الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا والناس لا فرق عندهم إذا استولى عليهم الترك الأعاجم، وقد حكمهم أجناس من المماليك زمناً طويلاً ما داموا كلهم غرباء يستعبدونهم وينالهم من ضعفهم ضعف، ومن قوتهم بعض راحة وسعادة، ولا فرق في الإسلام بين عربي
وأعجمي في الحقوق والواجبات، وأقصى ما يتطلبه الناس سلطان عادل عاقل في الجملة، وكانت الأمة تفنى بأسرها في سلطانها خلال القرون الوسطى.
مقاتل الغوري ومقدمات الفتح:
كان السلطان قانصوه الغوري آخر من ملكوا الشام من الشراكسة على شيء من الدهاء، أعدَّ للأيام عدتها وأدرك ما يحيق بمملكته من خطر ابن عثمان، ولكن ما ينفع التدبير إذا كانت المعنويات في حكومته مريضة ضئيلة، والقوى في جيشه غير موحدة، وداء الهرم قد استحكم منه ومن دولته. كان في الثمانين من عمره يوم صحت نية السلطان سليم العثماني، رجل الإرادة القوية والجيش الجرار، على أخذ الشام ومصر، والقضاء على دولة المماليك. وكان الغوري على رواية كامل باشا لا يعرف على من يعتمد عليه من رجاله وأمرائه غريب الأطوار في ذاته، فكان ذلك من دواعي خروج الأمر عنه ووقوع الخلل في جيشه، وكان يعتقد بعلم الجفر، وقد ذكر أحد أدعياء هذا العلم أن الشر يأتيه من رجل يبدأ سمه بحرف السين، فصار يتطير من كل من يبدأُ اسمه بذلك الحرف، ومنهم سيباي كافل الشام.
ترجم للغوري أحد من عاصروه من الفرنج بقوله: إنه من مماليك الغور في أفغانستان، كان حاجب الحجاب في حلب سنة 893هـ 1490م ورأس محكمة عسكرية ووفق إلى قمع ثورة فأبان فيها عن كفاءة، وكان وزيراً لما حنق المماليك على طومان باي واختاروه للملك، فتردد كثيراً في قبوله لأنه كان تجاوز الستين من عمره وأخذ مكوساً وضرائب من كل إنسان حتى من البوابين وضرب نقوداً زائفة أضرت بالتجارة الداخلية والخارجية، فاستلزم عمله حنق الناس وانتقاد من عاصروه فعجل بخراب المالية وذلك لوضعه رسوماً فاحشة على البضائع، وعلى البضائع التي تمر بأرضه واستعمل جزءاً من هذه الضرائب
في إقامة القلاع ولا
سيما في حلب وأنشأ طرقاً وآباراً في الحجاز. وكانت المكوس التي تجبى في المواني ورسوم البضائع الصادرة من الهند إلى أوروبا من طريق مصر آتية من عدن وجدة والسويس وإسكندرية، أو من طريق الشام ذاهبة من البصرة وحلب من أهم واردات المملكة. وتفادياً من أداء هذه الرسوم الفادحة حرص البرتغاليون على أن يكشفوا طريقاً في البحر إلى الهند على يد ملاحهم فاسكو دي غاما وكتب لهم النزول إلى شاطئ الهند وبعثوا إلى أوروبا تواً بسفنهم النقالة الكبرى عن طريق رأس الرجاء الصالح، فتحاموا أداء المكوس الفاحشة التي كانت تؤخذ في المواني المصرية عن البضائع التي ينقلونها وعن نفقات النقل في البر فاستفاد البرتغاليون من ذلك، ولم يسع الغوري أن يسكت عما يلحق المسلمين من مظالم البرتغاليين فحارب الأسطول البرتقالي غير مرة في بحري الهند والأحمر ونال منهم ونالوا منه قليلاً. قال: وساءت حالة الغوري حتى لم يستطع أن يدفع رواتب المماليك في أوقاتها بحيث فقدت حكومته كل معاونة قوية، وكانت سياسته الخارجية تعسة لأنه اضطر أن يحالف عدوه اللدود إسماعيل شاه خوفاً من السلطان سليم العثماني ولم يخْفَ ذلك عن السلطان سليم عرفه بواسطة جواسيسه اه.
وبينا كان قانصوه الغوري يغوص في أحلامه وأوهامه، كان سليم الأول وهو التاسع من آل عثمان الملقب بياوز أي الشديد الجبار يجيش الجيوش ويُعدّ الزحوف ويستجد السلاح، فبدأ بقتل الشيعة في تخوم الأناضول وكانوا أربعين ألفاً، ثم زحف سنة 920 على الشاه إسماعيل الصفوي صاحب شروان وأذربيجان وتبريز والعراق العجمي وفارس وكرمان وديار بكر وبغداد وباكو ودربند وخراسان وانتصر في وقعة جالديران المشهورة، وانهزم عسكر الشاه إسماعيل شر هزيمة وجرح الشاه في المعركة وفتح السلطان سليم ديار بكر والأقاليم الكردية، فهب قانصوه الغوري من مصر لإنجاده فيما قيل والأرجح أنه هبّ للدفاع عن مملكته.
وكان نائب سلطان مصر على البيرة رجلاً اسمه علاء الدولة بن سليمان وهو صاحب مرعش والبستان فلما اجتاز السلطان سليم بالبيرة يريد قصد الشاه الصفوي أمر علاء الدولة أهل مرعش أن لا يبيعوا شيئاً لعسكر سليم، فهلك كثير من رجالهم ودوابهم جوعاً، فشق ذلك على