الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل السادس
المصلحة المرسلة
* أنواع المصالح:
جميعُ شرائعِ الدِّين ترجعُ إلى تحقيقِ مصالحَ ثلاثةٍ، هي:
1ـ دَرْءُ المفاسِدِ.
وشُرعَ لهَا حفظُ (الضَّروريَّاتِ) الخمسِ: الدِّينِ، والنَّفسِ، والمالِ، والعِرضِ، والعقلِ.
2ـ جلبُ المصالحِ.
وشُرعَ لها ما يرفعُ الحرَجَ عنِ الأمَّةِ في العبادَاتِ والمُعاملَاتِ وغيرِهَا، وتلكَ هي المُعبَّرُ عنها بـ (الحاجيَّات) .
3ـ الجريُ على مُقتضى مكارِم الأخلاقِ ومحاسِنِ الشِّيمِ، وشُرعَ لها أحكامُ (التَّحسينيَّات) .
* أقسام المصالح
وهذه المصالحُ الثَّلاثةُ الَّتي ترجعُ إليها شرائعُ الإسلامِ تنقسِمُ من جهةِ اعتبارِ الشَّارعِ لها أو عدَمِ اعتبارِهِ، ثلاثةَ أقسامٍ:
1ـ المصلحة المعتبرة:
وهي الَّتي اعتبرَها الشَّارعُ فشرعَ الأحكامَ من أجلهَا، وقاعدَةُ الشَّرعِ العامَّةِ فيها هي: رُجحانُ جانبِ المصلحةِ فيها على المفسدَة.
مثالُها في حفظِ الضَّروراتِ الخمسِ: الدِّينِ، والنَّفسِ، والمالِ، والعِرضِ، والعقلِ، أنْ شرعَ الجهَادَ وقتلَ المرتدِّ لحفظِ الدِّينِ، والقصاصَ لحفظِ النَّفسِ، وحدَّ السَّرقةِ لحفظِ المالِ، وحدَّ الزِّنا والقذْفِ لحفظِ العِرضِ، وحدَّ الشُّربِ لحظِ العقلِ، كما أباحَ البيعَ والنِّكاحَ للحاجةِ.
2ـ المصلحة المُلغاة:
وهيَ مُقابلَةٌ لـ (المصلحة المعتبرَة) ، فهذه وإنْ سُمِّيتْ مصلحةً إلَاّ أنَّ الشَّارعَ وهو أعلمُ ألغَى اعتبارِهَا.
وهذا النَّوعُ من المصالحِ قد يكونُ موجودًا، لكنَّ الشَّرع ألغى اعتبارَهُ لغلبَةِ المفسدَةِ، إذ القاعدةُ الشَّرعيَّةُ العامَّةُ فيه هي: رُجحانُ جانبِ المفسدَةِ على جانبِ المصلحَة، كما في منفعة الخمرِ والميسرِ، فقدْ قال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] .
وهذا النَّوعُ من المصالحِ لا يختلفُ أهلُ العلمِ على أنَّهُ لا يجوزُ بناءُ الأحكامِ عليهِ.
3ـ المصلحةُ المُرسلة:
وهي الَّتي سكتَ عنْهَا الشَّرعُ فلمْ يتعرَّض لها باعتبارٍ ولا إلغاءٍ، وليسَ لها نظيرٌ وردَ بهِ النَّصُّ لتُقاس عليهِ.
مثلُ: المصلحةِ الَّتي دَعتْ إلى جمعِ القرآنِ، وتدوينِ الدَّواوينِ، وتركِ عُمرَ رضي الله عنه الخلافَةَ شُورى في ستَّةٍ، وزيادَةِ عثمانَ رضي الله عنه الأذانَ يومَ الجُمُعةِ لإعلامِ من في السُّوقِ واتِّخاذِ الخُلفاءِ عُمرَ فمَنْ بعدَهُ للسُّجونِ.
*حجيَّة المصلحة المرسلة:
العبادَاتُ لا يجري فيها العملُ بـ (المصلحَةِ المُرسلَةِ) بلا خلَافٍ، لأنَّ مبنى العباداتِ على النَّصِّ، فالأصلُ فيها التَّوقيفُ، والقولُ فيها بـ (المصلحةِ المرسلَةِ) قولٌ بجوازِ الإحداثِ في الدِّينِ، وهو باطلٌ بالنَّصِّ والإجماعِ.
أمَّا المعاملاتُ وما يُدْركُ وجهُهُ ومُناسبَتُهُ فهي محلُّ استِعمالِ (المصلحَةِ المرسلةِ) عندَ من قالَ بها، وقد اختلفَ الفُقهاءُ في الاجتجاجِ بها وعدِّها من أدلَّةِ الأحكامِ على مذهبينِ:
الأوَّلُ: مذهبُ المالكيَّةِ والحنابلَةِ: أنَّها حُجَّةٌ ومصدرٌ من مصادرِ التَّشريعِ.
ومثلُهم الحنفيَّةُ، لكنَّهُم يُسمُّونها (استحسانَ الضَّرورةِ) كما قال بها بعضُ الشَّافعيَّةِ والحنابلَةِ.
ووجهُ هذا المذهبِ: أنَّ الغايةَ العُظمَى من التَّشريعِ تحقيقُ مصالحِ العبادِ في الدَّارينِ، وجميعُ ما جاءَ من الأحكامِ في الكتابِ والسُّنَّةِ فهو لأجلِ ذلكَ، وجُزئيَّاتُ مصالحِ العبادِ لا تتناهَى، فما سكتَ عنهُ الكتابُ والسُّنَّةُ منها فالأصلُ أن تُراعى فيه قواعدُ الإسلامِ في جلبِ المنافعِ ودفعِ المضارِّ، فيُقنَّنُ فيه ما يُناسبُه، إذْ ليس في ذلكَ التَّقنينِ ما يُخالفُ شرعًا، ولم تزلْ الأمَّةُ منذُ عهدِ الصَّحابةِ تُفنِّنُ في مختلفِ أمورِ الحياةِ ما يكفُلُ لها حفظَ مصالحهَا، وإن لم يكن ذلكَ التَّقنينُ وردَتْ بخُصوصِه الشَّريعةُ.
والثَّاني: مذهبُ الشَّافعيَّةِ: ليست بِحُجَّةٍ.
ووجهُ قولهِم: أنَّ الشَّريعةَ قدْ راعتْ مصالحَ العبادِ في تشريعهَا، فلا يُتصوَّرُ أن تكونَ أغْفلتْ جانبًا فيه مصلحةٌ لهُمْ، وفي القول بـ (المصلحةِ) فتحٌ للبابِ ليقولَ من شاءَ ما شاءَ.
وجوابُ هذا: أنَّ الشَّريعةَ لم تنُصَّ علىكلِّ فرعٍ من فُروعِ المصالحِ، وهذا موجودٌ في الواقعِ جزمًا فيما يستجِدُّ من الحوادثِ، ثمَّ إنَّ القولَ بـ (المصلحةِ) ليسَ مُرسلاً من القيودِ والضَّوابطِ ليقولَ من شاءَ ما شاءَ، ولعلَّ من أسبابِ هذا القولِ أنَّ بعضَ المالكيَّة بالغوا في هذهِ