الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الاصطيادُ) .
*
متى يلزم الفعلُ المكلف
؟
يكونُ الفِعلُ لازمًا للمكلَّفِ إذا اجتمعَ فيه وصفَانِ:
1ـ أن يكونَ معلومًا للمكلَّفِ.
فالجهْلُ ينفي التَّكليفَ، فلوْ جَهِل إنسانٌ كونَ الوُضُوء شرطًا لصحَّةِ الصَّلاة وكان يُصلِّي زمانًا بغيرِ وُضوءٍ، ثمَّ علمَ هذا الحُكمَ، فإنَّهُ لا يُطالبُ بقضاءِ ما صلَاّهُ بغيرِ وُضوءٍ إلَاّ صلاةً لم يزَلْ في وقْتِهَا.
ومن الدَّليل عليهِ الحديثُ المشهُورُ بحديثِ المُسيءِ صلاتَه.
فعنْ أبي هريرَةَ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل المسجِدَ، فَدخلَ رجلٌ فصلَّى، ثمَّ جاءَ فسلَّم على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فردَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقالَ:((ارجِعْ فصلِّ فإنَّك لم تُصلِّ)) ثلاثًا، فقال: والَّذي بعثَكَ بالحقِّ فما أُحسنُ غيرَهُ فعلِّمني، قالَ: ((إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ
…
)) فساقَ الحديثَ [متفقٌ عليه] .
وموضعُ الشَّاهدِ منه أنَّ هذا الرَّجلَ كانَ يُصلِّي صلاةً غيرَ صحيحةٍ وهوَ لا يعلمُ حتَّى علَّمهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كيفَ يُصلِّي، ولم يأمُرهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُعيدَ شيئًا من الصَّلواتِ الَّتي صلَاّها على تلكَ الصِّفةِ إلَاّ الصَّلاةَ الَّتِي رَآهُ يُصلِّيهَا
لكنْ هلْ يُعفى المكلَّف بالجهلِ مع إمكانِ العِلمِ أم يُؤاخَذُ؟ الجوابُ: أنَّهُ يأثَمُ بالتَّفريطِ في طلبِ العِلمِ معَ القُدرَةِ عليهِ وذلكَ من حيثُ الجُملَةُ لا بخصُوصِ جَهلِهِ بِحُكمٍ معيَّنٍ، قال الله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .
ومن الأصوليِّينَ من فرَّق بين الجهلِ بالأحكامِ لمن يعيشُ في بلادٍ إسلاميَّةٍ، ومن يعيشُ في بلادٍ غير إسلاميَّة، وليس التَّفريقُ بظاهرٍ في الأدلَّةِ، فإنَّ الجهلَ واردٌ على أيِّ حالٍ، لكنَّ الَّذي يقعُ في دارِ الإسلامِ أنَّ المعلومَ من الدِّين بالضَّرورةِ لا يخفى والحُجَّةُ به قائمةٌ، فلوْ زَنَى رجلٌ من المسلمينَ وقدْ تربَّى في الإسلامِ وبينَ أهلِهِ وادَّعى أنَّهُ لا يعلمُ حُرمَةَ الزِّنا لما كان عُذرًا يحولُ بينهُ وبين العُقوبَةِ، لأنَّ الحُجَّةَ ظاهرةٌ في مثلِ ذلكَ، وقولهُ محمولٌ على الكذبِ، إلَاّ أن يكونَ في بيئةٍ ذَهَبَتْ عنها معالمُ الدِّينِ وليسَ فيها من الإسلامِ إلَاّ اسمُهُ، فهَذه دارٌ أشَهُ بدَارِ الكُفرِ وإن بقيَ لأهلِهَا اسمُ الإسلامِ.
والأقربُ في هذا أن يعودَ الأمرُ إلى أن يُقدِّرَ كلُّ ظرفٍ بما يُناسبُهُ، والعُمدَةُ فيهِ على بُلوغِ الحجَّةِ، أمَّاا لجهلُ ذاتُهُ فهوَ مانعٌ من التَّكليفِ.
2ـ أن يكونَ مقدورًا للمكلَّف.
أيْ: يمكِنُ وقوعُ امتثالهِ لهُ، ليسَ خارِجًاعن طاقتِهِ وقُدرتِهِ، وهذا حاصلٌ في جميعِ تكاليفِ الإسلامِ، فليسَ فيها فعلٌ يستحيلُ امتثالُهُ.
ومن أحسنِ ما يدلُّ على هذا ما رواهُ مسلمٌ في [صحيحهِ] من حديثِ أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: لمَّا نزلتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284]، قال: فاشتدَّ ذلكَ على أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ بَرَكُوا على الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رسول الله، كُلِّفنا من الأعمالِ ما نُطيقُ: الصَّلاةَ والصِّيامَ والجهادَ والصَّدقَةَ، وقد أنزِلَتْ عليكَ هذِه الآيةُ ولا نُطيقُها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتُريدُونَ أن تقولوا كما قال أهلُ الكِتَابَينِ من قَبْلِكُم: سمعنَا وعصيْنَا، بلْ قُولوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ، قالوُا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ فلما اقترأها القَومُ ذلَّت بها ألسنتُهُم، فأنزل الله في إثرِهَا:{آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] ، فلمَّا فعلوا
…
ذلكَ نسخَهَا الله تعالى، فأنزلَ الله عزَّوجلَّ:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال، نعمْ، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال نعمْ، {
رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال نعمْ، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا