الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باشا ثم تولى محمد بطال باشا وكان حدثاً جاهلاً ليست له خبرة بالمقاطعات. وقتل 1197 الوزير حسين مكي باشا والي غزة وصادرت الدولة أمواله وكان حارب بني صخر وعرب الوحيدات بعسكره فاستأصلهم.
وفي سنة 1198 تولى أحمد باشا الجزار ولاية دمشق وفي سنة 1199 وقعت فتن أيضاً بين عسكر الدولة واللبنانيين قتل فيها فريق من الطرفين. ومن جملة الفتن ما ذكروه من عصيان يوسف الجرار وتحصنه في قلعة صانور، فحاصرها الجزار بنفسه فلم يظفر بطائل فطمع أهل نابلس وأخذوا ينهبون الناس، فذهب الباشا ونهب بعض قراها وقتل أناساً كثيرين ثم حاصر صانور ثانية، وأصبحت مقاطعة نابلس في فوضى والجزار كل مرة يغزوها ويخرب في قراها ويقتل من أهلها ولم ينل أحمد الجزار من يوسف الجرار ما كان يتطال إليه حتى مات
الجرار. قال بعضهم: إن نابلس لم تبرح بعصيانها تقلق الإدارة التركية وكان العصاة فيها يعتصمون بقلعة صانور. هذا وقد تولى حلب في هذا القرن سبعون والياً قضى معظمهم أشهراً في الولاية وأكثرهم لم يتجاوز الخمس سنين وكان ولاة دمشق في هذا القرن ستة وأربعين والياً كان منها نحو خمس وأربعين سنة في حكم آل العظم.
الحكم على القرن الثاني عشر:
قرن كله ذل ومسكنة، وتقاتل وتشاحن، عرف بتغلب القيسية على اليمنية بعد وقعة عين دارة، ورجوع ابن معن إلى الإمارة في لبنان، وانقراض دولة المعنيين بموت الأخير منهم، وظهور بني شهاب حكام وادي التيم بمظهر جديد خلفوا المعنيين في لبنان، وبظهور أبناء علي الصغير في بلاد بشارة وانقراضهم كانقراض آل حمادة من شمالي لبنان، وظهور بني العظم حكاماً في الولايات الشامية وتراجع أمرهم، ثم ظهور ظاهر العمر في عكا وما إليها ودوام حكومته أربعين سنة، ثم إرسال والي مصر تجريدة بقيادة إسماعيل بك وأخرى بقيادة محمد أبي الذهب ورجوع هذا عن الديار الشامية بعد أن فتحها إلا قليلاً، واعتصام الظاهر عمر بملكة روسيا وحصار أسطول الروس بعض الساحل ولا سيما بيروت، ثم ظهور الجزار الذي قرض بيت ظاهر العمر.
والدولة قلما جهزت جيشاً خاصاً للقضاء على سلطة أحد المتغلبين اللهم إلا جيوشاً أشبه بنجدات يوم مجيء أبي الذهب لفتح الشام، واستغاثت بأبي الذهب لتنقذ الشام من ظاهر العمر فجاء بجيش من مصر، أي إن الدولة كانت تستعين بالجار على جاره وبابن العم على ابن عمه وتضعفهم جميعاً، ومعظم حملاتها كانت للانتقام ممن يتلكأ في تأدية الجباية لها، وقلما سمع بأنها نحت عاملاً كبيراً لسوء إدارته، وكثرة نهمته في جمع ثروته، والعاقل المستقيم من ولاتها لا تطول ولايته كثيراً
حتى يتمكن من إصلاح بعض الشؤون، وكان الولاة في الحقيقة يستمتعون بلا مركزية واسعة لا يحتاجون معها إلى مراجعة الآستانة في كل أمر، ولكن أين العامل النشيط فيهم الذي يعرف يدبر أمور الناس، وإذا تهيأ الرجل فلا تحدثه نفسه بذلك حتى يتهم حالا بإدارة الاستقلال ويشي فيه جيرانه والطامعون في ولايته.
أما سلاطين هذا القرن فكانوا وسطاً والوسط لا يعمل عملاً نافعاً، ولم ينشأ للسلطنة صدور عظام عرفوا بالمضاء وحب العمل أمثال أبناء كوبرلي وصوقوللي في القرن الماضي، بيد أن أعمالهم لم يصل إلى الشام منها إلا الصدى، ولم يخرج من الشام نابغة بعقله وإدارته من أرباب الإقطاعات وغيرهم كما كان في القرن المنصرم، وجل همهم مصروف إلى دفع عادية خصمائهم من أقربائهم أو غيرهم، وكانوا دون من يأتي من الآستانة من الولاة عقلاً وعدلاً، ومما ظهر في هذا القرن من النقص المحسوس قلة السكان فقلق العقلاء، وكان في حلب قبل استيلاء العثمانيين 3200 قرية يتقاضى منها الخراج فنزل عددهما إلى أربعمائة قرية حتى إن ابن معن لم يقبل أن يتولى مقاطعة بني حمادة لأنها خربت، وهام الفلاحون على وجوههم في المدن والجبال وهكذا الحال في ولاية دمشق وفلسطين. وقال فولنه: إن سكان كسروان وحده ضعفا سكان فلسطين. وهكذا كان السكان يكثرون في المقاطعات التي تتخلص مباشرة من إدارة الباب العالي مثل لبنان ووادي التيم ونابلس وعجلون، وإن لم تكن حالتها مما يستحب.
أما أعمال العمران فلم يقم فيها إلا قصور لأرباب الدولة أمثال قصر لأسعد باشا العظم في دمشق وقصره في حماه إلى غير ذلك، وقامت من المدارس مدرسة
إسماعيل باشا العظم ومدرسة سليمان باشا العظم في دمشق، وبعض مدارس في حلب، ولكن بدأ خراب المدارس القديمة العظيمة بمقياس واسع، وتداعت المساجد والجوامع، ولم يقم من المشاريع النافعة ما يستحق الذكر كأن القطر لا صاحب له
يغار عليه، فالمتغلبة من أبنائه والقادمون من الولاة عليه، لا يهتمون لمثل هذا الشأن، وسلاطينها ضعاف إن أفلح أحدهم فعمر له جامعاً ومقبرة خاصة في دار الملك عدوه محباً للعمران، متقرباً بعمله الصالح من البارئ الديان.
انتهى الجزء الثاني من خطط الشام ويليه الجزء الثالث وأوله العهد العثماني من سنة 1200.