الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعمال عسقلان ليعيد إليها الزراعة والعمران. ومن كتاب فاضلي يصف فيه بعض مدن فلسطين في الفتح الصلاحي: وهذه البلاد مدن ما كان عزم قبل منها مدنياً. وعمارات ما كان أمل إليها مفضياً. بل طال ما كان عنها مغضياً. مثل بيسان وكفربلا وزرعين وجينين كلها بلاد مشاهير لها قرى مغلة، وبساتين مظلة، وأنهار مقلة، وقلاع مطلة، وأسوار قد ضربت على جهاتها، وأحاطت بجنباتها، واتخذتها المدن سياجاً على قصباتها.
بقية الفتوح الصلاحية:
اتجهت همة صلاح الدين العالية إلى فتح ما بقي في أيدي الصليبيين من ثغور الساحل. وقصد إلى دمشق ولما اجتمعت العساكر من الأطراف سار منها فنزل على بحيرة قدس غربي حمص وأتته العساكر بها فرحل ونزل على أنطرطوس فوجد الفرنج قد أخلوها فأحرقها وأحرق البسية وهي بيعة عظيمة عندهم محجوج إليها من أقطارهم. وسار إلى مرقبة فوجدهم قد أخلوها أيضاً وسار إلى المرقب وهو للإسبتار فوجده لا يرام وتسلم جبلة وبلدة من غربي النهر على شاطئ البحر وسار إلى اللاذقية ولها قلعتان فحصر القلعتين وزحف إليهما فطلب أهلهما الأمان فأمنهم وتسلم القلعتين وعمر البلد وحصن قلعتها.
ولما كان على اللاذقية طلب مقدم أسطول صقلية من السلطان الأمان ليحضر عنده فأمنه وحضر وقبل الأرض بين يديه وقال ما معناه: إنك سلطان رحيم كريم وقد فعلت بالفرنج ما فعلت فذلوا فاتركهم يكونون مماليكك وجندك تفتح بهم الممالك وترد عليهم بلادهم، وإلا جاءك من البحر ما لا طاقة لك به، فيعظم عليك الأمر ويشتد الحال فأجابه صلاح الدين بنحو من كلامه من إظهار القوة والاستهانة بكل من يجيء من البحر وأنهم إن خرجوا أذاقهم ما أذاق أصحابهم من
القتل والأسر ورحل السلطان إلى صهيون فتسلمها بالأمان فلم يجبهم إلا على أمان أهل القدس فيما يؤدونه فأجابوه إلى ذلك وتسلم قلعة صهيون، ثم فرق عسكره في تلك الجبال فملك حصن بلاطُنُس وكان الفرنج قد أخلوه، وملك حصن العيذو وحصن الجماهيرية، ووصل إلى قلعة بكاس فأخلاها أهلها وتحصنوا بقلعة الشغر فحصرها ووجدها منيعة فضايقها فطلب أهلها الأمان، وحصر ابنه الملك الظاهر غازي قلعة سرمين وضايقها وملكها، واستنزل أهلها على قطيعة قررها عليهم وهدم
القلعة وعفى أثرها. وكان في هذه القلعة وفي الحصون المذكورة من أسرى المسلمين الجم الغفير، فأُطلقوا وأُعطوا الكسوة والنفقة، ثم سار من الشغر إلى بَرْزُيه وملكها بالسيف وسبى وأسر وقتل أهلها وأسر السلطان صاحب برزيه هو وأصحابه وامرأته وأولاده ومنهم بنت له معها زوجها فتفرقهم العسكر، فأرسل صلاح الدين في الوقت وبحث عنهم واشتراهم وجمع شمل بعضهم ببعض، فلما قارب إنطاكية أطلقهم وسيرهم إليها. وكانت امرأة صاحب برزيه أخت امرأة بيمند صاحب إنطاكية، وكانت تراسل صلاح الدين وتهاديه وتعلمه كثيراً من الأحوال التي تؤثر فأُطلق هؤلاء لأجلها.
ثم سار فنزل على جسر الحديد ومنه إلى دربساك فتسلمها بالأمان على شرط أن لا يخرج أحد منها إلا بثيابه فقط. وسار إلى بغراس وحصرها وتسلمها بالأمان على حكم أمان دربساك. وأرسل بيمند صاحب إنطاكية إلى السلطان يطلب منه الهدنة والصلح وبذل إطلاق كل أسير عنده فأجابه إلى ذلك واصطلحوا ثمانية أشهر، ثم عاد إلى دمشق فأشير عليه بتفريق العساكر ليريحوا ويستريحوا فقال السلطان: أن العمر قصير والأجل غير مأمون. وكان صلاح الدين لما سار إلى الشمال قد جعل على الكرك وغيرها من يحصرها، وخلّى أخاه العادل في تلك الجهات يباشر ذلك فأرسل أهل الكرك يطلبون الأمان فتسلمها صلاح الدين مع
الشوبك وما إليها، ثم سار السلطان إلى صفد فحصرها وضايقها وتسلمها بالأمان وشخص إلى كوكب فضايقها وتسلمها بالأمان وسير أهلها إلى صور.
ولما سقطت القدس واستولى صلاح الدين على جميع الأقاليم التي كانت بيد الفرنج ولم يبق لهم إلا يافا وصور وطرابلس تجمع أهل الأقاليم التي أخذها صلاح الدين في ثغر صور فكثر جمعهم، وأرسلوا إلى الغرب يستصرخون وصوروا صورة المسيح وصورة عربي يضربه وقد أدماه وقالوا: هذا نبي العرب يضرب المسيح. فخرجت النساء من بيوتهن. ووصل من الفرنج في البحر عالم لا يحصون كثرة، وساروا إلى عكا من صور ونازلوها وأحاطوا بسورها من البحر إلى البحر ووقعت وقائع على عكا قتل فيها من الفرنج نحو عشرة آلاف ومن المسلمين ألوف أيضا، وعاد السلطان في السنة التالية 586 إلى قتال الفرنج على عكا.