المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سلطنة المنصور قلاوون: - خطط الشام - جـ ٢

[محمد كرد علي]

فهرس الكتاب

- ‌الدولة النورية

- ‌من سنة 522 إلى سنة 569

- ‌فتنة الإسماعيلية ووقعة دمشق

- ‌دخول آل زنكي الشام:

- ‌ دمشق

- ‌استنجاد بعض الصليبيين بالمسلمين واستقرار حال

- ‌خيانة صاحب دمشق وقتل أمه له:

- ‌توحيد الحكم على يد زنكي وقضاؤه على إمارة

- ‌صليبية:

- ‌الحال بعد نصف قرن من نزول الصليبيين:

- ‌صفات عماد الدين زنكي وتولي ابنه نور الدين:

- ‌الحملة الصليبية الثانية وغزوتها دمشق:

- ‌انحلال دولة مجير الدين وتوفيق نور الدين:

- ‌مقاصد نور الدين وفتحه دمشق:

- ‌الداعي لنور الدين على فتح دمشق:

- ‌مرض نور الدين وإبلاله وتتمة فتوحه وهزيمته في

- ‌البقيعة:

- ‌حملة نور الدين على مصر:

- ‌بعض غزوات نور الدين:

- ‌قيام بني شهاب من حوران وحربهم الصليبيين:

- ‌الفتور بين نور الدين وصلاح الدين:

- ‌وفاة نور الدين وصفاته الطيبة:

- ‌الدولة الصلاحية

- ‌من سنة 569 إلى سنة 589

- ‌أولية صلاح الدين والملك الصالح:

- ‌اختلاف الآراء واستيلاء صلاح الدين على الشام:

- ‌تملك صلاح الدين ومحاولة اغتياله وسر نجاحه:

- ‌فتوح صلاح الدين ووفاة الملك الصالح:

- ‌وقعة حطين وفتح فلسطين:

- ‌فتح القدس والرملة:

- ‌بقية الفتوح الصلاحية:

- ‌الحملة الصليبية الثالثة:

- ‌مزايا صلاح الدين ووفاته:

- ‌الدولة الأيوبية

- ‌من سنة 589 إلى سنة 637

- ‌أبناء صلاح الدين واختلافهم ودهاء عمهم العادل:

- ‌استئثار العادل بالملك الصلاحي:

- ‌الأحداث في عهد العادل واهتمامه بحرب الصليبيين:

- ‌الحملة الصليبية الخامسة:

- ‌وفاة العادل:

- ‌فتح الصليبيين دمياط وذلتهم بعد العزة:

- ‌اختلاف بين أبناء العادل وتقدم الكامل عليهم:

- ‌الحملة الصليبية السادسة:

- ‌اختلافات جديدة بين آل العادل:

- ‌وفاة الملك الكامل وحال الشام بعده:

- ‌انقراض الأيوبيين وظهور دولة المماليك البحرية

- ‌وظهور التتر من سنة 637 إلى سنة 690

- ‌ظهور الخوارزمية:

- ‌اختلاف بني أيوب واعتضاد بعضهم الفرنج وعودة

- ‌الخوارزمية:

- ‌وفاة الملك الصالح ومبدأ دولة المماليك:

- ‌هولاكو التتري

- ‌مقتل المظفر قطز وسلطنة الظاهر بيبرس وأحداث:

- ‌وفاة الملك الظاهر وسلطنة ابنه الملك السعيد ثم

- ‌سلطنة المنصور قلاوون:

- ‌وفاة قلاوون وسلطنة ابنه الأشرف خليل وإثخانه في

- ‌فرنج الساحل:

- ‌الحملة الصليبية السابعة وانتهاء الحروب الصليبية:

- ‌دولة المماليك

- ‌من سنة 690 إلى 790

- ‌فتوح أرمينية وعصيان الموارنة بعوامل صليبية:

- ‌وقائع التتر:

- ‌غزوة الأرمن والكسروانيين وتزعزع السلطنة:

- ‌الغزوات في الشمال وظهور دعوة جديدة:

- ‌خلع الملك المنصور ومقتل غير واحد من اخوته

- ‌الذين خلفوه:

- ‌أحداث وكوائن وعصيان ومخامرات:

- ‌قتل الأشرف شعبان والأحداث بعده:

- ‌سلطنة برقوق وحالة المماليك البحرية والشراكسة:

- ‌وقائع تيمورلنك

- ‌من سنة 790 إلى 803

- ‌بداءة تيمورلنك ومناوشة جيشه:

- ‌القتال على الملك:

- ‌عوامل الخراب قيس ويمن:

- ‌الخوارج على ملوك مصر:

- ‌وفاة برقوق وسلطنة ابنه الناصر فرج والخوارج

- ‌على الملك:

- ‌الحرب الأولى مع تيمورلنك:

- ‌تيمورلنك على أبواب حلب:

- ‌تيمورلنك على حماة وسليمة وحمص:

- ‌تيمورلنك على دمشق:

- ‌وصف أفعال تيمورلنك في دمشق:

- ‌الخراب الأعظم وأخلاق تيمور ونجاة فلسطين منه:

- ‌عهد المماليك الأخير

- ‌من سنة 803 إلى 922

- ‌البلاد بعد الفتنة التيمورية ومخامرة العمال:

- ‌وقائع التركمان مع الناشزين على السلطان:

- ‌الملك السكير وقتله:

- ‌الخليفة السلطان وسلطنة شيخ:

- ‌هلاك المؤيد شيخ وسلطنة ابنه في القماط:

- ‌وفاة ططر وسلطنة ابنه ثم تولي الأشرف برسباي:

- ‌المنصور والأشرف والمؤيد والظاهر خشقدم

- ‌والظاهر بلباي والأشرف قايتباي:

- ‌مصائب القطر الطبيعية ثم السياسية:

- ‌وقعة مشؤومة وأحداث:

- ‌أول مناوشة مع الأتراك العثمانيين:

- ‌وفاة الأشرف قايتباي وتولي ابنه ناصر الدين محمد:

- ‌الملوك المتأخرون وآخرهم الغوري:

- ‌سلطنة طومان باي:

- ‌القضاء على مملكة ذي القدرية وطبيعة دولتي

- ‌المماليك البحرية والبرجية:

- ‌الدولة العثمانية من سنة 922هـ إلى 1000ه

- ‌حالة الشام قبيل الفتح العثماني:

- ‌مقاتل الغوري ومقدمات الفتح:

- ‌صلات العثمانيين مع المماليك ووقعة مرج دابق:

- ‌قوة الغالب والمغلوب:

- ‌دخول السلطان سليم حلب ودمشق:

- ‌مقابلة أمراء البلاد سلطانهم الجديد وتغير الأحكام:

- ‌السلطان في دمشق وفي الطريق لفتح مصر:

- ‌فتوق وغارات وتأذي السكان:

- ‌محاسن السلطان سليم ومساويه ومهلكه:

- ‌خارجي خان أولاً وثانياً:

- ‌طبيعة الدولة العثمانية:

- ‌كوائن داخلية وأمراء المقاطعات:

- ‌مهلك السلطان سليمان وتولي سليم السكّير:

- ‌عهد السلطان مراد الثالث وحملات على أرباب

- ‌الدعارة:

- ‌بنو عساف وبنو سيفا وابن فريخ وخراب البلاد:

- ‌حالة البلاد في الحكم العثماني:

- ‌العهد العثماني من سنة 1000إلى 1100

- ‌عهد محمد الثالث وأمراء الإقطاعات وفتن:

- ‌عهد أحمد الأول وفتنة ابن جانبولاذ وغيرها:

- ‌الأمير فخر الدين المعني وآل شهاب وفتن:

- ‌عهد مصطفى الأول وعثمان الثاني:

- ‌عداء على الفرنج وفتن داخلية:

- ‌حملات على الأمير فخر الدين المعني وغيره:

- ‌القضاء على الأمير فخر الدين المعني:

- ‌فتن في الساحل:

- ‌إبراهيم الأول وسفاهته:

- ‌فتنة والٍ أخرق في حلب:

- ‌محمد الرابع وصدارة كوبرلي:

- ‌عهد سليمان الثاني والحكم على الخوارج:

- ‌العهد العثماني من سنة 1100 إلى 1200

- ‌حال الشام أول القرن الثاني عشر:

- ‌دور أحمد الثاني وفتن:

- ‌دور مصطفى الثاني وانقراض دولة بني معن:

- ‌عهد أحمد الثالث وسياسة الدولة مع من ينكر الظلم

- ‌ووقعة عين دارة:

- ‌فتن ومظالم مستجدة وظهور آل العظم:

- ‌عهد محمود الأول:

- ‌فتن ومشاغب:

- ‌سيرة ظاهرة العمر الزيداني وسياسته:

- ‌حملة أبي الذهب على الشام:

- ‌عهد عبد الحميد الأول وتتمة أخبار أبي الذهب:

- ‌خاتمة ظاهر العمر وولاة حلب:

- ‌أولية الجزار:

- ‌الحكم على القرن الثاني عشر:

الفصل: ‌سلطنة المنصور قلاوون:

صاحب سيس سنقر الأشقر من التتر، وكانوا أخذوه من قلعة حلب لما ملكها هولاكو، وسلم مع ذلك بهسنى ودربساك ومرزبان ورعبان وشيح الحديد يطلق له ابنه ليفون الذي كان في أسر الملك الظاهر، فسلمه صاحب سيس البلاد خلا بهسنى ودخل صاحب سيس على أبغا ملك التتر وطلب منه سنقر الأشقر فأعطاه إياه، وتسلم الظاهر بلاطنوس من عز الدين عثمان صاحب صهيون، وأغار 668 على عكا وتسلم حصن مصياف من الإسماعيلية وفتح من حصونهم الكهف والقدموس والمنيقة والعليقة وأمّر عليهم حسن بن المشغراني، وفرض عليه أن يرفع إليه في كل عام مئة ألف درهم. ونازل السلطان 669 حصن الأكراد فملكه بالأمان وملك حصن عكار بعد حصاره له بالأمان، فتذلل له صاحب طرابلس وبذل له ما أراد وهادنه عشر سنين وتسلم حصن القرين بالأمان وهدمه. وأغارت التتر على عينتاب وعلى الرّوج وقسطون إلى قرب أفامية ثم عادوا. فاستدعى الظاهر عسكراً من مصر وتوجه بهم إلى حلب ونازل التتر على البيرة وأراد عبور الفرات إلى بر البيرة ونصبوا عليها المجانيق وضايقوها فقاتله التتر على المخاضة فاقتحم الفرات وهزم التتر فرحلوا عن البيرة. وشنّ الغارة 669 بفرقة من العسكر ومعه ولده الملك السعيد بفرقة أخرى على جبلة واللاذقية والمرقب وعرقة والقليعات وحلبا وصافيتا والمجدل وأنطرطوس. وفي سنة 673 توجه السلطان إلى ديار الأرمن ودخلها بعساكره المتوافرة وغنموا ثم عادوا إلى دمشق. وعاد التتر 674 ونازلوا البيرة فتوجه الظاهر إليهم وبلغه رحيلهم وهو بالقطيفة فأتم السير إلى حلب وعاد التتر 675 فزحفوا على الشام وخرج إليهم الظاهر وقاتلهم فكسرهم وقتل منهم خلائق وتبعهم إلى نحو الابلستين فكانت بينهما هناك وقعة قيل إنه قتل فيها من الفريقين نحو مئة ألف إنسان. ثم سار إلى قيسارية

واستولى عليها ووصل إلى عمق حارم فدمشق.

‌وفاة الملك الظاهر وسلطنة ابنه الملك السعيد ثم

‌سلطنة المنصور قلاوون:

توفي الملك الظاهر 676 بعد أن بطش البطشة الكبرى بالصليبيين في الشام، ودفع عادية المغول عنه ما أمكن، وغزا الأرمن الذين أصبحوا يبدون

ص: 114

لدولته نواجذ الشر، فخرب ديارهم وأباد خضراءهم وغضراءهم. وكان ملكاً جليلاً شجاعاً عاقلاً مهيباً وصل إلى الملك بقتل آخر ملوك بني أيوب، وما زال يتدرج في مراتب القوة حتى ملك الديار المصرية والشامية وفتح الفتوح الجليلة. أصله مملوك قبجاقي الجنس وقيل برجعلي وكان ذا همة شماء يتنقل في ممالكه فلا يكاد يشعر به عسكره إلا وهو بينهم، ولولا أنه جد في قتال الصليبيين لما كفّر عما أتاه من قتل ابن أيوب، وبنو أيوب أحبهم الناس على علاتهم لغناء أكثرهم في خدمة الملة والدولة.

ترجم سوبرنهايم في المعلمة الإسلامية للظاهر بيبرس بقوله: إنه كان السبب بتوسيد ملك الشام إلى قطز لما أبلى البلاء الحسن في وقعة عين جالوت فأقطع قطز الأمراء من بني أيوب الإقطاعات التي كانت لهم قبل غارات المغول، ولكن بيبرس الذي كان يرجو أن توسد إليه حلب مكافأة على شجاعته لم ينل شيئاً فعزم على الانتقام لنفسه من هذا الظلم، فقتل السلطان في الصيد ونادى به زعماء الجند وغيرهم سلطاناً، وكانت المملكة المصرية والشامية محاطة من كل جانب بالأعداء: في الشمال ملك أرمينية المسيحي، وفي الغرب الصليبيون ينزلون على جميع شاطيء الشام، وفي الداخل الحشيشية الإسماعيلية الأشداء، ومن الشرق المغول الطامعون في الغنائم والانتقام، وفي جنوبي مصر أهل النوبة المجاربون،

وفي الغرب البربر الصعب قيادهم، وكان يخشى أن ينجم له ناجم في الداخل من بني أيوب ويسمو إلى السلطنة، فيجد على دعوته أنصاراً على أيسر وجه، فرأى أن يبايع لأحد ذرية بني العباس بالخلافة بعد أن قرضها المغول من بغداد، فتوفق إلى ذلك وبايع له في مصر، لأن من مصلحته أن يظهر أمام العالم الإسلامي بأنه حامي الخلافة، وبذلك أصبح له نفوذ على حكومات مكة والمدينة، وعرف كيف يداري معظم أمراء الفرنج الشرقيين.

هادن الظاهر الاسبتار بحصن الأكراد والمرقب سنة خمس وستين وستمائة لمدة عشر سنين متوالية وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات على أن يكون النصف من غلات قرى جميع المملكة الحمصية والشيزرية والحموية وبلاد الدعوة للملك الظاهر، والنصف لبيت الاسبتار. واستقرت الهدنة بين الملك الظاهر بيبرس أيضاً وبين ملكة بيروت في سنة سبع وستين وستمائة

ص: 115

حين كانت بيدها لمدة عشر سنين متوالية على أن يكون جميع المترددين من بلاد الملكة إلى بلاد الظاهر وبالعكس آمنين مطمئنين على نفوسهم وأموالهم وبضائعهم براً وبحراً ليلاً ونهاراً، وعلى أن الملكة لا تمكن أحداً من الفرنج على اختلافهم من قصد مملكة السلطان من جهة بيروت وما إليها، وتمنع من ذلك وتدفع كل متطرق بسوء وتكون الأقاليم من الجهتين محفوظة من المتجرمين المفسدين. وعقدت هدنة بين الظاهر وولده الملك السعيد وبين الفرنج الاسبتارية على قلعة لدّ في سنة تسع وستين وستمائة على أن تكون قلعة لدّ والجهات المذكورة إلى آخر الزائد للملك الظاهر ولا يكون لبيت الاسبتار ولا لأحد من الفرنجة فيها تعلق ولا طلب بوجه ولا سبب.

وعقد محالفات مع الملك مانفريد دي هوهانستوفن، ثم عقد محالفة مع شارل دانجو وجاك داراغون والفونس دي كاستيل، وعقد معاهدة مع ميشل باليولوغ الرومي الذي طرد الصليبيين، وكانت له صلات حسنة مع ملوك السلاجقة في

آسيا الصغرى ومع صاحب اليمن. ثم إن الظاهر رأى في الصليبيين أشد الأعداء خطراً على المملكة واستفاد من تفرق كلمتهم وكان المدد الذي يأتيهم من أوروبا قد ضعف، وكان في موت شارل التاسع إنقاذ بيبرس من أعظم خصومه من الفرنج، وهكذا فإن الظاهر ظلّ ظافراً بجميع أعدائه، ولم يتوقف عن شيء لبلوغ غايته، وكثيراً ما كان يعد وعوداً كاذبة ويكتب كتباً مزورة ليحمل فيها قواد الحصون على الاستسلام له، وكان نجاحه مناط قريحته في التنظيم وسرعته وشجاعته المتناهية، وكان البريد يدور ويروح في المملكة بسرعة حتى ليصل الخبر من مصر للشام في ثلاثة أيام وكان أسعد سلطاناً من سلاطين المماليك وأقدرهم. وروى شمس الدين سامي أن السلطنة الإسلامية صارت ذات بهاء في أيامه وأنه مات مسموماً بدمشق.

كان الظاهر قد حلف العسكر لولده بركة بن بيبرس ولقبه الملك السعيد وجعله ولي عهده إلا أنه خبط وخلط وأراد تقديم الأصاغر على الأمراء الأكابر ففسدت نيات الكبار عليه وقرروا خلعه من السلطنة، بعد أن دخل سيس 677 وشن الغارة عليها وغنم، فحصره العسكر في قلعة الجبل بالقاهرة فخلع نفسه على أن يعطى الكرك فأجابوه إلى ذلك فلحق بها وهلك بعد قليل.

ص: 116

واتفق الأمراء لما خلع الملك السعيد نفسه على إقامة بدر الدين سلامش ابن الظاهر بيبرس في المملكة، ولقبوه العادل، وعمره إذ ذاك سبع سنين وشهور، ثم خلعوه وأجلسوا على تخت السلطنة الملك المنصور قلاوون الصالحي. ولما اضطرب أمر المملكة استأثر بالشام سنقر الأشقر الذي كان الظاهر اشترط على صاحب سيس أن يتوسط لدى ملك التتر لإطلاقه من الأسر ففعل، ونسي سنقر هذه اليد للظاهر، وجلس على سرير السلطنة بدمشق وحلف له الأمراء والعسكر وتلقب بالملك الكامل شمس الدين سنقر، فجهز المنصور قلاوون عساكر الديار المصرية مع علم

الدين سنجر، فبرز سنقر بعساكر الشام إلى ظاهر دمشق، والتقى الفريقان فولى الشاميون وسنقر منهزمين، فجعل الأمير لاجين المنصوري نائب السلطنة بالشام، وهرب سنقر الأشقر إلى الرحبة وكاتب أبغا بن هولاكو ملك التتر وأطمعه في هذه الديار، وكان عيسى بن مهنا ملك العرب في الشام مع سنقر الأشقر وقاتل معه وكتب بذلك إلى أبغا أيضاً، موافقةً له، ثم سار سنقر الأشقر من الرحبة إلى صهيون واستولى عليها وعلى برزيه وبلاطنس والشغر وبكاس وعكار وشيرز وأفامية وصارت هذه القلاع له.

وأحرق 677 عسكر الشام عمالة الغرب وجبيل وبيروت وذلك أن قطب الدين السعد بعد أن استقطع قرية كفر عمية من أمراء الغرب آل تنوخ وجد فيها ذات يوم مقتولاً فاتهم بقتله نجم الدين بن جحى وكان أبوه وذو قرابته معتقلين في مصر فتوجهت اليه العساكر والعشران من ولاية بعلبك والبقاع وصيدا وبيروت وأحرقت قراه، وتفرق التنوخيون أيدي سبا إلى أن أمنهم الملك فرجعوا إلى مساقط رؤوسهم.

وجاء التتر إلى حلب 679 فعاثوا وقتلوا من كان بظاهرها وملكوا ضياعها ونهبوا وسبوا وأحرقوا الجامع والمدارس المعتبرة ودور السلطنة والأمراء وأقاموا بها يومين وعادوا من حيث أتوا، فهب الملك المنصور قلاوون إلى غزة لدفعهم فرحلوا قبل أن يوافيهم، قال ابن أبي الحديد: وكانت للتتر نهضات وسرايا كثيرة إلى الشام، قتلوا ونهبوا وسبوا فيها حتى انتهت خيولهم إلى حلب، فأوقعوا بها وصانعهم عنها أهلها وسلطانها، ثم عمدوا إلى بلاد كي خسرو صاحب الروم فجمع لهم هذا قضه وقضيضه وجيشه ولفيفه،

ص: 117

واستكثر من الأكراد العتمرية من عساكر الشام وجند حلب فيقال إنه اجتمع مائة ألف فارس وراجل فلقيه التتر في عشرين ألفاً، فجرت بينه وبينهم حروب شديدة قتلوا فيها مقدمته، وكانت المقدمة

كلها أو أكثرها من رجال حلب وهم أنجاد أبطال فقتلوا عن آخرهم وانكسر العسكر الرومي، وهرب صاحب الروم حتى انتهى إلى قلعة له على البحر تعرف بإنطاكية فاعتصم بها، وتمزقت جموعه وقتل منهم عدد لا يحصى.

واستأذن نائب السلطنة بحصن الأكراد في الإغارة على المرقب لما اعتمد أهله من الفساد عند وصول التتر إلى حلب فأذن له السلطان في ذلك، فجمع عساكر الحصون فاتفق هروب المسلمين ونزول الفرنج من المرقب فقتلوا من المسلمين جماعة. وترددت الرسل بين السلطان وسنقر الأشقر، واحتاج السلطان لمصالحته لقوة التتر وتفادياً من الاشتغال بالعدو الداخلي والعدو الخارجي، ووقع بينهما الصلح على أن يسلم سنقر قلعة شيزر إلى السلطان ويتسلم سنقر الشغر وبكاس، وكانتا قد ارتجعتا منه وحلفا على ذلك واستقر الصلح بينهما، كما استقر الصلح بين المنصور قلاوون وبين خضر بن الظاهر بيبرس صاحب الكرك.

وبعد أن استقر الصلح بين الأميرين المتوثبين على السلطنة كان المصاف العظيم 680 بين المسلمين وبين التتر بظاهر حمص، فجمع قلاوون العساكر من مصر والشام ومن جملتهم عسكر سنقر الأشقر، وجاء الأمراء كلهم في جيوشهم، وكان التتر في ثمانين ألف فارس وفي رواية مائة ألف منهم خمسون ألفاً من المغول والباقي حشود وجموع من أجناس مختلفة مثل الكرج والأرمن والعجم وغيرهم، والمسلمون في خمسين ألفاً فانهزم التتر وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون. وعقد قلاوون هدنة مع المقدم افرتر كليام ديباجون مقدم بيت الداوية بعكا والساحل وبين جميع الإخوة الداوية بأنطرطوس لمدة عشر سنين، لا ينال بلاده ولا بلاد ولده ولا حصونهما ولا قلاعهما ولا ضياعهما ولا عساكرهما ولا عربهما ولا تركمانهما ولا أكرادهما ولا رعاياهما على اختلاف الأجناس ضر ولا سوء ولا غارة ولا تعرض ولا أذية.

وسارت العساكر الإسلامية إلى فتح جبهة بشري 681 وحاصروا إهدن

ص: 118

حصاراً شديداً وبعد أربعين يوماً ملكوها فنهبوا وقتلوا وسبوا وهدموا القلعة التي في وسط القرية والحصن الذي على رأس الجبل، وفتحوا بقوفا وقضوا على أكابرها وهدموها وضربوا حصرون وكفر حارون وخربوا حدث البشري وبنوا برجاً قبالة المغارة ووضعوا فيه عسكراً يكمنون للعصاة وهدموا جميع الأماكن العاصية وملكوا قلعة حوفا بتسليط الماء عليها من فوقها فملكوها بقوة الماء لأنها داخلة الشير. وتوجهت العساكر أيضاً إلى أرض الأرمن فخربت فيها وسبت عقوبة لهم عمّا أتوه من معاونة المغول على المسلمين.

وقصد المغول دمشق في سنة 683 ثم ذهبوا إلى وادي التيم فأحرقوها وسبوا أهلها وقتلوا منهم سبعمائة نفس وملكوها وفتح السلطان حصن المرقب 684 بعد أن نقب جنده حصنها بسرعة، وكان هذا الحصن للاسبتار فنزل أهله بالأمان. في هذه السنة عقد الملك المنصور وولي عهده الملك الصالح وولده الأشرف صلاح الدين هدنة مع دام مرغريت بنت سير هنري ابن الابرنسي مالكة صور جاء في كتابها وليس للفرنج أن يجددوا في غير عكا، وعثليث وصيدا مما هو خارج عن الأسوار في هذه الجهات الثلاث سوراً لا قلعة ولا برجاً ولا حصناً قديماً ولا مستجداً، وعلى أن شواني مولانا السلطان وشواني ولده إذا عمرت وخرجت لا تتعرض بأذية إلى البلاد الساحلية التي انعقدت الهدنة عليها، وإذا قصدت الشواني المذكورة جهة غير هذه الجهات وكان صاحب تلك الجهة معاهداً للحكام بمملكة عكا فلا تدخل إلى البلاد التي انعقدت عليها الهدنة ولا تتزود منها، وإن لم يكن صاحب تلك الجهة التي تقصدها الشواني معاهداً للحكام بمملكة عكا فلها أن تدخل إلى بلادها وتتزود منها، وإن انكسر شيء من هذه الشواني والعياذ بالله في مينا من المواني التي انعقدت الهدنة عليها وسواحلها فإن كانت قاصدة إلى من له مع

مملكة عكا أو مع من له عهد فيلزم كفيل المملكة بعكا ومقدمي البيوت بحفظها وتمكين رجالها من الزوادة وإصلاح ما انكسر منها والعود إلى بلاد إسلامية ويبطل حركة ما انكسر منها أو يرميه في البحر، فإن لم يكن للذي تقصده الشواني معهم عهد وانكسرت فلها أن تتزود وتعمر رجالها من البلاد المنعقدة عليها الهدنة وتتوجه إلى الجهة المرسوم بقصدها ويعتمد هذا الفصل من الجهتين. وفتح

ص: 119

حصن الكرك 685 بالأمان وجهز عسكراً كثيفاً من العساكر المصرية والشامية إلى قلعة صهيون فتسلمها من سنقر الأشقر بالأمان. ثم سار جيش السلطان إلى اللاذقية، وكان بها برج للفرنج يحيط به البحر من جميع جهاته، فركب طريقاً إليها في البحر بالحجارة وحاصروا البرج وتسلموه بالأمان وهدموه وفتح طرابلس 688، وكان البحر يحيط بغالب أطراف هذه المدينة ولا تقاتل إلا من جهة الشرق، ولما نازلها نصب عدة منجنيقات كبيرة وصغيرة وألح عليها بالحصار ففتحها بالسيف، ودخلها العسكر عنوةً بعد حصار 33 يوماً، فهرب أهلها إلى المينا وركبوا في المراكب وقتل غالب رجالها وسبيت ذراريهم، وغنم منهم المسلمون غنيمة عظيمة، وأمر السلطان فهدمت طرابلس ودكت إلى الأرض. وكان في البحر قريباً من طرابلس جزيرة وفيها كنيسة تسمى كنيسة سنطماس وبينها وبين طرابلس المينا، فلما أخذت طرابلس هرب إلى الجزيرة المذكورة وإلى الكنيسة التي فيها عالم عظيم من الفرنج والنساء، فاقتحم العسكر الإسلامي البحر وعبروا بخيولهم سباحة إلى الجزيرة، فقتلوا جميع من فيها من الرجال وغنموا من بها من النساء والصغار - نقلت معظم هذا من تاريخ أبي الفداء، ويقول ميشو: إن المسلمين لما استعادوا طرابلس أهلكوا ساكنيها من الصليبيين إلا قليلاً وأمر السلطان بإحراق المدينة وهدمها وكان فيها مصادر الثروة والرخاء وكل ما يزهو به السلام ويستخدم في الدفاع زمن الحرب فخرب كل ذلك تحت الفأس والمطرقة قال: لما

أنزل الصليبيون عسكرهم على سواحل الشام سنة 1366م واستولوا على طرابلس أوقدوا النار فيها وكان حظ طرطوس واللاذقية وعدة مدن فينيقية مثل ذلك.

ولما فتحت طرابلس كتب محيي الدين بن عبد الظاهر كتاباً يصف هذا الفتح قال فيه: إن الحصار استمر من مستهل ربيع الأول إلى يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر فزحف عليها في بكرة ذلك النهار زحفاً يقتحم كل هضبة ووهدة، وكل صلبة وصلدة، وطلعت سناجق الإسلام الصفر على أسوارها. وكان أخذها من مائة سنة وثمانين سنة في يوم الثلاثاء واستردت في يوم الثلاثاء وفي رسالة أخرى أنها قامت بيد الإفرنج مائة سنة وستاً وثمانين سنة.

ص: 120