الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول القول بجواز سفر المرأة بدون محرم إذا كانت مع رفقة آمنة
؟
مداخلة: يسأل السائل فيقول: نرجو المزيد من التوضيح حول رأي الإمام مالك رحمه الله في جواز سفر المرأة بدون محرم مع الرفقة الآمنة من النساء، وما دليله؟ وبعض العلماء يستدل على هذا الجواز من حديث:«إن الظعينة تسير من اليمن إلى العراق لا تخشى إلا الله والذئب على الغنم» نرجو المزيد من التوضيح.
الشيخ: أما الحديث فليس فيه دليل؛ لأن الظعينة هي المرأة، والدعوى أن هناك نساء يسافرن بعضهم مع بعض، الحديث فيه أن المرأة تسافر، فلو أراد الرجل أن يستدل بالحديث لادعى أنه يجوز للمرأة الوحيدة أن تسافر؛ لأن الحديث هذا هو دلالته، ولكن ليس في الحديث ما يدل على جواز سفر المرأة لوحدها؛ لأن الحديث لم يأت تشريعًا وإنما جاء خبرًا غيبيًا، والأخبار الغيبية إنما [تُخبِر] عما يقع سواء كان الواقع ممدوحًا أو مذمومًا، فقوله عليه السلام مثلًا:«لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس بالبنيان» هذا لا يعني أن التطاول بالبنيان أمر مشروع في الإسلام، وإنما هذا خبر غيبي يتحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ليقدم إلى الناس دليلًا بعد أدلة على صدق نبوته عليه السلام؛ لأنه ليس من طاقة الناس عادة أن يتحدثوا عن المغيبات.
كذلك مثلًا من الأخبار أن الساعة لا تقوم حتى يتسافد الناس في الطرقات تسافد الحمير، فهذا خبر عما سيقع وليس فيه بيان شرعية هذا المخبر به، وهكذا قوله عليه السلام عن الظعينة لا يتضمن حكمًا شرعيًا وإنما هو خبر من أخبار الغيب، لا سيما والاستدلال بهذا الحديث فيه تعطيل لأحاديث جاءت خاصة بتشريع حكم بين الناس، وهي الأحاديث التي وردت بألفاظ عديدة:«لا تسافر المرأة سفرًا ثلاثة أيام إلا ومعها محرم» في بعض الروايات وهي أعم وأشمل: «لا تسافر امرأة سفرًا - أي: مطلقًا - إلا ومعها محرم» هذه الأحاديث جاءت للتشريع
فلا نعارضها بحديث الظعينة؛ لأنه ما جاء للتشريع وإنما جاء كخبر من أخبار الغيب.
على ذلك فالاستدلال بحديث الظعينة على قول مالك وغيره من الأئمة أنه يجوز للنساء الموثوق بأخلاقهن ودينهن أن يسافرن بغير محرم لا يصح الاستدلال بحديث الظعينة للسببين الذين ذكرناهما.
خلاصة ذلك: أن حديث الظعينة يتحدث عن المرأة الواحدة، والدعوى أخص من الدليل كما يقول علماء الأصول، وثانيًا: لأن حديث الظعينة خبرًا غيبيًا لا يتضمن حكمًا شرعيًا فهو مخالف للأحاديث التي جاءت في التشريع مباشرة وهو نهي الرسول عليه السلام المرأة أن تسافر إلا مع محرم.
ثم إن هذا القول لا يمكن الاطمئنان إليه من حيث الواقع، ولعل بعضكم ابتلي مثلي بقراءة:«طوق الحمامة» لابن حزم فإنه سيجد هناك عبرة لمن يعتبر ببيان أن هذا القول نساء موثوقات يجوز لهن أن يسافرن، فمن يقرأ القصة التي ذكرها ابن حزم يطمئن تمامًا إلى أن هذا القول مع مخالفته لعموم قوله عليه السلام:«لا تسافر امرأة سفرًا إلا مع محرم» فتلك القصة تؤكد أن نسوة خرجن من المغرب حاجات وقضين الحج في سكينة، وهن راجعات وقعن في الفاحشة من إما قبطان سفينة أو أحد العاملين فيها، فما قيمة القيمة المرأة ثقة تسافر مع نساء ثقات، فالنساء ضعيفات، ولذلك جاء هذا الحكم الشرعي للمحافظة على أعراضهن.
ويجب أن نذكر بهذه المناسبة أن الله تبارك وتعالى العليم بطبائع البشر وبخاصة منهن النساء يضع الموانع والسدود بينهن وبين أن يقعن في الفاحشة ولو إلى الأمد البعيد، ولعلكم تذكرون أن المحرمات تنقسم إلى قسمين: بعضها محرم لذاته وبعضها محرم لغيره، فالمحرم لذاته يحرم البتة، أما المحرم لغيره فلأنه يوصل إلى المحرم لذاته، المحرم لغيره قد نتصوره يسد الطريق لكي لا يصل المسلم إلى المحرم [لذاته] ولو كان العقل يستبعد جدًا أن يقع في مثله لكنه يقع ولو مرة واحدة، نحن نعلم مثلًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في الأوقات المكروهة عند طلوع
الشمس وعند غروبها، وأن الشيطان يخرج بقرنيه حين غروب الشمس وحين طلوعها فلا يجوز للمسلم أن يتقصد الصلاة في ذلك الوقت، لماذا؟ سدًا للذريعة مع أن أحدنا لو صلى في هذين الوقتين ما يخطر في باله أبدًا أن يصلي وأن يسجد للشيطان عند الشروق وعند الغروب وإنما نهى من باب سد الذريعة كما نهى مثلًا عن النظر إلى المرأة وعن الاستماع إليها كما جاء في أحاديث صحيحة معروفة لديكم.
فإذًا: ليس من الضروري أن نتصور أن كل امرأة تسافر بغير محرم أن حتمًا عليها أن تقع في الفاحشة، أو جماعة من النساء يسافرن سفرًا بغير محرم، ليس من الضروري أن نتصور أنهن يقعن في الفاحشة، ولكن لكي لا يقعن في الفاحشة يشترط الرسول عليه السلام المحرم كما جاء في الحديث، فلا يقل الإنسان كما نسمع اليوم مثلًا أن السفر بالطائرة من هنا إلى دمشق في ظرف ساعتين أو مثلًا إلى عمان ما في مانع أن تسافر المرأة لم؟ لأنه يودعها المحرم هنا ويستملها محرم آخر هناك، لكن هذه السفرة حيث لا محرم لها ممكن أن تتعرض المرأة للوقوع في الفاحشة التي حال الرسول عليه السلام لما جاء من الحكم من شرطية المحرم بينها وبينها.
وكذلك وقعت بعض الحوادث فيها عبرة، لقد حدثنا أحد أصحابنا في دمشق من لسان زوج أصيب في عرض امرأته لأنها سافرت فقط من دمشق إلى [مدينة أخرى] بالطائرة نصف ساعة فقط، مع ذلك أصيب هذا الرجل في عرض زوجته، كيف وقع ذلك؟ ركبت المرأة في دمشق طائرة بعد أن أخبرت زوجها هاتفيًا بأن الطائرة بعد نصف ساعة ستكون في المطار فخرج الرجل لاستقبالها فلم تأت الطائرة، فما الذي وقع؟ لقد وقع عين ما يسمونها اليوم بالمضيفة على هذه المرأة وأعجبها جمالها فنقلت خبرها إلى قبطان الطائرة، فاتفقا على أن يراوداها عن نفسها فاقتنعت بذلك فأعلن القبطان على الركاب بأن الطائرة أصابها عطل فهي مضطرة إلى أن تنزل في اللاذقية، وهناك اللاذقية حضر القبطان مع هذه المرأة
…
ثم في الصباح انطلقت الطائرة من اللاذقية.