويَّةِ، ولمَّا كانتْ رِوايتهَا تقعُ بنقلِ الجماعةِ القليلةِ أو بنقلِ الفرْدِ فهوَ مُضطرٌّ للتثبُّتِ في صحَّةِ ذلكَ النَّقلِ، وهذا أمرٌ لا يحتاجُه بالنِّسبةِ إلى القرآنِ،