الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحال من قلة الحياء في النساء والغيرة من الرجال.
[التعليق على مشكاة المصابيح (3/ 1653 - 1654) حاشية 8)
الرد على من زعم أن أمهات المؤمنين كان يحرم عليهن إبراز أشخاصهن ولو كن متنقبات متلفعات
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: «إنَّه قد أُذِن لَكُنَّ أن تَخْرجْنَ لحاجتكنَّ، وفي رواية: لحوائجكُنَّ» . أخرجه البخاري «147 و 4795 و 5237» ، ومسلم «7/ 6» ، وابن جرير في «التفسير» «28/ 39» ، والبيهقي «7/ 88» ، وأحمد «6/ 56» من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت سودة بعد ما ضُرِبَ الحجاب لحاجتها- وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها-، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة! أما والله! ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين؟ ! فانكفأت راجعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عَرَق، فدخلت فقالت: يا رسول الله! إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه، ثم رُفع عنه- وإن العرَقَ في يده ما وضعه-، فقال. .. فذكره؛ والسياق للبخاري، والرواية الأخرى للبيهقي، وهي رواية للبخاري. هذه رواية هشام بن عروة- رحمه الله، وقد خالفه ابن شهاب الزهري- رحمه الله في قوله:« .. بعدما ضرب الحجاب» ، فقال الزهري: عن عروة عن عائشة: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرَّزن إلى المناصع- وهو صعيد أفيح- فكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: احجُبْ نساءك. فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عِشاءً- وكانت امرأة طويلة-، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة! حرصاً على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب [«يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي .... » الآية][الأحزاب/53]. أخرجه البخاري «146» ، ومسلم أيضاً، والطحاوي في «شرح المعاني» «2/ 392» ، وابن
جرير «28/ 29» ، والبيهقي أيضاً، وأحمد «6/ 223» ، والزيادة لابن جرير، وسندها جيد، وعزاها الحافظ «1/ 249» لأبي عوانة في «صحيحه» .
ولها شاهد من حديث أنس في قصة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب المعروفة في «الصحيحين» وغيرهما، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى هنا. ويرى القارئ الاختلاف بين الروايتين ظاهراً، ففي رواية هشام أن القصة وقعت بعد نزول آية الحجاب، وفي رواية الزهري أنها نزلت قبلها، قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» «3/ 505»:«والمشهور الأول» .
وبالغ ابن العربي في «أحكام القرآن» «3/ 1574 - 1575» ، فصرح بضعف رواية الزهري وأما الحافظ فجمع بين الروايتين، بأن حمل رواية ابن شهاب على أن عمر أراد أولاً الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد؛ أحب أن يحجب أشخاصهن مبالغة في التستر؛ فلم يجب لأجل الضرورة، يعني كما في رواية هشام؛ ثم قال:«وعلى هذا؛ فقد كان لهن في التستر عند قضاء الحاجات حالات: أولها: بالظلمة؛ لأنهن كن يخرجن بالليل دون النهار، كما قالت عائشة في حديث الزهري: «كن يخرجن بالليل» ، وسيأتي في حديث عائشة في «قصة الإفك»:«فخرجت معي أم مسطح قِبل المناصع وهو مُتَبَرَّزُنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل» . ثم نزل الحجاب فتسترن بالثياب، لكن كانت أشخاصهن ربما تتميز، ولهذا قال عمر لسودة في المرة الثانية بعد نزول «الحجاب»:«أما والله ما تخفين علينا» . ثم اتخذت الكُنُف في البيوت فتسترن بها كما في حديث عائشة في «قصة الإفك» أيضاً؛ فإن فيها: «وذلك قبل أن تتخذ الكُنُف» ، وكان «قصة الإفك» بعد نزول آية الحجاب». قلت: وفي قول الحافظ عن عمر: «فلم يجب؛ لأجل الضرورة» رد على من يزعم قديماً وحديثاً أن أمهات المؤمنين كان يَحْرُمُ عليهن إبراز أشخاصهن، ولو كن منتقبات متلفعات، وعزا الحافظ هذا الزعم للقاضي عياض، وقال «8/ 530 - 531»:«ثم استدل بما في «الموطأ» : أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها».
قال الحافظ: «وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد
كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مُتَسَتِّراتُ الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في «الحج» قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة: أقبل الحجاب أو بعده؟ قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب». وقال في مكان آخر بعد أن ذكر الزعم المذكور باختصار «9/ 337» : «والحاصل في رد قوله؛ كثرة الأخبار الواردة أنهن كن يحججن ويطفن، ويخرجن إلى المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده» .
قلت: ووجه قول الحافظ: «وليس فيما ذكره دليل. .. » إلخ: أنه مجرد فعل لا يدل على الفرضية المزعومة، وهذا إن صح ما عزاه القاضي لـ «الموطأ»؛ فإني لم أَرَ ذلك في «الموطأ» المعروف اليوم من رواية يحيى الليثي بعد مزيد البحث عنه؛ والله أعلم. ولعل من الأدلة التي تؤيد ما قاله الحافظ- رحمه الله: حديث أنس- رضي الله عنه في سبب نزول آية الحجاب الذي سبقت الإشارة إليه، وقد جاء من طرق عنه بألفاظ مختصراً ومطولاً، أذكر أحدها من «صحيح البخاري» «4792» ، مع زيادات هامة من غيره تناسب المقام، فقال- رضي الله عنه: أنا أعلم الناس بهذه الآية ـ آية الحجاب -: لما أهديت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معه في البيت، صنع طعاماً ودعا القوم، فقعدوا يتحدثون، [ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وزوجته مُوَلِّيَةٌ وجهها إلى الحائط]، [وكانت قد أُعطيت جمالاً]، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع، وهم قعود يتحدثون، فأنزل الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَاّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إلى قوله: {مِن وَرَاء حِجَابٍ} ، فضُرب الحجاب، وقام القوم. وأخرجه مسلم «4/ 150 - 151» مطولاً، وكذا الترمذي «3217» - وصححه -، والزيادة الأولى لهما، والزيادة الأخرى للطبري في «التفسير» «22/ 26» ، وسندها صحيح. قلت: وفي هاتين الزيادتين حجة قوية على أن زينب- رضي الله عنها كانت مكشوفة الوجه، وإلا لم يكن لذكر أنس تولية وجهها إلى الحائط، ووصفه إياها بأنها كانت جميلة فائدة تذكر. وأما قول مؤلف «تحرير المرأة في عصر الرسالة» «3/ 68»:«لو كانت سافرة الوجه لأمرها الرسول الكريم بستره، ولا حاجة لإلقاء الحجاب ومنع أنس من الدخول» ! ! وجوابي على ذلك:
أولاً: قوله: «لأمرها بستره» مجرد دعوى لا دليل عليها؛ لأن ستر الوجه من نسائه صلى الله عليه وسلم قبل نزول آية الحجاب هذه لم يكن واجباً، حتى يأمرها بستره، وهذا بيّن لا يخفى إن شاء الله تعالى. ثانياً: قوله: «ولا حاجة لإلقاء الحجاب .. » فيه مغالطة ظاهرة، على رأيه الذي يدافع عنه بكل تكلف وحرارة، وهو حجب أشخاص زوجاته صلى الله عليه وسلم خلف ستر لا يرى الرجال أشخاصهن، ولا هن يَرَينَهم! عند التكلُّم معهن. وأما على ما رجحه الحافظ من أن المقصود حجب البدن لا الشخص؛ فالحاجة للحجاب قائمة أيضاً؛ لأنهن بحكم كونهن يتردد الرجال كثيراً عليهن لسؤالهن عن أمور دينهم، فلولا الحجاب لوجب عليهن أن يسترن وجوههن كلما سئلن لو دخلوا عليهن، وفي ذلك مشقة ظاهرة وحرج، فرفع ذلك عنهن بالحجاب إذا كن في بيوتهن، أما إذا خرجن من بيوتهن لحاجة ما؛ سترن وجوههن؛ كما في روايات عدة مذكورة في كتابي «جلباب المرأة المسلمة» . هذا، وهناك في السنة أحاديث كثيرة تدل على أن النساء- ومنهن بعض زوجاته صلى الله عليه وسلم كن لا يسترن وجوههن قبل نزول آية الحجاب هذه، يتيسر لي الآن منها ثلاثة: الأول: قال أنس رضي الله عنه: لما انقضت عدة زينب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: «فاذكرها عليّ» ، قال: فانطلق زيد حتى أتاها، وهي تخمِّر عجينها، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي. .. الحديث نحو ما تقدم، وفيه نزول آية الحجاب. أخرجه مسلم «4/ 148» ، وأحمد «3/ 195» ، وأبو يعلى «6/ 77 - 78» .
الثاني: حديث عائشة، وقولها في «قصة الإفك» في صفوان بن المعطِّل السُّلَمي: «
…
فرأى سواد إنسان نائم؛ فأتاني حين رآني، وكان قد رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمَّرت وجهي بجلبابي
…
» الحديث بطوله، وهو متفق عليه. الثالث: عن عائشة أيضاً قالت: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم حَيْساً في قَعْبٍ، فمر عمر- رضي الله عنه فدعاه، فأكل، فأصاب إصبعه إصبعي، فقال: حَسِّ، أوّه أوّه! لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزلت آية الحجاب. أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» «1053» ، والنسائي في «الكبرى/ التفسير» «6/ 435» ،