الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: ما اتخذ الله من ولد. ذلك عيسى بن مريم ونحو هذا. فلما طلع الفجر استدعى القاضي عبد الكريم وقال له: إيش عملت السلطان رسم كذا وكذا قال: فما عرفتني النوبة فلما كانت الليلة الثانية ما صعد عبد الكريم المئذنة، فلما طلع الفجر استدعى الأنبرور القاضي، وكان قد دخل القدس في خدمته وهو الذي سلم إليه
القدس فقال له: يا قاضي أين ذاك الرجل الذي طلع البارحة المنارة وذكر ذاك الكلام، فعرفه أن السلطان أوصاه، فقال الأنبرور: أخطأتم يا قاضي تغيرون أنتم شعاركم وشرعكم ودينكم لأجلي، فلو كنتم عندي في بلادي هل أبطل ضرب الناقوس لأجلكم؟ الله الله لا تفعلوا، هذا أول ما تنقصون عندنا، ثم فرّق في القوّام والمؤذنين والمجاورين جملة أعطى كل واحد عشرة دنانير ولم يقم بالقدس سوى ليلتين وعاد إلى يافا وخاف من الداوية فإنهم طلبوا قتله.
اختلافات جديدة بين آل العادل:
بعد أن أحيط بدمشق من كل جانب وحلّ بها من الخراب والفساد العجائب. واشتد عليها الحصار عوّض الناصر داود عنها بالكرك والبلقاء والصلت والأغوار والشوبك، وأخذ الكامل لنفسه البلاد الشرقية التي كانت عينت للناصر وهي حران والرّها وغيرهما التي كانت بيد الأشرف، ثم نزل الناصر داود عن الشوبك وسأل عمه الكامل في قبولها فقبلها، وتسلم دمشق الأشرف، وتسلم الكامل من الأشرف الديار الشرقية المذكورة، ولما سلم الكامل دمشق إلى أخيه الأشرف سار من دمشق ونزل على مجمع المروج ثم نزل على سلمية وأرسل عسكراً نازلوا حماة وبها صاحبها الناصر قليج أرسلان. وكان في العسكر الذين نازلوه شيركوه صاحب حمص فاستسلم إليه وأخذه الى الكامل وهو نازل على سلمية فشتمه وأمر باعتقاله وأن يتقدم إلى نوابه بحماة بتسليمها إلى الكامل، فأرسل الناصر قليج أرسلان علامته إلى نوابه بحماة أن يسلموها إلى عسكر الكامل، فامتنع من ذلك الطواشيان بشر ومرشد المنصوريان، وكان بقلعة حماة أخ للناصر يلقب المعز بن الملك المنصور صاحب حماة فملكوه حماة، وقالوا للكامل، لا نملك حماة لغير واحد من أولاد تقي الدين.
فأرسل الكامل يقول للملك المظفر محمود صاحب حماة: اتفق مع غلمان أيبك وتسلم حماة وكان المظفر نازلاً على حماة من جملة العسكر الكاملي
فراسل المظفر الحكام بحماة فحلفوا له وواعدوا المظفر أن يحضر بجماعته خاصة وقت السحر إلى باب النصر ليفتحوه له فدخل البلد وتسلم القلعة، وفوض تدبير حماة إلى الأمير سيف الدين علي الهدباني، ولما استقر المظفر في ملك حماة انتزع الكامل سلمية منه وسلمها إلى شيركوه صاحب حمص ورسم الكامل لأخيه المظفر أن يعطي أخاه الناصر قليج أرسلان بعرين بكمالها، ولم يبق بيد المظفر غير حماة والمعرة، ثم رحل الكامل عن سلمية إلى الديار الشرقية التي أخذها من أخيه الأشرف عوضاً عن دمشق، وأرسل الأشرف أخاه صاحب بصرى الصالح إسماعيل بن العادل بعسكر فنازل بعلبك وبها الأمجد بهرام شاه، ولما طال الحصار عليها سلمها الأمجد، وعوضه الأشرف عنها الزبداني وقصير دمشق ومواضع أخر. وقصد الفرنج حصن بارين ونهبوا بلاده وأعماله وأسروا وسبوا ومن جملة من ظفروا به طائفة من التركمان كانوا نازلين في ولاية بارين فأخذوهم ولم يسلم منهم إلا النادر الشاذ.
وفي سنة 627 شرع صاحب حمص شيركوه في عمارة قلعة شميميس فأراد المظفر صاحب حماة منعه من ذلك ثم لم يمكنه ذلك لكونه بأمر الكامل. وفيها جمعت الفرنج من حصن الأكراد وقصدوا حماة فخرج إليهم صاحبها المظفر محمود والتقاهم عند قرية بين حماة وبعرين يقال لها أفيون وكسروهم كسرة عظيمة.
وفي سنة 628 سار الكامل من مصر إلى دمشق فسلمية واجتمع معه ملوك أهل بيته في جمع عظيم ثم سار بهم إلى آمد وحصرها وتسلمها من صاحبها المسعود ابن الملك الصالح محمود، وكان سبب انتزاع الكامل آمد من المسعود لسوء سيرته وتعرضه لحريم الناس، وحاصر المظفر صاحب حماة أخاه الناصر ببعرين بأمر العادل خوفاً من أن يسلمها للفرنج لضعفه عنهم، وانتزعها منه وأكرمه وسأله
الإقامة عنده بحماة فسار إلى أخيه الكامل في مصر. وسار الكامل من مصر 631 إلى قتال كيقباذ ملك الروم وقد استصحب معه ستة عشر ملكاً من ملوك الشام والجزيرة من أخوته وآل بيته في عسكرهم وقطعوا الفرات وانهزم العسكر الكاملي على خرتبرت، وذلك لأن الملوك الذين في خدمته
خامروا عليه خاتلوه وتقاعدوا عن الحرب لأن شيركوه صاحب حمص سعى إليهم وقال: إن السلطان ذكر أنه متى ملك بلاد الروم فرقها على الملوك من أهل بيته عوض ما بأيديهم من الشام، ويأخذ الشام جميعه لينفرد بملك الشام ومصر، فتقاعدوا عن القتال وفسدت نياتهم فرجع الكامل إلى مصر وعاد كل واحد من الملوك إلى بلده. وفي سنة 633 سار الناصر داود من الكرك إلى بغداد ملتجئاً إلى الخليفة المستنصر لما حصل عنده من الخوف من عمه الكامل. وسار الكامل من مصر واسترجع حرّان والرّها من كيقباذ صاحب الروم، وكان استولى عليهما في السنة الماضية بعد رحيل الكامل عن أرضه. وبدت في هذه السنة طلائع الشر قال سبط ابن الجوزي: وكانوا في مائة طلب كل طلب خمسمائة فارس.
وتوفي العزيز صاحب حلب حفيد صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكان حسن السيرة في رعيته عن ثلاث وعشرين سنة وستة أشهر، وتقرر في الملك بعده ولده الناصر يوسف وعمره نحو سبع سنين وقام بتدبير الدولة شمس الدين لولو الأرمني وعز الدين عمر بن مجلي وجمال الدين إقبال الخاتوني، والمرجع في الأمور إلى والدة العزيز ضيفة خاتون بنت الملك العادل. وقويت الوحشة بين الكامل وبين أخيه الأشرف وكان ابتداؤها ما فعله شيركوه صاحب حمص لما قصد الكامل بلاد الروم فاتفق الملك مع صاحبة حلب ضيفة خاتون أخت الكامل ومع باقي الملوك على خلاف الكامل خلا المظفر صاحب حماة، فلما امتنع تهدده الأشرف بقصد بلاده وانتزاعها منه فقدم خوفاً من ذلك إلى دمشق، وحلف للملك
الأشرف ووافقه على قتال الكامل وكاتب الأشرف كيخسرو صاحب بلاد الروم واتفق معه على قتال أخيه الكامل إن خرج من مصر. وتوجه عسكر حلب مع المعظم توران شاه عم العزيز فحاصروا بغراس وكان قد عمرها الداوية بعدما فتحها صلاح الدين يوسف وخربها وأشرف عسكر حلب على أخذها ثم رحلوا عنها بسبب الهدنة مع صاحب إنطاكية، ثم إن الفرنج أغاروا على ربض دربساك وهي حينئذ لصاحب حلب فوقع بهم عسكر حلب وولى الفرنج منهزمين وكثر فيهم القتل والأسر وعاد عسكر حلب بالأسرى ورؤوس الفرنج وكانت هذه الوقعة من أجل الوقائع.