الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حضور المسجد مطلقًا».
[جلباب المرأة المسلمة ص (1/ 137)]
الشرط السادس من شروط الجلباب:
(أن لا يشبه لباس الرجل)
الشرط السادس: «أن لا يشبه لباس الرجل» لما ورد من الأحاديث الصحيحة في لعن المرأة التي تتشبه بالرجل في اللباس أو غيره. وإليك ما نعلمه منها:
1 -
عن أبي هريرة قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل» .
2 -
عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال» .
3 -
عن ابن عباس قال: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال: «أخرجوهم من بيوتكم» . قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانًا وأخرج عمر فلانًا».
وفي لفظ: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال» .
4 -
عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث» .
5 -
عن ابن أبي مليكة -واسمه عبد الله بن عبيد الله- قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن المرأة تلبس النعل؟ فقالت: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء» .
وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبه النساء بالرجال، وعلى
العكس وهي عامة تشمل اللباس وغيره إلا الحديث الأول فهو نص في اللباس وحده وقد قال أبو داود في «مسائل الإمام أحمد» «ص 261» : «سمعت أحمد سئل عن الرجل يُلبس جاريته القرطق؟ قال: لا يلبسها من زي الرجال لا يشبهها بالرجال» .
قال أبو داود: «قلت لأحمد: يلبسها النعل الصرارة؟ قال: لا إلا أن يكون لبسها للوضوء. قلت: للجمال؟ قال: لا. قلت: فيجز شعرها؟ قال: لا» .
وقد أورد الذهبي تشبه المرأة بالرجال، وتشبه الرجال بالنساء في «الكبائر» «ص 129» وأورد بعض الأحاديث المتقدمة ثم قال:«فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب والفرج والأكمام الضيقة فقد شابهت الرجال في لبسهم قتلحقها لعنة الله ورسوله ولزوجها إذا أمكنها من ذلك أو رضي به ولم ينهها؛ لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله ونهيها عن المعصية لقول الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}» .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في أهله ومسئول عنهم يوم القيامة» متفق عليه وهو مخرج في «غاية المرام» «269» .
وتبعه على ذلك الهيتمي في «الزواجر» «1/ 126» ثم قال: «عد هذا من الكبائر واضح لما عرفت من هذه الأحاديث الصحيحة وما فيها من الوعيد الشديد والذي رأيته لأئمتنا أن ذلك التشبه فيه قولان:
أحدهما: أنه حرام، وصححه النووي بل صوبه، وثانيهما أنه مكروه، وصححه الرافعي في موضع، والصحيح بل الصواب ما قاله النووي من الحرمة، بل ما قدمته من أن ذلك كبيرة، ثم رأيت بعض المتكلمين على الكبائر عده منها وهو ظاهر».
وقال الحافظ في «الفتح» «10/ 273 - 274» عند شرح حديث ابن عباس المتقدم برقم «3» باللفظ الثاني: «لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال» ما مختصره: «قال الطبري: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة
التي تختص بالنساء ولا العكس وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء، لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها لا التشبه في أمور الخير. قال: والحكمة في لعن من تشبه إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء، وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله:«المغيرات لخلق الله» .
فثبت مما تقدم أنه لا يجوز للمرأة أن يكون زيها مشابِهًا لزي الرجل فلا يحل لها أن تلبس رداءه وإزاره ونحو ذلك كما تفعله بعض بنات المسلمين في هذا العصر من لبسهن ما يعرف بـ «الجاكيت» و «البنطلون» وإن كان هذا في الواقع أستر لهن من ثيابهن الأخرى الأجنبية. فاعتبروا يا أولي الأبصار.
ثم وجدت لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فصلًا جيدًا رأيت من المناسب إيراده في هذا المكان لوثيق صلته به ولما فيه من الفوائد الغزيرة والتحقيق العلمي وهو جواب سؤال وجه إليه وهذا نصه مع الجواب كما جاء في «الكواكب» لابن عروة الحنبلي «ج 93/ 132 - 134» المحفوظ في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم «579 - تفسير» : «مسألة في لبس الكوفية للنساء ما حكمها إذا كانت بالداير والفرق وفي لبسهن الفراجي فما الضابط في التشبه بالرجال في الملبوس؟ هل هو بالنسبة إلى ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كل زمان بحسبه؟ » .
الجواب: الحمد لله. الكوفية التي بالفرق والداير من غير أن تستر الشعر المسدول هي من لباس الصبيان والمرأة اللابسة لذلك متشبهة بهم. وهذا النوع قد يكون أوله من قبل النساء قصدن التشبه بالمردان كما يقصد بعض البغايا أن تضفر شعرها ضفيرًا واحدًا مسدولًا بين الكتفين وأن ترخي لها السوالف وأن تعتم لتشبه المردان في العمامة والعذار والشعر ثم قد تفعل الحرة بعض ذلك لا تقصد هذا لكن هي في ذلك متشبهة بالرجال.
وقد استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح وغيرها بلعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء وفي رواية: أنه لعن المخنثين من الرجال والمترجلات
من النساء وأمر بنفي المخنثين وقد نص على نفيهم الشافعي وأحمد وغيرهما وقالوا: جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنفي في حد الزنا وبنفي المخنثين.
وفي «صحيح مسلم» عنه أنه قال: «صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: كاسيات عاريات مائلات مميلات على رءوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله» .
وقد فسر قوله: «كاسيات عاريات» بأن تكتسي ما لا يسترها فهي كاسية وهى في الحقيقة عارية مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل: عجيزتها وساعدها ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما تسترها، فلا تبدي جسمها ولا حجم أعضائها؛ لكونه كثيفًا واسعًا.
ومن هنا يظهر الضابط في نهيه صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء وعن تشبه النساء بالرجال وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعًا إلى مجرد ما تختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه فإنه لو كان كذلك لكان إذا اصطلح قوم على أن يلبس الرجال الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق والجلابيب التي تسدل من فوق الرءوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان! وأن تلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة ونحو ذلك أن يكون هذا سائغًا! وهذا خلاف النص والإجماع فإن الله تعالى قال للنساء: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية، وقال:{قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} الآية وقال: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} ، فلو كان اللباس الفارق بين الرجال والنساء مستنده مجرد ما يعتاده النساء أو الرجال باختيارهم وشهوتهم لم يجب أن يدنين عليهن الجلابيب ولا أن يضربن بالخمر على الجيوب ولم يحرم عليهن التبرج، تبرج الجاهلية الأولى؛ لأن ذلك كان عادة لأولئك وليس الضابط في ذلك لباسًا معينًا من جهة نص النبي صلى الله عليه وسلم أو من جهة عادة الرجال والنساء على عهده بحيث يقال: إن ذلك هو الواجب وغيره يحرم
فإن النساء على عهده كن يلبسن ثيابًا طويلات الذيل، بحيث ينجرُّ خلف المرأة إذا خرجت، والرجل مأمور بأن يشمر ذيله حتى لا يبلغ الكعبين، ولهذا لما نهى صلى الله عليه وسلم الرجال عن إسبال الإزار وقيل له: فالنساء؟ قال: «يرخين شبرًا» ، قيل له: إذن تنكشف سوقهن قال: «ذراعا لا يزدن عليه» ، قال الترمذي:«حديث صحيح» حتى إنه لأجل ذلك روي أنه رخص للمرأة إذا جرت ذيلها على مكان قذر ثم مرت به على مكان طيب أنه يطهر بذلك (1)،
وذلك قول طائفة من أهل العلم في مذهب أحمد وغيره جعلا المجرور بمنزلة النعل الذي يكثر ملاقاته النجاسة، فيطهر بالجامد كما يطهر السبيلان بالجامد؛ لما تكرر ملاقاتهما النجاسة، ثم إن هذا ليس معينًا للستر، فلو لبست المرأة سراويل أو خفًّا واسعًا صلبًا كالمعرق وتدلي فوقه الجلباب بحيث لا يظهر حجم القدم؛ لكان محصلًا للمقصود بخلاف الخف اللين الذي يبدي حجم القدم، فإن هذا من لباس الرجال، وكذلك المرأة لو لبست جبة وفروة لحاجتها إلى ذلك لدفع البرد لم تنه عن ذلك، فلو قال قائل: لم يكن النساء يلبسن الفراء؟ قلنا: فإن ذلك يتعلق بالحاجة، فالبلاد الباردة تحتاج إلى غلظ الكسوة وكونها مدفئة وإن لم يحتج إلى ذلك في البلاد الحارة.
فالفارقة بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء وهو ما ناسب ما يؤمر به الرجال وما يؤمر به النساء، فالنساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور؛ ولهذا لم يشرع لها رفع الصوت في الأذان والتلبية ولا الصعود «كذا ولعله: في الصعود» إلى الصفا والمروة ولا التجرد في الإحرام كما يتجرد الرجل فإن الرجل مأمور أن يكشف رأسه وأن لا يلبس الثياب المعتادة وهي التي تصنع على قدر أعضائه، فلا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخف، لكن لما كان محتاجًا إلى ما يستر العورة ويمشي فيه، رخص له في آخر الأمر إذا لم يجد إزارًا أن يلبس سراويل، وإذا لم يجد نعلين أن يلبس خفين، وجعل ذلك بدلًا للحاجة العامة، بخلاف ما يحتاج إليه حاجة خاصة لمرض أو برد، فإن عليه الفدية إذا لبسه ولهذا طرد أبو حنيفة هذا القياس، وخالفه الأكثرون للحديث
(1) قلت: الحديث صحيح؛ لأن له شاهدًا ذكرته فيما سبق "ص 81"، فتصديره بلفظ:"روي" المشعر اصطلاحًا بضعفه، ليس كما ينبغي. [منه].
الصحيح 1، ولأجل الفرق بين هذا وهذا، وأما المرأة فإنها لم تنه عن شيء من اللباس؛ لأنها مأمورة بالاستتار والاحتجاب، فلا يشرع لها ضد ذلك، لكن منعت أن تنتقب وأن تلبس القفازين؛ لأن ذلك لباس مصنوع على قدر العضو ولا حاجة بها إليه.
وقد تنازع الفقهاء هل وجهها كرأس الرجل أو كبدنه؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره فمن جعل وجهها كرأسه، أمرها إذا سدلت الثوب من فوق رأسها أن تجافيه عن الوجه كما يجافي عن الرأس ما يظلل به، ومن جعله كاليدين -وهو الصحيح- قال: لم تنه عن ستر الوجه، وإنما نهيت عن الانتقاب كما نهيت عن القفازين، وذلك كما نهي الرجل عن القميص والسراويل، ونحو ذلك، ففي معناه البرقع وما صنع لستر الوجه، فأما تغطية الوجه بما يسدل من فوق الرأس فهو مثل تغطيته عند النوم بالملحفة ونحوها، ومثل تغطية اليدين بالكمين وهي لم تنه عن ذلك.
فلو أراد الرجال أن ينتقبوا ويتبرقعوا، ويدعوا النساء باديات الوجوه، لمنعوا من ذلك، وكذلك المرأة أمرت أن تجتمع في الصلاة، ولا تجافي بين أعضائها (1)، وأمرت أن تغطي رأسها، فلا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، ولو كانت في جوف بيت لا يراها أحد من الأجانب، فدل ذلك على أنها مأمورة من جهة الشرع بستر لا يؤمر به الرجل حقًّا لله عليها وإن لم يرها بشر وقد قال تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «صلاة إحداكن في مخدعها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها وصلاتها في دارها أفضل من صلاتها في مسجد قومها وصلاتها في مسجد قومها أفضل من صلاتها معي» . وهذا كله لما في ذلك من الاستتار والاحتجاب.
(1) لا أعلم في السنة ما يشهد لهذا، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي" يرده، وراجع الخاتمة التي في آخر "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم". [منه].
ومعلوم أن المساكن من جنس الملابس، كلاهما جعل في الأصل للوقاية ودفع الضرر، كما جعل الأكل والشرب لجلب المنفعة، فاللباس يتقي الإنسان به الحر والبرد ويتقي به سلاح العدو، وكذلك المساكن يتقي بها الحر والبرد ويتقي بها العدو، وقال تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} ، فذكر في هذا الموضع ما يحتاجون إليه لدفع ما قد يؤذيهم وذكر في أول السورة ما يضطرون إليه لدفع ما يضرهم، فقال تعالى:{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} ، فذكر ما يستدفئون به ويدفعون به البرد؛ لأن البرد يهلكهم، والحر يؤذيهم؛ ولهذا قال بعض العرب: البرد بؤس والحر أذى؛ ولهذا السبب لم يذكر في الآية الأخرى وقاية البرد فإن ذلك تقدم في أول السورة وهو في أثناء السورة ذكر ما أتم به النعمة، وذكر في أول السورة أصول النعم ولهذا قال:{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} .
والمقصود هنا أن مقصود الثياب يشبه مقصود المساكن والنساء مأمورات في هذا بما يسترهن ويحجبهن فإذا اختلف لباس الرجال والنساء مما كان أقرب إلى مقصود الاستتار والاحتجاب كان للنساء وكان ضده للرجال.
وأصل هذا أن تعلم أن الشارع له مقصودان: أحدهما: الفرق بين الرجال والنساء، والثاني: احتجاب النساء فلو كان مقصوده مجرد الفرق، لحصل ذلك بأي وجه حصل به الاختلاف وقد تقدم فساد ذلك بل أبلغ من ذلك أن المقصود بلباس أهل الذمة إظهار الفرق بين المسلم والذمي، ليترتب على كل منهما من الأحكام الظاهرة ما يناسبه، ومعلوم أن هذا يحصل بأي لباس اصطلحت الطائفتان على التمييز به، ومع هذا فقد روعي في ذلك ما هو أخص من الفرق فإن لباس الأبيض لما كان أفضل من غيره كما قال صلى الله عليه وسلم:«عليكم بالبياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم» ، لم يكن من السنة أن يجعل لباس أهل الذمة الأبيض ولباس أهل الإسلام
المصبوغ، كالعسلي والأدكن ونحو ذلك بل الأمر بالعكس وكذلك في الشعور وغيرها فكذلك الأمر في لباس الرجال والنساء ليس المقصود به مجرد الفرق، بل لا بد من رعاية جانب الاحتجاب والاستتار.
وكذلك أيضًا ليس المقصود مجرد حجب النساء وسترهن دون الفرق بينهن وبين الرجال؛ بل الفرق أيضًا مقصود حتى لو قدر أن الصنفين اشتركوا فيما يستر ويحجب بحيث يشتبه لباس الصنفين لنهوا عن ذلك، والله تعالى قد بين هذا المقصود أيضًا بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} ، فجعل كونهن يعرفن باللباس الفارق أمرًا مقصودًا ولهذا جاءت صيغة النهي بلفظ التشبه بقوله صلى الله عليه وسلم:«لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء» ، فعلق الحكم باسم التشبه وبكون كل صنف يتصف بصفة الآخر.
وقد بسطنا هذه القاعدة في «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» وبينا أن المشابهة في الأمور الظاهرة تورث تناسبًا وتشابُهًا في الأخلاق والأعمال ولهذا نهينا عن مشابهة الكفار ومشابهة الأعاجم ومشابهة الأعراب، ونهي كل من الرجال والنساء عن مشابهة الصنف الآخر.
والرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه حتى يفضي به الأمر إلى التخنث المحض والتمكين من نفسه كأنه امرأة، ولما كان الغناء مقدمة ذلك وكان من عمل النساء، كانوا يسمون الرجال المغنين «مخانيث» .
والمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم حتى يصير فيها من التبرج والبروز ومشابهة الرجال ما قد يفضي ببعضهن إلى أن تظهر بدنها كما يظهره الرجل، وتطلب أن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخفر المشروع للنساء، وهذا القدر قد يحصل بمجرد المشابهة.