الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
المجتهدُ وشروطه:
ممَّا تقدَّم يظهرُ أنَّ المجتهدَ هو الفقيهُ، وهوَ: من كانتْ لهُ القُدْرَةُ على استِفادَةِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ العمليَّةِ من أدلَّتها التَّفصيليَّة.
وهذا وصفٌ يُمكنُ أن يتَّصفَ به كُلُّ من حصلَ آلتَهُ، فلا يختصُّ به أحدٌ دونَ أحدٍ، إنَّما العبرَةُ بأن يكونَ أهلاً لهُ، ولا تتحقَّقُ تلكَ الأهليَّةُ إلَاّ بقُدرَةٍ ذاتيَّةٍ على الاستنباطِ والنَّظرِ متمثِّلًةً بفِطْنَةٍ وذكاءٍ، معَ توفُّر شُروطٍ ضروريَّةٍ، تلكَ الشُّروطُ ضوابطُ استُفيدَتْ من أدلَّةِ الشَّرعِ وقواعِدِه، لحفظِ الدِّينِ من أن يقولَ فيه من شاءَ ما شاءَ، وهيَ:
1ـ معرفَة اللُّغَةِ العربيَّةِ
.
وذلكَ على الوجهِ الَّذي يتمكَّنُ به من فهمِ الكلامِ وتركيبِهِ ودلالاتِهِ على المعاني، ويتطلَّبُ على التَّحديدِ معرفَةَ أصولِ العُلومِ اللُّغويَّة الَّتي لها اتِّصالٌ بكلامِ الله ورسولِهِ صلى الله عليه وسلم، وهيَ:
[1]
علمُ النَّحوِ، بما يُحسِنُ به الإعرابَ على الأصولِ المسلَّماتِ والرَّاجحاتِ، من غيرِ احتياجٍ للتَّعمُّقِ في خلافِ النُّحاةِ.
[2]
عِلمُ الصَّرفِ، بما يُحسنُ به ما تعودُ إليه أصولُ الكلماتِ معَ ما يتغيَّر به ضبطُها بسببِ الاشتِقاقِ، لِما يقعُ لهُ من التَّأثيرِ كثيرًا على اختلافِ الدَّلالاتِ والمعاني.
[3]
علمُ البلاغَةِ، بالمقدارِ الَّذي يتمكَّنُ فيه من معرفَةِ وجوهِ المعاني، وما تتخرَّجُ عليه الأساليبُ العربيَّةُ من الاستعمالاتِ، كدلالاتِ الخبرِ والإنشاءِ، وتأثيرِ التَّقديمِ والتَّأخيرِ والحذْفِ والتَّعريفِ والتَّنكيرِ والإطلاقِ والتَّقييدِ والوصلِ والفصلِ والإيجازِ والإطنابِ والحقيقةِ والمجازِ والتَّشبيه والاستِعارَة، وغير ذلكَ.
وهو علمٌ عظيمٌ لمعرفةِ أسرارِ القُرآنِ والسُّننِ.
ولا يحتاجُ المجتهدُ إلى المعرفَةِ بعلمِ البديعِ منها، إنَّما حاجتُهُ إلى عِلمي (المعاني والبيانِ) .
[4]
علمُ الحُروفِ.
والمقصودُ به الحُروفُ الَّتي هي من أقسامِ الكلامِ كحروفِ الجرِّ والعطفِ، لا الحُروفُ الَّتي تتركَّبُ منها المُفرداتُ.
وهذا علمٌ يجبُ على الفقيهِ أن يُدركَ منه ما تدلُّ عليه الحُروفُ من المعانِي ليُدركَ وجوهَهَا في نصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ، كمعرفَة معاني حروفِ العطفِ وماتقتضيهِ من المُغايرَةِ بين المعطُوفِ والمعطُوفِ عليهِ، أو الاشتراكِ أو التَّرتيبِ أو التَّراخي، أو غيرِ ذلكَ.
وقدْ عُني بهذا الفنِّ طائفَةٌ من أئمَّةِ العربيَّةِ والأصولِ فضمَّنُوا الكلامَ في معانيِها كُتُبُهم، ومنهُم من أفردَهَا بالتَّصنيفِ، فالوُقوفُ عليها متيسِّرٌ.