الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تيمورلنك ساعة ثم رجع من عنده فأخبر بأن تيمورلنك تلطف معه في القول وقال له: هذه بلد فيها الأنبياء وقد أعتقها لهم. وشرح من محاسن تيمورلنك شيئاً كثيراً وجعل يخذل أهل الشام
عن قتاله ويرغبهم في طاعته، فصار أهل البلد فرقتين فرقة ترى ما رآه ابن مفلح وفرقة ترى محاربته، وكان أكثر أهل البلد يرون مخالفة ابن مفلح، ثم غلب رأيه ورأي أصحابه، فقصد أن يفتح باب النصر فمنعه من ذلك نائب قلعة دمشق وقال لهم: إن فعلتم ذلك أحرقت البلدة جميعها، ولكن نائب القلعة لما رأى عين الغلب سلم إليهم القلعة بعد ستة وعشرين يوماً قال: ثم قبض تيمورلنك على ابن مفلح وأصحابه وأودعهم في الحديد.
وصف أفعال تيمورلنك في دمشق:
ذكر ابن تغري بردي أنه لما قدم الخبر على أهل دمشق بأخذ حلب نودي في الناس بالرحيل من ظاهرها إلى داخل المدينة والاستعداد لقتال العدو، فأخذوا في ذلك فقدم عليهم المنهزمون من حماة فعظم خوف أهلها، وهموا بالجلاء فمنعوا من ذلك، ونودي من سافر نهب فعاد إليها من كل خرج منها، وحصنت دمشق ونصبت المجانيق على قلعتها ونصبت المكاحل على أسوارها واستعدوا للقتال، ثم نزل تيمورلنك بعساكره على قطنا، فملأت الأرض كثرة، وركب طائفة منهم لكشف الخبر فوجدوا السلطان والأمراء قد تهيئوا للقتال، وصفت العساكر السلطانية فبرز إليهم التمرية وصدموهم صدمة هائلة، وثبت كل من العسكريين ساعة فكانت بينهم وقعة انكسرت فيها ميسرة السلطان، وانهزم العسكر الغزاوي وغيرهم إلى ناحية حوران وجرح جماعة، وحمل تيمورلنك بنفسه حملة عظيمة شديدة ليأخذ دمشق، فدفعته ميمنة السلطان بأسنان الرماح حتى أعادوه إلى موقفه، ونزل كل من العسكريين بمعسكره وبعث تيمورلنك إلى السلطان في طلب الصلح وإرسال أطلمش أحد أصحابه إليه وأنه هو أيضاً يبعث من عنده من الأمراء المقبوض عليهم في واقعة حلب. ثم هرب الملك لأنه بلغه أنهم يسلطنون غيره في مصر فاراً بجماعته.
وكان اجتمع في دمشق خلائق كثيرة من الحلبيين والحمويين والحمصيين وأهل القرى ممن خرج جافلاً من تيمور، ما عدا العساكر الدمشقيين الذين
تخلفوا في دمشق ولما أصبحوا وقد فقدوا السلطان والأمراء والنائب غلقوا أبواب المدينة، وركبوا الأسوار ونادوا بالجهاد، فتهيأ أهل دمشق للقتال وزحف عليهم تيمورلنك بعساكره فقاتل الدمشقيون من أعلى السور أشد قتال، وردوهم عن السور والخندق، وأسروا منهم جماعة ممن اقتحم باب دمشق، وأخذوا من خيولهم عدة كبيرة وقتلوا منهم نحو الألف وأدخلوا رؤوسهم إلى المدينة، ولما أعيا تيمور أمرهم جعل يخادعهم فأرسل يريد الصلح.
وطلب تيمور الطقزات أي التسعة الأصناف من المأكول والمشروب والملبوس وغيره وهذه كانت عادته في كل بلد يفتحه صلحاً. فأجابه الدمشقيون إلى ما طلب بإقناع ابن مفلح لهم، وتقرر أن يجبي تيمور من دمشق ألف ألف دينار ففرض على الناس فقاموا به من غير مشقة لكثرة أموالهم، فلم يرض تيمور وقال: إن المطلوب بحساب له عشرة آلاف ألف دينار أو ألف تومان والتومان عشرة آلاف دينار من الذهب. قال ابن حجر: واستقر الصلح على ألف ألف دينار فتوزعت على أهل البلد ثم رجع تيمور فتسخطها وقال: إنه طلب ألف تومان فنزل بالناس باستخراج هذا منهم ثانياً بلاء عظيم، ولما أخذه ابن مفلح وحمله إلى تيمور قال هذا لابن مفلح وأصحابه: هذا المال لحسابنا إنما هو ثلاثة آلاف دينار وقد بقي عليكم سبعة آلاف دينار؟ وظهر لي أنكم عجزتم، ثم سلمت أموال المصريين وكراعهم وسلاحهم وأموال الذين هربوا من دمشق، ولما كمل ذلك ألزمهم أن يخرجوا إليه جميع ما في البلد من السلاح فأخرجوه، فلما فرغ من ذلك، قبض على ابن مفلح ورفقته وألزمهم أن يكتبوا له جميع خطط دمشق وحاراتها وسككها، فكتبوا ذلك ودفعوه إليه، ففرقه على أمرائه وقسم البلد بينهم فساروا إليها بمماليكهم
وحواشيهم، ونزل كل أمير في قسمه وطلب من فيه وطالبهم بالأموال فحينئذ حلّ بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصف، وجرى عليهم من أنواع العذاب وهتك الأعراض شيء تقشعر منه الجلود، واستمر هذا البلاء تسعة عشر يوماً فهلك في هذه المدة بدمشق بالعقوبة والجوع خلق لا يعلم عددهم، ثم أمر أمراءه فدخلوا دمشق ومعهم سيوف مسلولة مشهورة وهم مشاة، فنهبوا ما قدروا عليه من آلات الدور وغيرها، وسبوا نساء دمشق بأجمعهن، وساقوا الأولاد والرجال
وتركوا من الصغار من عمره خمس سنين فما دونها، وساقوا الجميع مربوطين في الحبال، ثم طرحوا النار في المنازل والدور والمساجد، وكان يوماً عاصف الريح فعم الحريق جميع البلد حتى كاد لهيب النار أن يرتفع إلى الحساب، وعملت النار في البلد ثلاثة أيام بلياليها، ثم رحل تيمور عنها بعد أن أقام ثمانين يوماً وقد احترقت كلها وسقطت سقوف جامع بني أمية من الحريق وزالت أبوابه وتقطر رخامه ولم يبق غير جدره قائمة، وذهبت مساجد دمشق ودورها وقياسرها وحماماتها وصارت أطلالاً بالية ورسوماً خالية ولم يبق بها إلا أطفال. قال ابن تغري بردي: ولقد ترك المصريون دمشق أكلة لتيمور، وكانت يوم ذاك أحسن مدن الدنيا وأعمرها.
قال بهاء الدين البهائي ير في دمشق المظلومة ويصف ما حلّ بها من التتر في سنة ثلاث وثمانمائة ويذكر حلب وحماة:
لهفي على تلك البروج وحسنها
…
حفت بهن طوارق الحدثان
لهفي على وادي دمشق ولطفه
…
وتبدل الغزلان بالثيران
وشكا الحريق فؤادها لما رأت
…
نور المنازل أبدلت بدخان
جناتها في الماء منها أضرمت
…
فعجبت للجنات في النيران
كانت معاصم نهرها فضية
…
والآن صرن كذائب العقيان
ما ذاك إلا تُركهم ولجت بها
…
فتخضبت منها بأحمر قان
كرهت جداولها حوافر خيلهم
…
فتسابقت هرباً كخيل رهان
خافت خدود الأرض من أفعالهم
…
فتلثمت بعوارض الريحان
لو عاينت عيناك جامع تنكز
…
والبركتين بحسنها الفتان
وتعطش المرجين من أورادها
…
وتهدم المحراب والإيوان
لأتت جفونك بالدموع ملوناً
…
دمعاً حكى اللولو على المرجان
قطرات جفن ترجمت عن حرقتي
…
فكأنهن قلائد العقيان
أبني أمية أين يُمن وليدكم
…
والمغل تفتل في ذرى الأركان
شربوا الخمور بصحنه حتى انتشوا
…
ألقوا عرابدهم على النسوان