الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الهواء مثل ذلك، وجعلوا الوجوه فيها بارزة تسفو عليها الرياح، وتركوا أجساد القتلى في الفلاة تنهشها الكلاب والوحوش. فكان عدة من قتل في هذه الواقعة من أهل حلب من صغار وكبار ونساء ورجال نحواً من عشرين ألف إنسان، عدا من هلك من الناس تحت أرجل الخيول عند اقتحام أبواب
المدينة وقت الهزيمة وهلك من الجوع والعطش أكثر من ذلك - هذا ما قاله ابن تغري بردي وابن حجر وابن إياس -. وقال ابن حجر: إن أعظم الأسباب في خذلان العسكر الإسلامي ما كان دمرداش نائب حلب اعتمده من إلقاء الفتنة بين التركمان والعرب حتى أعانه بعض التركمان على أموال نعير فنهبها فغضب نعير من ذلك وسار قبل حضور تيمورلنك فلم يحضر الوقعة أحد من العرب. وقال بعضهم: إن دمرداش كان باطن تيمور لكثرة ما كان تيمورلنك خدعه ومناه.
تيمورلنك على حماة وسليمة وحمص:
ووصل تيمورلنك إلى حماة وسليمة فأرسل جماعة من عسكره إلى نحو طرابلس فتاهوا عن الطريق فدخلوا في وادٍ بين جبلين فوثب عليهم جماعة من عربان جبل نابلس فقتلوا منهم جماعة كثيرة بالنشاب والحجارة فولوا مدبرين. وذكروا أن ابن رمضان أمير التركمان جمع عساكره وجاء حلب بعد رحيل تيمورلنك وطرد من بها من عساكره بحلب. وفعل تيمورلنك بأهل حماة كما فعل بأهل حلب من القتل والنهب وأحرق معظمها، ولم تطل يده إلى حمص فوهبها كما قال لخالد بن الوليد. قال ابن حجر: وذكر بعض من يوثق به أنه قرأ في الحائط القبلي بالجامع الأموي النوري بحماة منقوشاً على رخامة بالفارسي ما نصه: إن الله يسر لنا فتح البلاد والممالك حتى انتهى استخلاصنا إلى بغداد، فحاورنا سلطان مصر والشام فراسلناه لتتم المودة فقتلوا رسلنا، فظفرت طائفة من التركمان بجماعة من أصلنا فسجنوهم، فتوجهنا لاستخلاص قريبنا من أيدي مخالفينا واتفق في ذلك نزولنا بحماة في العشرين من شهر ربيع الآخرة.
تيمورلنك على دمشق:
وجاء تيمورلنك دمشق فنزل عند سفح جبل الثلج الشيخ في قطنا وإقليم البلان
ميسنون وقوي عزمه على فتح دمشق لما بلغه أن الملك فر منها إلى مصر، فأرسل تيمورلنك إلى نائب دمشق رسولاً من قبله فقتله قبل أن يسمع كلامه. جرى في ذلك على ما جرى عليه نائب حلب فزاد تيمورلنك حنقاً. ومن الغريب أن نائبي حلب ودمشق لم يقدرا قوة تيمورلنك حق قدرها وهي منهما على قيد غلوة وظنا أنهما باعتصامهما في قلعتي المدينة، وبالقليل ممن عندهما من العسكر وأحداث البلدين يستطيعان أن يتغلبا على جيوش تيمورلنك المؤلفة كما قال عربشاه: من رجال توران، وأبطال إيران، ونمور تركستان، وفهود بلخشان،
وصقور الدشت والخطا، ونسور المغول وكواسر الجتا، وأفاعي خجند، وثعابين أبدكان، وهوام خوارزم، وجوارح جرجان، وعقبان صغانيان، وضواري حصار شادمان، وفوارس فارس، وأسود خراسان، وضباع الجبل، وليوث مازندران، وسباع الجبال وتماسيح رستمدار وطالقان، وأهل قبائل خوز وكرمان، وطلس أرباب طيالس أصبهان، وذئاب الري وغزنة وهمدان، وأفيال الهند والسند وملتان، وكباش ولايات اللور وتيران، وشواهق الغور، وعقارب شهرزور، وحشرات عسكر مكرم وجندي سابور.
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
…
طاروا إليه زرافات ووحدانا
مع ما أضيف إليهم من أعيار الخدم، وفواعل التراكمة والأوباش والحشم، وكلاب النهاب من رعاع العرب وهمج العجم، وحثالة عباد الإنسان، وأنجاس مجوس الأمم، ما لا يكتنفه ديوان، ولا يحيط به دفتر حسبان اه.
غلطة ارتكبها نائب دمشق المغرور بقوة سلطانه ومن معه من المتعصبة والمتلصصة وأرباب الدعارة من الشطار والأحداث الأغيار، قضت على أعظم مدينة في الأرض كانت في غابر الأيام. كان بين أهل دمشق وبين عسكر تيمورلنك في أول يوم واقعة فقتل من عسكر تيمورلنك نحو ألفي إنسان، فأرسل يطلب من أعيان دمشق رجلاً من عقلائهم، يمشي بينه وبين أهل دمشق في الصلح، فلما أتى قاصد تيمورلنك بهذه الرسالة اشتور أهل دمشق فيمن يرسلونه فوقع الاختيار أن يرسلوا القاضي تقي الدين بن مفلح الحنبلي، فإنه كان إنساناً طلق اللسان يعرف بالتركي وباللسان العجمي، فأرخوه من أعلى السور بسرياق ضخم، ومعه خمسة أنفس من أعيان دمشق، فغاب عند