الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بناها الكامل، وأشتد القتال بين الفريقين براً وبحراً وكتب الكامل إلى اخوته وأهل بيته يستحثهم على إنجاده فسار المعظم عيسى صاحب دمشق والأشرف صاحب الولايات الشرقية وأصحاب حلب وحماة وبعلبك وحمص فوصلوا القطر المصري والقتال مشتد بين المسلمين والفرنج، ورسل الكامل وأخويه مترددة إلى الفرنج في الصلح وقد بذل المسلمون لهم تسليم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة
وجميع ما فتحه صلاح الدين من الساحل ما عدا الكرك والشوبك، على أن يجيبوا إلى الصلح ويسلموا دمياط إلى المسلمين، فلم يرض الفرنج بذلك وطلبوا ثلاثمائة ألف دينار عوضاً عن تخريب أسوار القدس، وقالوا لا بد من تسليم الكرك والشوبك.
وبينا الأمر متردد في الصلح عبر جماعة من عسكر المسلمين في بحر المحلة إلى الأرض التي عليها الفرنج من بر دمياط ففجروا فجرة عظيمة من بحر النيل، وكان ذلك في قوة زيادته، فركب الماء تلك الأرض وصار حائلاً بين الفرنج وبين دمياط، وانقطعت عنهم الميرة والمدد فبعثوا يطلبون الأمان على أن ينزلوا عن جميع ما بذله المسلمون لهم ويسلموا دمياط ويعقدوا الصلح. فنجت الشام ومصر من الفرنج في هذه النوبة بفضل فرجة من النيل دهمتهم ولم يكونوا من المعرفة بحيث يقدرون منازلهم، ومُنازلهم، فخابت آمالهم وخذلتهم قوتهم وتحكم فيها من كانوا يستطيلون عليهم ويشتطون في مطالبتهم وكانت مدة إقامتهم في ديار الإسلام ما بين الشام والديار المصرية أربعين شهراً وأربعة عشر يوماً.
ولما انكسر الفرنج على دمياط دخل الناس كما قال ابن أبي شامة كنيسة مريم بدمشق بفرحة وسرور ومعهم المغاني والمطربون فرحاً بما جرى وهموا بهدم الكنيسة قال: وبلغني أن النصارى ببعلبك سودوا وسخموا وجوه الصور في كنيستهم حزناً على ما جرى على الفرنج فعلم بهم الوالي وأمر اليهود بصفعهم وضربهم وإهانتهم.
اختلاف بين أبناء العادل وتقدم الكامل عليهم:
وقصد المعظم عيسى حماة، لأن الناصر صاحبها كان قد التزم له بمال يحمله إليه إذا ملك جماة فلم يف، ونزل بعرين وغلقت أبواب حماة فجرى بينهما قتال قليل. ثم ارتحل المعظم إلى سلمية فاستولى على حواصلها
وولى عليها، ثم توجه إلى
المعرة فاستولى عليها. وبلغ الأشرف ما فعله أخوه المعظم بصاحب حماة فعظم عليه ذلك، واتفق مع أخيه الكامل على الإنكار على المعظم وترحيله فأرسل إليه الكامل ناصح الدين الفارسي فوصل إلى المعظم وهو بسلمية وقال له: السلطان يأمرك بالرحيل فقال: السمع والطاعة، وكانت أطماعه قد قويت في الاستيلاء على حماة فرحل عنها مغضباً، وتسلم المظفر سلمية من أخيه الناصر، واستقر بيد هذا حماة والمعرة وبعرين، ثم سار الأشرف من مصر واستصحب معه خلعة وسناجق سلطانية من أخيه الكامل العزيز صاحب حلب وعمره عشر سنين، ووصل الأشرف بذلك إلى حلب وأركب العزيز في دست السلطنة، ولما وصل الأشرف بالخلعة إلى حلب اتفق مع كبراء الدولة الحلبية على تخريب قلعة اللاذقية فأرسلوا عسكراً وهدموها إلى الأرض.
كان الأشرف أنعم على أخيه المظفر غازي بخلاط الأرمنية وهي مملكة عظيمة، وكان قد حصل بين المعظم عيسى صاحب دمشق وبين أخويه الكامل والأشرف وحشة بسبب ترحيله عن حماة، فأرسل المعظم وحسّن لأخيه المظفر غازي صاحب خلاط العصيان على أخيه الأشرف، فأجاب المظفر إلى ذلك وخالف أخاه الأشرف، وكان قد اتفق مع المعظم والمظفر غازي صاحب إربل مظفر الدين كوكبوري فسار مظفر الدين وحصر الموصل عشرة أيام ليشغل الأشرف عن قصد أخيه بخلاط، ثم رحل مظفر الدين عن الموصل لحصانتها وسار الأشرف إلى خلاط وحصر أخاه شهاب الدين غازي فسلمت إليه مدينة خلاط، وانحصر أخوه غازي بقلعتها إلى الليل فنزل من القلعة إلى أخيه الأشرف واعتذر إليه فقبل عذره وعفا عنه وأقره على ميافارقين وارتجع باقي الإمارات منه.
وذكر أبو شامة في حوادث سنة 620 أن الأشرف بن العادل عاد من مصر إلى الشام قاصداً بلاده بالشرق، فالتقاه أخوه المعظم ملك الشام وعرض عليه النزول
بالقلعة فامتنع. وبعد أن ذكر كيف عصا أخوه عليه في خلاط قال: إنه كتب إلى أخيه شهاب الدين غازي يطلبه فامتنع من المجيء إليه فكتب إليه: يا أخي لا تفعل أنت ولي عهدي والبلاد والخزائن بحكمك فلا تخرب بيتك بيدك وتسمع كلام الأعداء فوالله ما ينفعوك، فأظهر العصيان فجمع الأشرف
عساكر الشرق وحلب وتجهز للمسير إلى خلاط، وكان صاحب حمص قد مال إلى الأشرف فسار المعظم إلى حمص ووصل إلى حماة ونزل على بعرين وعاد إلى حمص وخرج إليه العسكر فظهروا عليه ونهبوا أصحابه فعاد إلى دمشق ولم يظفر بطائل.
وفي سنة 622 توفي الملك الأفضل نور الدين علي بن صلاح الدين يوسف وليس بيده غير سميساط، وكان حسن السيرة وتجمعت فيه الفضائل والأخلاق الحسنة وكان مع ذلك قليل الحظ وله شعر جيد.
وفي سنة 622 كان بأيدي الإسماعيلية ثمان قلاع وهي قلعة الكهف والعليقة والقدموس والخوابي والمينقة والمصياف والرصافة والقليعة فإن ابن صباح لم يمت حتى ملك جبل عاملة وتلك الحصون. قال ابن ميسر: إن الذين بالشام منهم يقال لهم الحشيشية، ومن كان بألموت يقال لهم الباطنية والملاحدة، ومن كان بخراسان يقال لهم التعليمية وكلهم إسماعيلية.
وفي سنة 623 سار المعظم عيسى بن العادل ونازل حمص وكان قد اتفق مع جلال الدين بن خوارزم شاه ببلاده الشرقية، ثم رحل المعظم عن حمص إلى دمشق، وورد عليه أخوه الأشرف طلباً للصلح وقطعاً للفتن، فبقي مكرماً ظاهراً وهو في الباطن كالأسير معه، ولما رأى الأشرف حاله مع أخيه المظفر وأنه لا خلاص له منه إلا بإجابته إلى ما يريد إجابة 624 كالمكره إلى ما طلبه منه وحلف له أن يعاضده ويكون معه على أخيهما الكامل، وأن يكون معه على صاحبي حماة وحمص، فلما حلف له على ذلك أطلقه المعظم. قال ابن الأثير: إن
اتفاق الملوك أولاد الملك العادل أبي بكر بن أيوب كان سبباً لحفظ بلاد الإسلام وسر الناس أجمعون بذلك. وفي سنة 624 قدم رسول الأنبرور ملك الفرنج البحرية على المعظم بدمشق بعد اجتماعه بالكامل، يطلب منه الإمارات التي كان فتحها عمه صلاح الدين، فأغلظ له وقال: قل لصاحبك ما أنا مثل العزيز ما له عندي إلا السيف.
ولما استقرّ الأشرف بأرضه رجع عن جميع ما تقرر بينه وبين أخيه المعظم، وتأول في أيمانه التي حلفها أنه مكره، ولما تحقق الكامل صاحب مصر اعتضاد أخيه المعظم بجلال الدين خاف من ذلك، وكاتب الأنبرور ملك الفرنج
في أن يقدم إلى عكا ليشغل أخاه المعظم عما هو فيه، ووعد الأنبرور أن يعطيه القدس، فسار الأنبرور إلى عكا فبلغ المعظم ذلك فكاتب أخاد الأشرف واستعطفه.
قال ابن الأثير: إن الكامل لما سار من مصر إلى دمشق خاف المعظم أن يأخذ دمشق منه، فأرسل إلى أخيه الأشرف يستنجده فسار إليه جريدة فدخل دمشق، فلما سمع الكامل بذلك لم يتقدم إليه لأن البلد منيع وقد صار به من يمنعه ويحميه، وأرسل إليه الأشرف يستعطفه ويعرفه أنه ما جاء إلى دمشق إلا طاعة وموافقة لأغراضه والاتفاق معه على قتال الفرنج فأعاد الكامل الجواب يقول: إنني ما جئت إلى هذه البلاد إلا بسبب الفرنج فإنهم لم يكن في البلاد من يمنعهم عما يريدونه، وقد عمروا صيدا وبعض قيسارية ولم يمنعوا، وأنت تعلم أن عمنا السلطان صلاح الدين فتح بيت المقدس فصار لنا بذلك الذكر الجميل على تقضي الأعصار وممر الأيام فإن أخذه الفرنج حصل لنا من سوء الذكر وقبح الأحدوثة ما يناقض ذلك الذكر الجميل الذي أدخره عمنا، وأي وجه يبقى لنا عند الناس وعند الله تعالى، ثم ما يقنعون حينئذ بما أخذوه ويتعدون إلى غيره، وحيث قد حضرت أنت فأنا أعود إلى مصر واحفظ أنت البلاد، ولست بالذي يقال عني أني
قاتلت أخي أو حصرته حاشا لله تعالى، وتأخر عن نابلس إلى الديار المصرية.
وانتزع هذه السنة الأتابك طغريل الشغر وبكاس من الصالح أحمد بن الملك الظاهر، وعوضه عنها بعينتاب والراوندان وفيها توفي المعظم عيسى ابن العادل، وكان شجاعاً عالماً وعسكره في غاية التجمل، يجامل أخاه الكامل ويخطب له ولا يذكر اسمه معه ولا يحب التكلف والعظمة. ذكر سبط ابن الجوزي أن المعظم كان في أيام الفتح من الفرنج يرتب النيران على الجبال من باب نابلس إلى عكا وعلى عكا جبل قريب منها يقال له الكرمل كان عليه المنورون وبينهم وبين الجواسيس علامات، وكان له في عكا أصحاب أخبار وأكثرهم نساء الخيالة فكانت طاقاتهم في قبالة الكرمل، فإذا عزم الفرنج على الغارة فتحت المرأة الطاقة، فإن كان يخرج مائة فارس أوقدت المرأة شمعة واحدة، وإن كانوا مائتين شمعتين، وإن كانوا يريدون قصد