الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قل للمليحة في الخمار المذهب
…
أفسدت نسك أخي التقي المذهب
نور الخمار ونور خدك تحته
…
عجبًا لوجهك كيف لم يتلهب
فقد وصفها بأن خمارها كان على وجهها أيضًا.
فأقول: لا ينافي هذا ما ذكرنا من معنى الخمار؛ لأنه لا يلزم من تغطية الوجه به أحيانًا، أن ذلك من لوازمه عادة، كلا، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حمل صفية وراءه جعل رداءه على ظهرها وجهها كما يأتي «ص 94». وأن عائشة قالت في قصة الإفك:«فخمرت وجهي بجلبابي» كما سيأتي «ص 106» ، فهل يمكن أن يؤخذ من ذلك أن الرداء والجلباب ثوبان يغطيان الوجه عادة؟ ! فكذلك وصف الشاعر للمليحة بما سبق لا يمكن أن يؤخذ منه تعريف الخمار وأنه ما يغطى به الرأس والوجه معًا! غاية ما يقال أنه قد يغطى به الوجه، كما قد يغطى بأي شيء آخر من الثياب كالرداء والجلباب والبردة وغيرها.
وهذا كله يقال على افتراض أن وصف الشاعر للمليحة كان وصفًا حقيقيًّا. وغالب الظن أنه وصف شعري خيالي، فلا يمكن حينئذ أن يؤخذ منه معنى حقيقي يعتمد عليه.
[جلباب المرأة المسلمة ص (39)]
إبطال دعوى أن الأدلة السابقة كلها كانت قبل فرضية الجلباب
أقول: فإن قيل: إن ما ذكرته واضح جدًّا غير أنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل فرض الجلباب فلا يصح الاستدلال حينئذ إلا بعد إثبات وقوعه بعد الجلباب. وجوابنا عليه من وجهين.
الأول: أن الظاهر من الأدلة أنه وقع بعد الجلباب وقد حضرنا في ذلك حديثان:
الأول: حديث أم عطية رضي الله عنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد قالت أم عطية: إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: «لتلبسها أختها من جلبابها» . متفق عليه.
ففيه دليل على أن النساء إنما كن يخرجن إلى العيد في جلابيبهن وعليه فالمرأة السفعاء الخدين كانت متجلببة. ويؤيده الحديث الآتي وهو:
الحديث الثاني: حديثها أيضًا قالت:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلم عليهن، فرددن السلام فقال:«أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن» ، فقلن: مرحبًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبرسوله فقال: «تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ولا تعصين في معروف؟ » ، فقلن: نعم فمد عمر يده من خارج الباب، ومددن أيديهن من داخل، ثم قال:«اللهم اشهد» ، وأمرنا «وفي رواية: فأمرنا» أن نخرج في العيدين العتق والحيض ونهينا عن اتباع الجنائز ولا جمعة علينا فسألته عن البهتان وعن قوله: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} ؟ قال: هي النياحة» (1).
ووجه الاستشهاد به: إنما يتبين إذا تذكرنا أن آية بيعة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] إنما نزلت يوم الفتح كما قال مقاتل «الدر» «6/ 209» ونزلت بعد آية الامتحان كما أخرجه ابن مردويه عن جابر «الدر» «6/ 211» وفي «البخاري» عن المسور أن آية الامتحان نزلت في يوم الحديبية وكان ذلك سنة ست على الصحيح كما قال ابن القيم في «الزاد» وآية الحجاب إنما نزلت سنة ثلاثة وقيل: خمس حين بنى صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش كما في ترجمتها من «الإصابة» .
(1) أخرجه البخاري في "التاريخ""1/ 1/ 361"، وأحمد في "المسند""6/ 408 - 409"، والبيهقي "3/ 184"، والضياء المقدسي في "المختارة""1/ 104 - 105/ 1"؛ من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية، وقال:"رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما".
قلت: وإسماعيل هذا أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل""1/ 1/ 185"، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، ووثقه ابن حبان "4/ 18"، وفي "التقريب":"مقبول". فمثله يستشهد به، ولا سيما وقد حسن إسناده الذهبي في "مختصر البيهقي""133/ 2". وأصل قبض اليد ثابت في "صحيح البخاري""4892"، وفي "كبير الطبراني""24/ 182 و 46342" من طرق لا ينكره إلا مكابر. [منه].
فثبت من ذلك أن أمر النساء بالخروج إلى العيد إنما كان بعد فرض الجلباب، ويؤيده أن في حديث عمر أنه لم يدخل على النساء وإنما بايعهن من وراء الباب وفي هذه القصة أبلغهن أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بأن يخرجن للعيد وكان ذلك في السنة السادسة عقب رجوعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية بعد نزول آية الامتحان والبيعة كما تقدم وبهذا تعلم معنى قول أم عطية في أول حديثها الثاني:«لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة» أي: من الحديبية ولا تعني قدومه إليها من مكة مهاجرًا كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. فتأمل.
الوجه الآخر: إذا فرضنا عجزنا عن إثبات ما ذكرنا فإن مما لا شك فيه عند العلماء أن إقراره صلى الله عليه وسلم المرأة على كشف وجهها أمام الرجال دليل على الجواز وإذا كان الأمر كذلك فمن المعلوم أن الأصل بقاء كل حكم على ما كان عليه حتى يأتي ما يدل على نسخه ورفعه ونحن ندعي أنه لم يأت شيء من ذلك هنا بل جاء ما يؤيد بقاءه واستمراره كما سترى فمن ادعى خلاف ذلك فهو الذي عليه أن يأتي بالدليل الناسخ وهيهات هيهات.
على أننا قد أثبتنا فيما تقدم من حديث الخثعمية أن الحادثة كانت في حجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي كانت بعد فرض الجلباب يقينًا وما أجابوا عنها تقدم إبطاله بما لا يبقي شبهة.
ويؤيد ذلك قوله تعالى في صدر الآية المتقدمة: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} الآية [النور: 30 - 31] فإنها تشعر بأن في المرأة شيئًا مكشوفًا يمكن النظر إليه فلذلك أمر تعالى بغض النظر عنهن وما ذلك غير الوجه والكفين.
ومثلها قوله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوس بالطرقات، فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» . [متفق عليه].
وقوله: «يا علي! لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» [حسن لغيره] ..
وعن جرير بن عبد الله قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فأمرني صلى الله عليه وسلم أن أصرف بصري» [أخرجه مسلم].
هذا؛ وقد ذكر القرطبي «12/ 230» وغيره في سبب نزول هذه الآية: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها «وفي رواية: أخذن أُزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها» .
أخرجه البخاري «2/ 182 و 8/ 397» ، وأبو داود، واستدرك الحاكم «4/ 194» الرواية الثانية على الشيخين، فوهم في استدراكه على البخاري، ورواه ابن أبي حاتم بلفظ أكمل بسنده عن صفية بنت شيبة، قال: بينا نحن عند عائشة قالت: فذكرن نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلًا، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، وأشد تصديقًا لكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل، فقد أنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل، فاعتجرت به تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم[يصلين الصبح] معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان.
وذكره ابن كثير، والحافظ في «الفتح» «8/ 490» والزيادة منه، وفي سنده
الزنجي بن خالد، واسمه مسلم، وفيه ضعف، لكنه قد توبع عند ابن مردويه في «تفسيره» كما في «تخريج الكشاف» للزيلعي «ص 435 - مخطوط» .
والحديث كالنص على أنهن قمن وراءه صلى الله عليه وسلم كاشفات الوجوه؛ لأن الاعتجار بمعنى الاختمار ففي «الصحاح» : «والمعجر: ما تشده المرأة على رأسها، يقال: اعتجرت المرأة» .
وعن الحارث بن الحارث الغامدي قال: «[قلت لأبي ونحن بمنى: ] ما هذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم قال: فنزلنا «وفي رواية: فتشرفنا» فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله والإيمان به وهم يردون عليه [قوله] ويؤذونه حتى انتصف النهار وتصدع عنه الناس وأقبلت امرأة قد بدا نحرها [تبكي] تحمل قدحًا [فيه ماء] ومنديلًا فتناوله منها وشرب وتوضأ ثم رفع رأسه [إليها] فقال: «يا بنية خمري عليك نحرك ولا تخافي على أبيك [غلبة ولا ذلا]» ، قلت: من هذه؟ قالوا: [هذه] زينب بنته» [صحيح].
ثم إن قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]؛ يدل على أن النساء يجب عليهن أن يسترن أرجلهن أيضًا. وإلا لاستطاعت إحداهن أن تبدي ما تخفي من الزينة «وهي الخلاخيل» ولاستغنيت بذلك عن الضرب بالرجل ولكنها كانت لا تستطيع ذلك، لأنه مخالفة للشرع مكشوفة ومثل هذه المخالفة لم تكن معهودة في عصر الرسالة ولذلك كانت إحداهن تحتال بالضرب بالرجل لتعلم الرجال ما تخفي من الزينة فنهاهن الله تعالى عن ذلك وبناء على ما أوضحنا قال ابن حزم في «المحلى» «3/ 216»:
«هذا نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداؤه» .
ويشهد لهذا من السنة حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» ، فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: «يرخين شبرًا» [أي: من نصف الساقين، وقيل: من الكعبين]، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن قال: «فيرخينه ذراعًا لا يزدن عليه» .
أخرجه الترمذي «3/ 47» وقال: «هذا حديث حسن صحيح» .
وفي الحديث رخصة للنساء في جر الإزار؛ لأنه يكون أستر لهن وقال البيهقي: «وفي هذا دليل على وجوب ستر قدميها» .
وعلى هذا جرى العمل من النساء في عهده صلى الله عليه وسلم وما بعده وترتب عليه بعض المسائل الشرعية فقد أخرج مالك وغيره عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ قالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطهره ما بعده» .
وعن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: «قلت: يا رسول الله إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: «أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ » ، قالت: قلت: بلى، قال:«فهذه بهذه» [صحيح].
ومن أجل ذلك كان من شروط المسلمين الأولين على أهل الذمة أن تكشف نساؤهم عن سوقهن وأرجلهن لكي لا يتشبهن بالمسلمات كما جاء في «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» «ص 59» .
ثم إن الله تعالى بعد أن بين في الآية السابقة -آية النور- ما يجب على المرأة أن تخفي من زينتها أمام الأجانب ومن يجوز أن تظهرها أمامهم أمرها في الآية الأخرى إذا خرجت من دارها أن تلتحف فوق ثيابها وخمارها بالجلباب أو الملاءة؛ لأنه أستر لها وأشرف لسيرتها وهي قوله تعالى:
ولما نزلت خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية [صحيح].
«والغربان» : جمع غراب شبهت الأكسية في سوادها بالغربان.
والجلباب: هو الملاءة التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها على أصح الأقوال.
وقد قيل في تفسيره سبعة أقوال أوردها الحافظ في «الفتح» «1/ 336» ؛ وهذا أحدها، وبه جزم البغوي في «تفسيره» «3/ 544» ، فقال:«هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار» .
وقال ابن حزم «3/ 217» : «والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه» .
وصححه القرطبي في «تفسيره» ، وقال ابن كثير «3/ 518» .
«هو الرداء فوق الخمار، وهو بمنزلة الإزار اليوم» .
قلت: ولعله العباءة التي تستعملها اليوم نساء نجد والعراق ونحوهما.
وهو يستعمل في الغالب إذا خرجت من دارها كما روى الشيخان وغيرهما عن أم عطية رضي الله عنها قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق [جمع العاتق، وهي الشابة أول ما تدرك]، والحيَّض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: «لتلبسها أختها من جلبابها» .
قال الشيخ أنور الكشميري في «فيض الباري» «1/ 388» تعليقًا على هذا الحديث:
«وعلم منه أن الجلباب مطلوب عند الخروج، وأنها لا تخرج إن لم يكن لها جلباب» .
والجلباب رداء ساتر من القرن إلى القدم. وقد مر مني أن الخمر في البيوت والجلابيب عند الخروج وبه شرحت الآيتين في الحجاب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] والثانية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]».
وقال في المكان الذي أشار إليه «1/ 256» بعد أن فسر الجلباب والخمار بنحو ما تقدم:
قلت: وتقييده الخمر بالبيوت فيه نظر؛ لأنه خلاف الظاهر من الآية الأولى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} . .. {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] فإن النهي عن الضرب بالأرجل قرينة واضحة على أن الأمر بضرب الخمر خارج الدار أيضًا وكذلك قوله في صدر الآية: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} .. . الآية [النور: 31] فالحق الذي يقتضيه العمل بما في آيتي النور والأحزاب أن المرأة يجب عليها إذا خرجت من دارها أن تختمر وتلبس الجلباب على الخمار؛ لأنه كما قلنا سابقًا أستر لها وأبعد عن أن يصف حجم رأسها وأكتافها وهذا أمر يطلبه الشارع كما سيأتي بيانه عند الكلام على «الشرط الرابع» والذي ذكرته هو الذي فسر به بعض السلف آية الإدناء ففي «الدر» «5/ 222» .
واعلم أن هذا الجمع بين الخمار والجلباب من المرأة إذا خرجت قد أخل به جماهير النساء المسلمات فإن الواقع منهن إما الجلباب وحده على رءوسهن أو الخمار وقد يكون غير سابغ في بعضهن كالذي يسمى اليوم بـ «الإشارب» بحيث ينكشف منهن بعض ما حرم الله عليهن أن يظهرن من زينتهن الباطنة كشعر الناصية أو الرقبة مثلًا.
وإن مما يؤكد وجوب هذا الجمع حديث ابن عباس: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية واستثنى من ذلك: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} الآية.
وتمام الآية: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60].
وفي رواية عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: «أن يضعن من ثيابهن» ؛ قال: الجلباب. وكذا قال ابن مسعود [سنده جيد].
قلت: فهذا نص في وجوب وضع الجلباب على الخمار على جميع النساء إلا القواعد منهن «وهن اللاتي لا يطمع فيهن لكبرهن» فيجوز لهن أن لا يضعن الحجاب على رؤوسهن.
أفما آن للنساء الصالحات حيثما كن أن يتنبهن من غفلتهن ويتقين الله في أنفسهن ويضعن الجلابيب على خمرهن؟ !
ومن الغريب حقًّا أن لا يتعرض لبيان هذا الحكم الصريح في الكتاب والسنة كل الذين كتبوا اليوم -فيما علمت- عن لباس المرأة مع توسع بعضهم على الأقل في الكلام على أن وجه المرأة عورة مع كون ذلك مما اختلف فيه والصواب خلافه كما تراه مفصلًا في هذا الكتاب والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ثم إن قوله: «والجلابيب عند الخروج» لا مفهوم له إذ إن الجلباب لستر زينة المرأة عن الأجانب فسواء خرجت إليهم أو دخلوا عليها فلا بد على كل حال من أن تتجلبب ويؤيد هذا ما قاله قيس بن زيد: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر. .. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها، فتجلببت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل أتاني فقال لي: أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة" [حسن لغيره].
هذا ولا دلالة في الآية على أن وجه المرأة عورة يجب عليها ستره بل غاية ما فيها الأمر بإدناء الجلباب عليها وهذا كما ترى أمر مطلق فيحتمل أن يكون الإدناء على الزينة ومواضعها التي لا يجوز لها إظهارها حسبما صرحت به الآية الأولى وحينئذ تنتفي الدلالة المذكورة ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فعليه يشمل الوجه. وقد ذهب إلى كل من التأويلين جماعة من العلماء المتقدمين وساق أقوالهم قي ذلك ابن جرير في «تفسيره» والسيوطي في «الدر المنثور» ولا نرى فائدة كبرى بنقلها هنا فنكتفي بالإشارة إليها ومن شاء الوقوف عليهما فليرجع إليهما 1.
ونحن نرى أن القول الأول أشبه بالصواب لأمور: