الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلع الكامل شعبان وأجلسوا مكانه أخاه المظفر أمير حاج، وسلموا إليه أخاه الكامل فكان آخر العهد به، وكان هذا الكامل شعبان سيىء التصرف يولي المناصب غير أهلها بالبذل، ويعزلهم عن قريب ببذل غيرهم، وكان يقول عن نفسه أنا ثعبان لا شعبان.
وفي سنة 748 سافر ناصر الدين بن المحسني بعسكر من حلب لتسكين فتنة ببلد شيزر بين العرب والأكراد قتل فيها من الأكراد نحو خمسمائة نفس. وفيها عزمت الأرمن على نكبة اياس، فأوقع بهم أمير اياس محمد بن داود الشيباني، وقتل من الأرمن خلقاً وأسر خلقاً، وأحضرت الرؤوس والأسرى إلى حلب واقتتل سيف الدين بن فضل أمير العرب وأتباعه مع أحمد فياض من الأمراء في جمع عظيم
قرب سلمية فانكسر سيف الدين ونهبت أمواله، وجرى على المعرة وحماة وغيرهما من العرب أصحاب سيف وأحمد فياض من النهب وقطع الطرق ما لا يوصف، وكانت هذه الحرب ضربة قاضية على بادية حماة فطفق البدو ينهبون القرى، ويغيرون على حماة والمعرة ففر الفلاحون ودرست القرى. وفي هذه السنة قتل السلطان الملك المظفر أمير حاج بمصر وأقيم مكانه أخوه الناصر حسن، وكان الملك المظفر قد أهلك أخاه الأشرف كجك وفتك بالأمراء وقتل من أعيانهم نحو أربعين أميراً.
أحداث وكوائن وعصيان ومخامرات:
ومن الأحداث أن نائب الشام يلبغا اليحياوي هرب فتبعه جماعة من عسكر دمشق فتقاتل معهم فقتل. وفي مصر سنة 750 دخل جبغا نائب طرابلس مدينة دمشق في جماعة كثيرة، وكان أرغون شاه نائب الشام مقيماً بالقصر الأبلق فدخل عليه الأمير جبغا وهو نائم بين عياله وقبضه، فلما أصبح الصباح طلب جبغا القضاة والأمراء بدمشق وأخرج لهم مرسوم السلطان بالقبض على أرغون شاه فسكن ما كان بين الناس من الاضطراب، وظنوا أن ذلك صحيح فسجنه واحتاط على موجوده، ثم وجدوا أرغون شاه مذبوحاً في السجن فشاع بأن ذلك من فعل جبغا فوثب عليه عسكر دمشق وحاربوه فهرب فلم يتبعه أحد من العسكر وخافوا عقبى ذلك، وكاتب أمراء دمشق
السلطان بما وقع من جبغا فأنكر ما وقع لأرغون شاه، ورسم لأمراء دمشق أن يحاربوا جبغا فخرج عليه عسكر دمشق قاطبة، وحاربوه وهو في طرابلس فانكسر وقبضوا عليه وشنقوه. وفي سنة 754 قدمت على رواية ابن سباط مراكب الفرنج إلى صيدا فقتلوا طائفة من أهلها وأسروا جماعة وقتل منهم خلق كثير وكسر مركب من مراكبهم، فوصل الصريخ إلى دمشق، فاجتمعت العساكر من صفد ودمشق وأسرعوا إلى فك الأسرى، وأخذوا من ديوان
الأسرى ثلاثين ألفاً وأعطوا عن كل رأس خمسمائة درهم.
وإن الخلل الذي طرأ على السلطنة بمصر بعد ذهاب عظماء السلاطين من أولاد قلاوون وسرعة قتلهم واستخلاف غيرهم من المماليك، قد سرى من شرارته شيء كثير في هذه الحقبة من الزمن، ومسألة اليحياوي مع أرغون شاه مثال منها. ومن أمثلة الخلل في تلك الدولة خروج بيبغا أروس نائب حلب عن الطاعة، وكذلك بكلمش نائب طرابلس، وأحمد نائب حماة، الطنبغا برقاق نائب صفد، ولم يبق على الطاعة إلا نائب دمشق أرغون الكاملي، فأرسل يخبر السلطان في مصر بما جرى من النواب، ثم اضطر نائب الشام إلى الهرب تحت الليل هو ومماليكه وتوجه إلى غزة، ليعلم السلطان والأمراء بما جرى، والتف على بيبغا أروس العربان والعشائر مع العساكر الحلبية والشامية وكان معه نحو ستين أميراً لما فتح دمشق واستعرض العساكر بها ثم أرسل إلى نائب قلعة دمشق يطلب منه إطلاق أمير كان مسجوناً فيها فاعتذر عن ذلك إلا بمرسوم السلطان، وحصن القلعة تحصيناً عظيماً، وركب عليها المكاحل بالمدافع، وأرسل يقول لأهل المدينة: لا تفتحوا دكاناً ولا سوقاً ولا تبيعوا عسكر حلب شيئاً، فلما بلغ بيبغا ذلك اشتد به الغضب، وأمر عسكره بأن ينهبوا ضياع دمشق والبساتين ويقطعوا الأشجار، فلما سمعوا هذه المناداة ما أبقوا مكناً من الأذى والفساد، فنهبوا حتى النساء والبنات والقماش، وجرى على أهل دمشق من بيبغا ما لم يجر عليهم من عسكر غازان لما دخل دمشق.
ثم إن سلطان مصر جهز عسكراً عظيماً وجعل عليهم من أمراء الطبلخانات
والعشراوات نحو ثمانين أميراً وكان صحبته القضاة الأربعة والخليفة الإمام أحمد الحاكم بأمر الله فأمر بقتال جماعة بيبغا فانهزم هذا ولحق ببلاد التراكمة، وجيء بجماعته في القيود يرسفون.
وهذا السلطان هو الصالح صلاح الدين صالح وهو العشرون من ملوك الترك وأولادهم، والثامن من أولاد الناصر محمد بن قلاوون. ثم قتل نائب حلب بيبغا ونائب طرابلس بكلمش ونائب حماة أحمد وكانوا هربوا إلى التركمان.
وخلع السلطان على أرغون الكاملي واستقر به نائب حلب وجرد أرغون إلى قراجا بن ذي القدر أمير التركمان في مرعش وحواليها، وذنبه أنه وافق بيبغا أروس على العصيان، فلما وصل إليه أرغون هرب منه فتبعه إلى أطراف الروم فقبض عليه وأرسله إلى السلطان بمصر فسمره على جمل.
وفي سنة 760 توجه بيدمر الخوارزمي نائب حلب إلى سيس وحاصر أهلها فطلبوا منه الأمان فتسلمها وكذلك المصيصة، وفتح في تلك السنة عدة قلاع ثم رجع إلى حلب. وفي سنة 762 أظهر بيدمر الخوارزمي نائب الشام العصيان وملك قلعة دمشق وقتل نائب القلعة وقد وافقه على ذلك جماعة من النواب فاضطرب السلطان بمصر لهذه الأخبار وخرج قاصداً الشام، ولما بلغ دمشق أرسل له أماناً فقبض عليه وقيده.
وفي سنة 765 جاء الفرنج إلى قلعة اياس وحاصروها فخرج إليهم نائب حلب فلما سمعوا به رحلوا عنها ثم قصدوا نحو طرابلس وكانوا ثلاثة ملوك وهم صاحب قبرس وصاحب رودس وصاحب الاسبتار فجاءوا في مائتي مركب حربي إلى طرابلس، وكان النائب غائباً عنها فطمعوا في أخذها ثم خرج إليهم بعض عسكرها فانكسر عسكر طرابلس ودخل الفرنج المدينة ونهبوا أسواقها وقتلوا بها من المسلمين نحو ألفي إنسان فقاتل الأهلون الفرنج وكسروهم فرحلوا عن طرابلس.