الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم عمل المرأة خارج البيت مع ترك أولادها مع المربيات
السائل: ما حكم الشارع الحكيم في عمل المرأة المسلمة عملًا مباحًا خارج بيتها مع ترك أطفالها عند المربيات أو الخادمات المسلمات، هذا السؤال الأول.
الشيخ: الأصل في هذه المسألة قول الله عز وجل خطابًا لنساء الأمة في شخص نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله عز وجل:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] ومعنى ذلك: كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الأصل في الرجل البروز والخروج، والأصل في المرأة لزوم البيوت وعدم الخروج إلا لحاجة لا بد لها منها، وهذا ما جاء في صحيح البخاري أن الله تبارك وتعالى لما فرض الحجاب على النساء قال عليه الصلاة والسلام:«قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن» فإذا خرجت المرأة من بيتها متسترة بجلبابها غير متطيبة بطيبها كما هو مشروح عندنا في كتاب: حجاب المرأة المسلمة، لحاجة لها فخروجها هذا جائز.
أما إذا ترتب من وراء خروجها ارتكاب شيء مما أشرنا إليه آنفًا أو الإخلال ببعض الواجبات البيتية التي كلفت المرأة أن تقوم بها فحينذاك يأتي النص القرآني السابق: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] فلا يجوز لها أن تخرج وأن تترك الأولاد للخادمات ولو كن خادمات مسلمات؛ لأن الأم هي أعرف بمطالب أولادها وبما يصلح لهم من التوجيه والتعليم والإصلاح.
هذا ما عندي جوابًا عن هذا السؤال.
مداخلة: هل على الطبيبة أو المدرسة أو الممرضة من الضرورات الشرعية التي تبيح لها ترك أطفالها عند هؤلاء الخادمات؟
الشيخ: أولًا: إذا كان لا يوجد هناك من يقوم بواجب تعليم البنات التعليم اللازم وفي حدود الشروط التي ألمحنا إليها فيجوز لهذا الحاجة الملحة أن تخرج المرأة من بيتها لتعلم بنات جنسها بالشروط التي ذكرناها آنفًا، وربما ينبغي أن نلمح
إلى أمور أخرى: ألا تكون مترتبة بسبب تعليمها من ذلك مثلًا ألا يكون هناك اختلاط بين النساء وبين الموظفين من الرجال، فإذا خلى الأمر من مثل هذه المخالفات فحينئذ لا نرى مانعًا من خروج المرأة في الصورة التي جاء السؤال عنها إذا لم يكن هناك من يقوم مكانها بهذا الواجب.
مداخلة: ويقول: وهل وجودها في بيتها لتربية أطفالها مقدم وأفضل عند الله تعالى من خروجها من بيتها لأداء الوظيفة، وهل تربية أطفالها من فروض عينية ومقدم على فروض كفائية؟
الشيخ: هو كذلك، المرأة أم الأولاد يجب عليها أن تقوم بتربية أولادها، أما تعليمها لغير أولادها فهو من باب الفرض الكفائي، ولذلك قلت جوابًا عن السؤال السابق: إذا لم يكن هناك من يقوم بهذا الفرض الكفائي أي: تعليم البنات من النساء الأخريات اللاتي لا ضرورة لهن أن يتركن أولادهن في البيت قلنا في هذا الحالة يجوز.
مداخلة: وما رد فضيلتكم على بعض المسلمين الذين يقولون: أن المرأة المسلمة إن لم تعمل في مجال الطب والتدريس والتمريض فمن يقوم بديلًا عنهن؟ علمًا بأنهن يقعن في بعض المخالفات الشرعية، ويستدلون بأن الضرورات تبيح المحظورات، وهنا ضرورة شرعية من أداء هذه المهن خدمة للمسلمين جميعًا.
الشيخ: الاستدلال بهذه القاعدة بهذه المسألة لا أراه صوابًا؛ ذلك لأن الضرورات تبيح المحظورات هو فيما يتعلق بالأفراد، ونحن نعلم أن هذه القاعدة أخذت من آية:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} [المائدة: 3] ثم تابع تبارك وتعالى الآية فقال: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فإذا وقع الإنسان .. يجب أن نلاحظ هنا شيئين اثنين: الأول: إذا وقع الإنسان المكلف بالشيء فاضطر إلى أن يواقع ما الأصل فيه الحرام، فهنا الضرورات تبيح المحضورات.
الشيء الثاني: لا يقال: الضرورات تبيح المحضورات في شيء لم يقع بعد وإنما
قد يقع في المستقبل، فنحن لا ينبغي لنا مثلًا أن نعرض أنفسنا للهلاك في موضع لا نجد فيه الخلاص من الهلاك، وعلى العكس من ذلك: إذا طرأ هذا الطارئ على الإنسان المكلف ففي هذه الحالة إذا اضطر أن يأكل ما حرم الله جاز، أما أن يتقصد الإنسان أن يدخل مجتمعًا يعلم بأنه يقع فيه فيما حرم الله فيبرر هذا الدخول بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، هذه القاعدة ليس محلها هاهنا وإنما محلها فيما إذا وقع الإنسان بغير كسب منه ولا سعي منه في ضرورة فهناك محل الضرورات تبيح المحضورات على أن العلماء قيدوا هذه القاعدة كما ذكرت في جلسة سابقة بقاعدة أخرى حتى لا يصبح تطبيقها فوضى فقالوا: الضرورة تقدر بقدرها، فالإنسان اضطر لأكل الميتة فلا يجلس ويأكل منها كأنه يأكل لحمًا طازجًا حلالًا، وإنما يأكل بمقدار ما يدفع عنه خطر الهلاك.
ثانيًا: نحن نقول بأنه يجب أن يكون هناك طبيبات مسلمات، وهذا على الوجوب الكفائي وليس على الوجوب العيني، ولكن إذا كان تحقيق واجب كفائي يترتب منه أن يقع هذا الطالب لتحقيق هذا الفرض الكفائي .. إذا كان يعلم أنه سيقع في مخالفة شرعية فلا يجوز له أن يأتي هذا الفرض الذي هو فرض كفائي، ونحن نعلم هذا الحكم من أحكام أخرى يذكرها الفقهاء في بعض الفروع الفقهية مثلًا: تشييع الجنائز هو فرض كفائي إذا قام به البعض سقط عن الباقين، لكن الفقهاء يذكرون أن هذا الفرض الكفائي إذا اقترن معه مخالفات شرعية وبدع تخالف النصوص الحديثية فلا يجوز للمسلم أن يحضر ذلك التشييع؛ لأنه ليس بواجب عيني عليه حضوره، بل نجدهم يصرحون، وهذا ما كنت ذكرته بشيء من التفصيل في كتابي: آداب الزفاف في السنة المطهرة، يقولون: وإذا دعي المسلم إلى وليمة فعليه الإجابة إلا إذا كان يعلم أن ثمة منكرًا لا يستطيع تغييره فحينذاك يسقط عنه وجوب الإجابة.
فهذه كلها أمور معروفة من السنة ومن أقوال الفقهاء، فلا يجوز إذًا أن نقول نحن: بأنه يجوز لنا أن نعرض نسائنا وفتياتنا لما قد نراه من الفساد في الجامعات