الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسار إليها بأهله، واستوطنها وأخرج وزيره الجزري في الليل في جملة الصناديق خوفاً عليه من القتل فأخذ أموالاً عظيمة وهرب إلى بلده.
سلم الأفضل دمشق لعمه العادل على حكم ما كان وقع عليه الاتفاق بينهما، فتسلمها العادل على أن يكون ثلث البلاد للعادل والثلثان للأفضل وهو السلطان، ورحل العزيز وأبقى له العادل السكة والخطبة بدمشق.
استئثار العادل بالملك الصلاحي:
توفي الملك العزيز عثمان في مصر 595 وعمره سبع وعشرون سنة وأشهر وكان في غاية السماحة والكرم والعدل. والرفق بالرعية والإحسان إليهم ففجعت الرعية بموته فجعة عظيمة لأنه شبل من أسد، وكان الغالب على دولته فخر الدين جهاركس فأقام في الملك ولد العزيز الملك المنصور محمد واتفقت الآراء على إحضار أحد بني أيوب ليقوم بالملك، وعملوا مشورة بحضور القاضي الفاضل فأشار بالملك الأفضل وهو حينئذ بصرخد فأرسلوا إليه فسار محثاً، ووصل إلى
مصر على أنه أتابك أي مربي الملك المنصور بن الملك العزيز، وكان عمر الملك المنصور حينئذ تسع سنين وأشهراً. ولما وصل الأفضل إلى بلبيس التقاه العسكر فتنكر منه فخر الدين جهاركس وفارقه وتبعه عدة من العسكر وساروا إلى الشام، وكاتبوا العادل وهو محاصر ماردين، وأرسل الظاهر إلى أخيه الأفضل يشير عليه بقصد دمشق وأخذها من عمه العادل، وأن ينتهز الفرصة لاشتغال العادل بماردين، فبرز الأفضل من مصر وسار إلى دمشق، فبلغ العادل مسيره، ونزل الأفضل على دمشق وجرى بين العم وابن أخيه قتال، وهجم بعض عسكر الأفضل المدينة حتى وصل إلى باب البريد ولم يمدهم العسكر، فتكاثر أصحاب العادل وأخرجوهم من البلد، ثم تخاذل العسكر فتأخر الأفضل إلى ذيل عقبة الكسوة، ثم وصل إلى الأفضل أخوه الظاهر فعاد إلى مضايقة دمشق، ودام الحصار عليها وقلت الأقوات عند العادل وعلى أهل البلد، وأشرف الأفضل والظاهر على ملك دمشق، وعزم العادل على تسليم البلد لولا ما حصل بين الأخوين الأفضل والظاهر من الخلف.
روى سبط ابن الجوزي أنه لما اشتد الحصار على دمشق وقطعت أشجارها
ومياهها الداخلة إليها وانقطعت عن أهلها الميرة وضجوا، بعث العادل إلى الظاهر يقول له: أنا أسلم إليك دمشق على أن تكون أنت السلطان وتكون دمشق لك لا للأفضل، فطمع الظاهر وأرسل إلى الأفضل يقول: أنت صاحب مصر فآثرني بدمشق. فقال: دمشق لي من أبي وإنما أخذت مني غصباً فلا أعطيها أحداً، فوقع الخلف بينهما ووقع التقاعد. وكان إلقاء الخلف بين الأخوين من جملة دهاء عمهما.
ودخلت سنة 596 والأفضل والظاهر يحاصران دمشق، وقد أحرق جميع ما هو خارج باب الجابية من الفنادق والحوانيت، وأحرق النيرب وأبواب الطواحين،
وقطعت الأنهار وأحرقت غلة حرستا في بيادرها، وحفر على دمشق خندق من أرض اللوان إلى أرض يلدا شرقاً احترازاً من مهاجمة من دمشق لهما، ولما تغير الظاهر على أخيه الأفضل ترك قتال العادل، فظهر الفشل في العسكر، فتأخر الأفضل والظاهر عن دمشق وأقاما بمرج الصُّفَّر، ثم سار الأفضل إلى مصر والظاهر إلى حلب، ولما تفرق خرج العادل من دمشق وسار في أثر الأفضل إلى مصر، وضرب مع الأفضل مصافاً فانكسر الأفضل وانهزم إلى القاهرة، ونازلها العادل ثمانية أيام، فأجاب الأفضل إلى تسليمها، على أن يعوض عنها ميافارقين وخاني وسميساط، فأجابه العادل إلى ذلك ولم يف له به، ثم سار الأفضل إلى صرخد وأقام العادل بمصر على أنه أتابك الملك المنصور محمد بن العزيز عثمان مدة يسيرة، ثم أزال العادل الملك المنصور، واستقل العادل في السلطنة، فقطع أولاً خطبة ولد العزيز بعد أن جمع الفقهاء وقال هل يجوز ولاية الصغير على الكبير فقالوا: الصغير مولى عليه وقال: فهل يجوز لكبير أن يولي عليه وينوب عنه قالوا: لا لأن الولاية من الأصل إذا كانت غير صحيحة فكيف تصح النيابة. فقطع خطبة ابن العزيز وخطب لنفسه ولولده الكامل محمد من بعده، وكان ذلك على الحقيقة مبدأ سلطنة العادل الكبرى، فإن استئثاره بالخطبة والسكة في مصر سهل عليه فيما بعد ملك الشام وما إليها من ديار الشرق.
لما تم الأمر بمصر للعادل كاتب الظاهر صاحب حلب عمه الملك العادل عمه بالمعنيين شقيق أبيه وأبو امرأته وصالحه وخطب له بحلب وأقاليمها وضرب السكة باسمه، واشترط العادل على صاحب حلب أن يكون خمسمائة فارس من خيار