الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عهد المماليك الأخير
من سنة 803 إلى 922
البلاد بعد الفتنة التيمورية ومخامرة العمال:
خرجت حلب وحماة ودمشق خصوصاً من بين مدن الشام بعد فتنة تيمور كالهيكل من العظم لا لحم ولا دم، وأصيبت بنقص في الأنفس وخراب في العمران، يبكي لها كل من عرف ما كانت عليه من السعادة قبل تلك الحقبة المشؤومة، ولم يقيض للقطر سلطان عاقل قوي يداوي جراحاتها وينهض بها نهضة تنسيها آلامها. ولما رحل تيمور عن دمشق نصب صاحب مصر المقر السيفي تغري بردي في نيابة دمشق ورسم له أن يخرج إلى الشام من يومه ليعمر ما أفسده تيمور في دمشق، ونصب نواباً آخرين على نيابات الشام ممن كانوا في أسر تيمور فأطلقهم، مثل نواب الكرك وطرابلس وحماة وبعلبك وصفد وغيرهم، وأمرهم أن يعمروا البلاد المخربة، وهيهات أن يعمر في قرن ما خربه تيمور في ثلاثة أشهر.
وبعد حين رجم أهل دمشق 804 نائب الشام تغري بردي وأرادوا قتله فهرب إلى نائب حلب، فلما بلغ سلطان مصر ذلك أرسل تقليداً إلى أقبغا الجمالي بنيابة الشام. وخامر أمير غزة وخرج عن الطاعة واسمه صرق، فقتل في المعركة، وخرج أيضاً عن طاعة نائب طرابلس شيخ المحمودي. وخرج دمرداش نائب حلب إلى الأمير دقماق المحمدي الذي خلفه في نيابتها وأوقع معه واقعة قوية فانكسر دمرداش.
وفي سنة 806 نازل الفرنج طرابلس فأقاموا عليها ثلاثة أيام فبلغ ذلك نائب الشام فنهض إليهم مسرعاً فانهزموا فأوقع بهم وكان ذلك مبدأ سعادته.
ثم توجه الفرنج إلى بيروت وكانوا في نحو من أربعين مركباً فواقعهم دمرداش ومن معه من الجند والمطوعة وقتل بعض الناس من الفريقين وجرح الكثير، وكان نائب الشام ببعلبك
فجاءه الخبر فتوجه من وقته وأرسل إلى العسكر يستنجد به ومضى على طريق صعبة إلى أن وصل إلى طرابلس ثم توجه من فوره إلى بيروت فوجدهم قد نهبوا ما فيها وأحرقوها وكان أهلها قد هربوا إلى الجبال إلا المقاتلة منهم، فوقع بين الفريقين مقتلة عظيمة فأمر النائب بإحراق قتلى الفرنج، ثم توجه إلى صيدا ومعه العساكر فوجدهم في القتال مع أهلها ولم يتقدمه أحد بل كان معه عشرة أنفس، فحمل على الفرنج فكسرهم وفروا في مراكبهم راجعين إلى ناحية بيروت ثم نزلوا لأخذ الماء فتبعهم بعض أصحاب النائب فغلبوه على الماء وأخذوا حاجتهم وتوجهوا إلى جهة طرابلس.
ودامت الفوضى في القطر حتى خامر النواب إلا قليلاً في الشام 806 وأصبح الناس فرقتين فرقة مع الملك الناصر وفرقة عليه إلى أن خلع سنة 808 وفي سنة 806 أوقع نائب الشام بعرب آل فضل وكان كبيرهم علي بن فضل قد قسم الشام سنة ثلاث وثماني مائة فطمع أن يفعل ذلك هذه السنة، فقبض عليه النائب ونهب بيوته، ووقع بين نعير أمير عرب آل فضل وبين حجا بن سالم الدوكاري وقعة عظيمة قتل فيها ابن سالم وانكسر عسكره وغلب نعير وأرسل برأس ابن سالم إلى القاهرة. وكان عسكر ابن سالم طاف في أعمال حلب كعزاز وغيرها وأفسد فيها الفساد الفاحش، وكان وقع بينه وبين نعير قتال بين جعبر وابلستين واستمرا أياماً إلى أن قتل ابن سالم. وقع بين دمرداش والتركمان وقعة عظيمة فانكسر دمرداش. وفي أيام الناصر فرج نصب نوروز الحافظي على دمشق وجكم العوضي نائباً على حلب، فلما توجها إلى عملهما أظهر كل منهما العصيان والمخامرة على السلطان فتسلطن جكم العوضي بحلب وقبل الأمراء الأرض بين يديه وتلقب بالملك العادل ووضع يده على البلاد الحلبية وكتب إلى نواب الشامات فأطاعوه إلا القليل منهم، وأخرج أوقاف الناس وجعلها إقطاعات وفرقها مثالات على عسكر
حلب وصار يحكم من الشام الى الفرات فانتزعت يد الناصر من الديار الشامية والحلبية وصار حكمه لا يجاوز غزة.