الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُشْرَع للمرأة أن تكشف عن عورتها للطبيبة أو الطبيب؟
الشيخ: أما أنه يُشْرَع، فلا شك في ذلك، لكن مما لا شك فيه أنه لا يجب، أليس كذلك؟
مداخلة: بلى.
الشيخ: فإذا كان الأمر كذلك. فإذاً: لا يجوز كشف العورة لأجل تعاطي الأسباب، فلا يخفى كشف العورة حرام.
فيجب أن يكون هناك ما يسوّل من الضرورة؛ لارتكاب هذا الحرام.
وهنا طلب الولد قلنا إنه ليس بضرورة، لكنه جائز ومشروع، فعلى هذا ما يتعاطاه كثير من الرجال، من الكشف عن أنفسهم أو عن زوجاتهم؛ لمعرفة سبب عقمهم، هذا من التوسع غير المشروع.
(الهدى والنور/653/ 41: 46: 00)
حكم النظر للنساء في التلفزيون والمجلات
مداخلة: البعض يدعي إباحة نظر الرجل إلى صور المرأة في التلفاز أو المجلات بحجة أن عائشة رضوان الله تعالى عليها كانت تنظر إلى رجال الحبشة وهم يلعبون، وبحجة أن قوله تعالى:{يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] لا يعني [النهي عن] النظر إلى كل شيء، فبالإمكان النظر إذا كانت النية طيبة مثل نظرة عائشة.
الشيخ: الجواب عن هذه الشبهة يذكرني بانحراف صدر من بعض العلماء مع الأسف الشديد، وهو اختلاف الحكم في قضيتين اثنتين: أن ينظر الرجل إلى المرأة حتى لو كانت عارية فهذا حرام، أو كاشفة عن شيء من عورتها هذا حرام لا شك فيه عند المسلمين جميعًا، التفريق بين هذا وبين النظر إلى المرأة المصورة في مجلة أو جريدة أو صورة خاصة ولو كانت كما يقال ربي كما خلقتني، هذه الصورة يجوز
النظر إليها، أما النظر إلى المرأة على خلقتها فهذا حرام لا شك، لا شك هذا حرام، ولكن ما الذي أحل النظر إلى صورة المرأة؟ هنا فلسفة، قالوا: النظر إلى الصورة إنما هو نظر إلى خيال، أما النظر إلى شخصية المرأة فنظر إلى حقيقة، هذا حرام وذاك حلال، هذه مسألة.
تأتي أختها: الإصغاء والاستماع لصوت المرأة وغناها لا يجوز لما يترتب من وراء من ذلك من الفتنة، هذا حكم صحيح كالحكم الأول من حيث النظر إلى شخصية المرأة وعورتها، لكن إذا سمع الرجل غناء المرأة من وراء المذياع فهذا جائز، لماذا؟ لأنه لا يسمع صوتها هكذا زعم بعضهم، وإنما يسمع صدى الصوت وليس الصوت، وهذا أمر وقع عندنا في دمشق مع الأسف منذ نحو عشرين سنة، صعد المفتي إلى جبل قاسيون حيث الإذاعة والتلفزيون فأصحبوا معه موظفًا من إخواننا هناك ملتح .. فالمفتي آنس من صاحبنا رشدًا فأحب أن يتظاهر بأنه يريد أن يستفيد منه علمًا، هو لا يعرفه لأنه مفتي أما هذا فرجل ميكانيكي، قال له: أريد أن أسألك، هذا الصوت الذي تذيعونه على البلاد هذه فيسمع هل هو الصوت نفسه، أم هو صدى الصوت؟ قال: لا، هو الصوت نفسه، هذا الرجل طبعًا متخصص في هذا المجال.
لاحظ صاحبنا بأن الشيخ يشك في هذا الجواب، ويرى أن هذا الصوت ليس هو نفسه ولكنه صداه، وجادل صاحبنا حول ذلك، صاحبنا تنبه فاندفع ليسأل: يا فضيلة الشيخ! هل هناك من فرق بين أن يكون هذا هو الصوت عينه أو هو صداه؟ قال: طبعًا هناك فرق كبير؛ لأنه إذا كان هو صدى الصوت جاز لنا نحن الرجال أن نسمع غناء أم كلثوم مثلًا لأننا لا نسمع صوتها وإنما نسمع صداه، أما إذا كان الصوت هو صوت. .. فحرام علينا أن نستمع إليه، وذكر له حكمًا فقهيًا كنا قرأناه في كتب علماء الحنفية، ذكروا في باب سجود التلاوة، وهم يذهبون إلى وجوب سجدة التلاوة، قال: لو كان رجل في وادي فسمع صدى صوت رجل قرأ آية سجدة فهل يجب عليه السجود؟ قالوا: لا، لم؟ لأنه لم يسمع الصوت وإنما سمع
صدى الصوت، فالفقيه هنا المشار إليه يريد أن يستخرج الآن بناء على ذاك الحكم المسطر من قديم الزمان حكمًا يناسب هذا الأمر الحادث في هذا الزمان وهو صوت المذياع، ترى! إذا سمعنا منه أغاني النساء وآلات الموسيقى والطرب أيجوز ذلك أم لا؟ في المسألة قولان: إذا كان ذاك هو صدى الصوت جاز، وإذا كان الصوت نفسه لم يجز.
هذا في الحقيقة غفلة عن باب سد الذريعة، ما الفرق بين أن يكون هو الصوت بعينه أو صدى الصوت؟ لماذا قال الفقهاء بتحريم سماع صوت المرأة؟ قالوا: خشية الفتنة، هذه الخشية قائمة سواء تفلسفنا في بيان حقيقة سماعنا لهذا الصوت أو الصوت نفسه أو هو صدى الصوت فالفتنة قائمة.
نعود إلى المسألة الأولى: لا يجوز النظر إلى شخص المرأة لأن فيه فتنة، لكن إذا نظرت إليها في الصورة هذا يجوز؛ لأنك تنظر إلى خيال وليس إلى حقيقة، علمًا أنه يترتب أيضًا من النظر، وهذا مشاهد بين الشباب الذين يتهافتون على شراء المجلات التي فيها النساء العاريات، لماذا؟ لأنهم يشبعون نهمة شغفهم بالاطلاع على هذه الصور العارية، ولا شك أن ذلك من أسباب انتشار الاستمناء الذي يسمونه بالعادة السرية تلطيفًا لوقع الاستمناء المحرم شرعًا، حتى وصل البعض من هذه الفلسفة المنحرفة عن قواعد الشريعة إلى أن يقول: أن الرجل إذا رأى صورة امرأة في المرآة أمامه فهذا جائز؛ لأنه ينظر إلى خيال، ومعلوم من الواقع أن صورة المرأة التي تظهر أمام الرجل الرائي في المرآة هي تكون خلقه، فتنتج نكتة مضحكة مبكية؛ ذلك أو تلك هي أنه إذا نظر هذا المتفلسف أمامه في المرآة جاز، فإذا التفت هكذا حرم، لم؟ لأنه هنا ينظر إلى حقيقة وهنا ينظر إلى خيال، هكذا وصل الفقه الإسلامي إلى مثل هذه المهزلة والسبب هو عدم التمسك بالقواعد الشرعية.
هذا ما أردت أن ألفت النظر إليه بالنسبة لما سبق من البيان.
مداخلة: كيف نفهم من الحديث الحبشة. ..
الشيخ: أحسنت، حديث الحبشة، أنت ذكرتني بشيء: السؤال انتقل من النظر إلى الصورة إلى الاستدلال بالحبشة، النظر إلى الحبشة نظر إلى أشخاص، فما علاقة النظر في الصورة؟ الصورة نفس البحث أو السؤال ليس متعلقًا بالصورة وإنما بالمصور فهم أشخاص، فنظرة السيدة عائشة رضي الله عنها إلى لاعبي الحبشة هذا أمر مسموح به لها ولغيرها؛ لأنها منصرفة إلى النظر إلى اللعب وليس إلى الأشخاص، اللعب مثل إذا نظرت المرأة إلى معركة قتال، لا يخطر في بال المرأة يومئذٍ ما قد يوسوس الشيطان إليها أن تحلق ببصرها إلى الشخص الذي قد تسر من جماله ومن شكله، فهنا النظر سمح به لأن الفتنة مأمونة من حيث أن النظر متوجه ليس إلى الشخص أو الأشخاص وإنما إلى لعبهم بالحراب.
يضاف إلى ذلك أن هذا اللعب وقد كان في المسجد هو من باب اتخاذ الوسائل للاستعداد لملاقاة الأعداء، وإلا فلا يجوز كل لعب في المسجد كما سمعنا من بعض المتعالمين يقول عندنا في دمشق مسجد يعرف بمسجد بني أمية، المسجد كبير فيه ساحة كبيرة جدًا طبعًا مكشوفة، تكون عادة في سعة الملاعب ملاعب كرة القدم أو أوسع، يقول هذا المتفلسف أيضًا: لو كان بيده من الأمر شيء لجعل هذه الساحة من المسجد ملعبًا بلديًا .. ملعب لكرة القدم، لا يجوز اتخاذ المساجد ملاعب لكن أجاز الرسول عليه السلام للحبشة أن يلعبوا في المسجد بالحراب؛ لأنه من باب قوله تبارك وتعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] إلى آخر الآية، هذا هو الجواب عن مسألة نظر عائشة، ونظر عائشة في نفس الحديث إلى لعب الحبشة، فالنظر إلى لعب الحبشة وهو لعب مشروع غير نظر المرأة إلى الرجل، ونظر الرجل إلى المرأة شخصيًا.
على هذا يمكن أن نخرج حديث اللعب، وحينئذ لا يصطدم مع النص القرآني الذي جاء في السؤال:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] وكذلك: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] فليس هناك مجال أبدًا في تأويل الآية إلى المعنى الذي أشار
السائل إليه أنه ينظر هنا إلى القصد، فإذا كان النظر بقصد سيء فهو المقصود بالآية، أما إذا كان النظر لقصد حسن فليس يدخل في النهي في الآيتين، هذا هو من باب التأويل الذي دخل في الخلف على خلاف طريقة السلف؛ لأن طريقة السلف هو تفسير الآية بالآية وإلا تفسير الآية بالحديث، وهنا أحاديث كثيرة تبين لنا أن النظرة الأولى لك والثانية عليك، قال عليه السلام:«يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإن النظرة الأولى لك والثانية عليك» من ذا الذي يستطيع أن يقول: إنه أحصن وأمسك وأضبط لهواه ولنفسه من علي، من هؤلاء المتأخرين أمثالي ليقول: أنا أنظر نظرة نظيفة طاهرة، وهذا الرجل الطاهر الزكي النفس قد قال له عليه السلام صراحًة:«لا تتبع النظرة النظرة فإن النظرة الأولى لك والثانية عليك» أي: إن من أعاد النظر إلى شخص المرأة لذاتها فذلك من فتنة الشيطان.
ولذلك جاء في حديث الخثعمية في صحيح البخاري لما وقفت لتسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها وقد أدركته فريضة الله الحج وهو شيخ كبير لا يثبت على الرحل، قالت:«أفأحج عنه؟ قال لها: حجي عنه» ورديف النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس، فكان ينظر إليها وتنظر إليه وهما شابان، وكان هو وضيئًا، وكان هي جميلة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف بصر الفضل إلى الجانب الآخر كي لا يدخل الشيطان بينهما فمن ذا الذي يستطيع أن يقول: إني أملك من نفسي ما لم يملك الفضل بن عباس من نفسه حتى صده الرسول عليه السلام عن تكرار النظر إلى الخثعمية بيده.
إذًا: غضوا من أبصاركم، هو كما قال عليه السلام في الحديث الآخر لما سئل عن نظرة الفجأة قال:«اصرف بصرك» نظرة الفجأة هي النظرة الأولى، أما أن تكرر النظر المرة والمرة فهذا قد أمرنا به أن نصرفه «اصرف بصرك» الحديث في صحيح مسلم، لذلك لا يجوز للمرأة أن تكرر النظر إلى الرجل كما أنه لا يجوز للرجل أن يكرر النظر إلى المرأة إلا في حالة واحدة وهي حالة الخطبة «إذا وقع في نفس أحدكم أن يخطب امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما» .