الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي سنة 561 فتح نور الدين حصن المنيطرة وخرب قلعة اكاف في البرية وفتح العريمة وصافيتا وحاصر حلبة وخربها وحاصر عرقة وعصا عليه غازي بن حسان صاحب منبج فأعطاه الرقة. واجتمع بأخويه 562 قطب الدين وزين الدين بحماة للغزاة وساروا إلى بلاد الفرنج فخربوا هونين. وفي سنة 565 سارت الفرنج إلى دمياط وحصروها خمسين يوماً وشحنها صلاح الدين بالرجال والسلاح والذخائر وغرم على ذلك أموالاً عظيمة، وخرج نور الدين فأغار على كورهم بالشام فرحلوا عائدين على أعقابهم ولم يظفروا بشيء منها. وفيها سار نور الدين إلى الكرك وحاصرها فجمع ملوك الساحل فجاءوه فتأخر إلى البلقاء وقال بعضهم: إن الفرنج أغاروا على حوران وهم في جمع غلبت كثرته الخبر والعيان، ونزلوا في قرية شمسكين فركب نور الدين وهو نازل بالكسوة ثم نزلوا بالشلالة ونزل نور الدين في عشترا. وبينا هو في البلقاء حدثت زلزلة هائلة في الشام فخربت معظم أسوار الحصون ففرق عساكره في القلاع خوفاً عليها من العدو وكانت قلاعهم المجاورة لبعرين ولحصن الأكراد وصافيتا وعريمة وعرقة في
بحر من الزلازل غرقى ولا سيما حصن الأكراد، فإنه لم يبق له سور وأغارت سرية لنور الدين 565 في بعلبك فانهزم الفرنج وعمهم القتل والأسر لم يفلت منهم إلا من لا يعتد به وقتل فيمن قتل رأس مقدم الاسبتار صاحب حصن الأكراد وكان من الشجاعة بمحل كبير وشجىً في حلوق المسلمين.
وغزا نور الدين 566 الفرنج قرب عسقلان وعاد إلى مصر ثم حصر أيلة في العقبة المصرية بحراً وبراً وفتحها. وغزا عرقة 567 وفتحها وغنم الناس غنيمة عظيمة. واستولى نور الدين على صافيتا وعريمة عنوة، وقارب طرابلس وهو ينهب ويخرب ويحرق ويقتل وفعل جيشه في أرجاء إنطاكية مثل ذلك، فراجعه الفرنج وبذلوا له جميع ما أخذوه من المركبين اللذين خرجا هذه السنة من مصر إلى اللاذقية وأخذهما الفرنج وهما مملوءان من الأمتعة والتجارة، وكان بينهم وبين نور الدين هدنة فنكثوا وغدروا فلما خربت عمالتهم أذعنوا.
قيام بني شهاب من حوران وحربهم الصليبيين:
وفي سنة 568 كان قيام آل شهاب من حوران إلى وادي التيم قال الشهابي:
وكان الكبير منهم في ذلك الوقت الأمير منقذ، ولما عزموا على القيام جمع الأمير منقذ الأمراء من بيت شهاب ووجره القبيلة وقال لهم: أنتم تفهمون النفور الكائن بين السلطان نور الدين سلطان الديار الشامية والحلبية والسلطان صلاح الدين سلطان الديار المصرية ولا بد أن السلطان نور الدين يتمم ما ينويه وقد دس العساكر في حوران وتعلمون ما لنا عند السلطان صلاح الدين من المحبة والمنزلة الرفيعة وأنا أرى أنه يلزم علينا القيام من حوران قبل ظهور حال من تلك الأحوال، فلما سمع الحاضرون ما قاله الأمير منقذ قالوا له: هذا هو الصواب وليس فينا أحد يخالف مقالك، ثم عزموا على القيام وشدوا ظعونهم وحملوا أحمالهم، ورحلوا من حوران بعشائرهم وقصدوا غربي الديار الشامية ونزلوا حذاء الجسر اليعقوبي.
ولما سمع السلطان نور الدين بقيام آل شهاب من حوران أرسل يسألهم عن السبب الداعي لقيامهم، وأرسل لهم الخلع والعطايا النفيسة، وطلب منهم أن يرجعوا إلى أوطانهم آمنين، فأبوا الرجوع بسبب خراب ديارهم، وطلبوا أن يسمح لهم بالذهاب إلى مكان آخر فسمح لهم بذلك، فنزلوا في وادي التيم وكان نزولهم في بيداء الظهر الأحمر من الكنيسة إلى الجديدة وكانوا في خمسة عشر ألفاً والأرض التي نزلوها تحت استيلاء الفرنج، فلما سمع هؤلاء بنزول آل شهاب جيشوا عليهم نحو خمسين ألفاً بين فارس وراجل. وكان بطريقهم الكبير يقال له قنطورا استمد من صاحب قلعة الشقيف فأمده بخمسة عشر ألفاً فالتقوا مع عسكر الفرنج ودام القتال ثلاثة أيام قتل من الفرنج ثلاثة آلاف ومن آل شهاب ثلاثمائة، ونقب بنو شهاب حيطان قلعة حاصبيا مدة عشرة أيام وأخذوا قنطورا وجماعته، وكانوا ثلاثمائة وقتلوهم وأرسلوا رؤوسهم إلى نور الدين فسر كل السرور وأعطى ذاك الإقليم لآل شهاب ملكاً لهم. ولما سمع صاحب قلعة الشقيف ما حل بالفرنج في حاصبيا أرسل للأمير منقذ يطلب منه الصلح.
وهكذا أدى بنو شهاب خدمة عظيمة للدولة، قاموا لما شعروا بجفاء بين السلطانين نور الدين وصلاح الدين، والغالب أن صلاح الدين كان استمال قلوب رؤسائهم حتى لا يسهلوا لنور الدين طريق الحملة على صلاح الدين في مصر، فلما رأو أنهم لا قبل لهم بنور الدين عرجوا على وادي التيم فكان في ذلك خيرهم وخير دمشق خاصة لأنهم وقفوا في غربها وقفة محمودة وردوا عنها عادية الصليبيين.