الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منكوتمر لا يفتر عنهم فاتفقوا على المسير إلى غازان ملك التتر لعلمهم بإسلامه فسارا إلى حمص ونزلا بخواصهما، فأخذا على ناحية سلمية وعديا الفرات فلم يكن بعد عشرة أيام من مسيرهم إلا وقد جاء البريد بقتل المنصور حسام الدين لاجين المنصوري وقتل منكوتمر نائبه وعلم الأمراء المخامرون بقتلهما، فاتفق رأي أرباب الدولة في مصر على إعادة الناصر محمد إلى مملكته فجيء به من الكرك وجلس على سرير سلطنته للمرة الثانية. ووصلت هذه السنة إلى بيروت مراكب كثيرة وهي ثلاثون بطسة وفي كل واحدة سبعمائة مقاتل من الفرنج للطلوع إلى الساحل والإغارة على ديار المسلمين فأصابتهم عاصفة أغرقت سفنهم ورجع الباقون خائبين.
وقائع التتر:
لم تكد نازلة الصليبيين تنحسم حتى كان المصاف العظيم بين المسلمين والتتر في سنة 699 فسار غازان بن أرغون خان بن هولاكو بن تولي بن جنكيز خان، بجموع عظيمة من التتر والكرج والمزندة وغيرهم وعبر الفرات ووصل بجموعه إلى حلب ثم إلى حماة ونزل على وادي مجمع المروج، وسارت العساكر صحبة
الناصر إلى جهة المجمع، وكان سلار والجاشنكير متغلبين على المملكة فداخل الأمراء الطمع ولم يكملوا عدة جندهم فنقص العسكر كثيراً مع سوء التدبير ونحو ذلك من الأمور الفاسدة التي أوجبت هزيمة العسكر. والتقوا بالقرب من مجمع المروج شرقي حمص فولت ميمنة المسلمين ثم الميسرة وثبت القلب وأحاطت به التتر وجرى بينهم قتال عظيم وتأخر السلطان إلى جهة حمص، فولت العساكر الإسلامية تبتدر الطريق وتمت بهم الهزيمة إلى ديار مصر وانهزم السلطان إلى نحو بعلبك بعد أن تلاقى عسكر مصر وعسكر التتر على مرج راهط تحت جبل غباغب جنوبي دمشق ووقعت بينهما وقعة عظيمة. وكان مع العسكر المصري من العسكر الشامي وعربان من جبل نابلس نحو مائتي ألف إنسان في بعض الروايات ومع غازان مثل ذلك أو أكثر.
تتبع التتر المنهزمين من المسلمين في وقعة مجمع المروج حتى بلغوا دمشق واستولوا عليها ونهبوا ضياعها وسبوا أهلها، وساروا في أثر الجفّال إلى غزة
والقدس والكرك. ولما استولى غازان على دمشق أخذ سيف الدين قبجق الأمان لأهلها ولغيرهم منه. وكانت قلعة دمشق عصت على غازان فحاصرها وكان الأمير بها أرجواش المنصوري فقام في حفظها أتم قيام وصبر على الحصار ولم يسلمها - هذا ما قاله أبو الفداء وابن إياس -. ووصف مغلطاي ما حل بدمشق وضواحيها من التتر وما جرى على العساكر المصرية والشامية، وما تم من تخريم الدور والمساكن بظاهر دمشق مثل الصالحية والحواضر البرانية من العقيبة والشاغور وقصر حجاج وحكر السماق وقد خرب منها واستبيح ما لم يصبه الحريق من الأماكن قال: إنهم أسروا من الصالحية نحو أربعة آلاف نسمة وقتلوا نحو ثلاثمائة أو أربعمائة أكثرهم في التعذيب على المال. ودام التتر نحو أربعة أشهر. وكان عدد من دخلوا دمشق من التتر أربعة آلاف مقاتل. وقد احترقت
أماكن حول قلعة دمشق منها دار الحديث الأشرفية وما قبالتها إلى العادلية الصغرى والعادلية الكبرى وأحرقت دار السعادة وكانت مقر نواب السلطنة وما حولها، واحتاط التتر بهذه النواحي والأماكن التي لم يصل إليها الحريق فنهبت ونقضت أخشابها، وقلع ما فيها من الرخام وأخذ ما فيها من الأثاث، وكذلك فعل بجميع الصالحية.
وعقيب أن تم كل هذا الحيف جاء رسول التتر إلى دمشق بالأمان ومما شرطه في تقليده وكان مكتوباً بالعربية، أن لا يتعرضوا لأحد من أهل الأديان على اختلاف أديانهم من اليهود والنصارى والصابئة، فإنهم إنما يبذلون الجزية عنهم من الوظائف الشرعية. وقال صاحب التتر: إنه حارب حكام مصر والشام لأنهم خارجون عن طريق الدين غير متمسكين بأحكام الإسلام، ناقضون لعهودهم، حالفون بالأيمان الفاجرة، ليس لديهم وفاء ولا ذمام، وشاع من شعارهم الحيف على الرعية، ومد الأيدي العادية إلى حريمهم وأموالهم، والتخطي عن جادة العدل والإنصاف. قال مغلطاي: إنه حمل إلى خزانة غازان ثلاثة آلاف ألف دينار وستمائة ألف دينار سوى ما لحق من التراسيم المقررات والبراطيل والاستخراج لغيره من الأمراء والوزراء وغير ذلك. وقال الصفدي: وإلى شيخ الشيوخ الذي نزل بالعادلية ما قيمته ستمائة ألف درهم وإلى الأصيل بن نصير الدين الطوسي مائة ألف درهم.
ولعلي الأوتاري الدمشقي في هذه الموقعة من قصيدة:
أحسن الله يا دمشق عزاكِ
…
في مغانيك يا عماد البلادِ
وبرستاق نيربيك مع المز
…
ة مع رونق بذاك الوادي
وبأنس بقاسيون وناس
…
أصبحوا مغنماً لأهل الفساد
طرقتهم حوادث الدهر بالقت
…
ونهب الأموال والأولاد
وبنات محجبات عن الشم
…
تناءت بهن أيدي الأعادي
وقصور مشيدات تقضت
…
في ذراها الأيام كالأعياد
وبيوت فيها التلاوة والذك
…
وعالي الحديث بالإسناد
حرقوها وخربوها وبادت
…
بقضاء الإله رب العباد
وكذا شارع العقيبة والقص
…
ر وشاغورها وذاك النادي
أقام غازان بمرج الزنبقية من ضواحي دمشق. ثم عاد إلى بلاده تبريز وقرر في دمشق قبجق ولم يستفد إلا التخريب وقتل بعض جيشه وجيشي مصر والشام، فلما بلغ العساكر مسير غازان عن الشام خرجوا من مصر وخرج السلطان إلى الصالحية، ثم اتفق الحال على مقام السلطان بالديار المصرية ومسير سلار وبيبرس الجاشنكير بالعساكر إلى الشام فسارا بالعساكر، وكان قبجق وبكتمر والالبكي قد كاتبوا المسلمين في الباطن وصاروا معهم، فلما خرجت العساكر من مصر هرب قبجق ومن معه من دمشق وفارقوا التتر وساروا إلى مصر، وبلغ التتر بدمشق ذلك فخافوا وساروا من وقتهم إلى الشرق، ورتب جمال الدين أقوش الأفرم في نيابة السلطنة بدمشق، وأقر سنقر في نيابة السلطنة بحلب، وقطلوبك في نيابة السلطنة بالساحل والحصون، والأمير كتبغا زين الدين المنصوري بحماة. وسار جمال الدين أقوش من دمشق وصحبته من الرجالة والفلاحين جمع كثير إلى جبال كسروان لقتال أهلها عقوبة لهم عما قدمت أيديهم مما كانوا فعلوه مع المسلمين وأخذ عددهم، فدخل الكسروانيون تحت الطاعة وقرر عليهم جملة مستكثرة من المال فالتزموا به وحملوه وأقطعت ديارهم وأراضيهم.
وكان الأرمن لما وصل غازان بجموع المغول إلى الشام طمعوا في الأرجاء التي افتتحها المسلمون منهم وعجز المسلمون عن حفظها، فتركها الذين بها من
العسكر والرجالة فاستولى الأرمن عليها، ولم يبق مع المسلمين من تلك القلاع غير قلعة
حجر شغلان، واستولى الأرمن على غيرها من الحصون والعمالات التي كانت جنوبي نهر جيحان، فجردت مصر والشام عسكراً إلى سيس ونهبت وخربت. وعاد المغول فجرد صاحبهم غازان 700 مرة ثانية عسكراً على الشام بدعوى أن عساكر صاحب مصر والشام أغارت على ماردين وبلادها فطرقت القطر على حين غفلة من أهلها وهتكوا المحارم فأتاه أهل ماردين وما إليها مستصرخين ملهوفين فحركته الحمية الإسلامية - وكان دان بالإسلام حديثاً - فلاقى العسكر وفرق شملهم، وسبب رحيله المرة الأولى عن الشام أن الرعية تضررت بمقامه لكثرة جيوشه ومشاركتهم الرعية في الشراب والطعام، فرحل وترك عندهم من يحرسهم من تعدي بعضهم على بعض ويحفظ الشام من أعدائه المتقدمين وأكراده المتمردين.
ولما عبر المغول الفرات في المرة الثانية جفل الناس منهم، ودخلوا حلب وعاثوا في أرجائها، وسار نائب السلطنة بحلب إلى حماة ووصلت العساكر من دمشق واجتمعوا بظاهر حماة وأقام المغول بأرجاء سرمين والمعرة وتيزين والعمق وجبال أنطاكية وجبل السماق ينهبون ويقتلون، وسار السلطان من مصر بالعساكر المصرية ووصل إلى نهر العوجا فلم يمكنه اطراد السير لكثرة الأمطار والأوجال فرجع إلى مصر. وأقام المغول يتنقلون في الديار الحلبية نحو ثلاثة أشهر ثم عادوا إلى مواطنهم. والمغول هم والتتر شيء واحد والتتر صنف من أُمم المغول. فقول المؤرخين المغول أو التتر من الألفاظ المترادفة تقريباً.
وفي سنة 702 فتحت جزيرة أرواد وهي ليعقوب الطرطوسي وكان اجتمع فيها جمع كثير من الفرنج وبنوا فيها سوراً وتحصنوا وكانوا يطلعون منها ويقطعون الطريق على المسلمين المترددين في ذلك الساحل، فأقلع أسطول من مصر فجرى بين الفرنج والمسلمين قتال شديد انتصر فيه المسلمون وملكوا الجزيرة وقتلوا
وأسروا جميع أهلها وخربوا أسوارها، وكان القتلى نحواً من ألفين والأسرى نحو خمسمائة. وفي هذه السنة نزلت الفرنج على نهر الدامور بين صيدا وبيروت، ورفعت الشكايات إلى نائب دمشق الأفرم في الجرديين
والكسروانيين - وكانوا أعواناً للفرنج والحكومة في دمشق تعمل جهدها لمنع الفرنج عن الاجتماع بأهل كسروان - فحشدت جيوش الشام لمقاتلتهم، فحمل الكسروانيون على الجيش الشامي فقتلوا أكثره وغنموا أمتعتهم وسلاحهم، وأخذوا أربعة آلاف رأس من خيلهم وقدمت الأكراد لنجدتهم، فصدهم كمينان في الفدار والمدفور فلم يخلص منهم إلا القليل وخربوا بعض الغرب، وكان أمراء الغرب التنوخيون مع جيش دمشق فعاد الجرديون فغزوا عين صوفر وشليخ وعين زيتونة وبحطوش وغيرها. ويقول صالح بن يحيى: إن السبب في قتالهم أن الهاربين من وجه التتر من العسكر 699 حصل لهم أذية من المفسدين وخصوصاً من أهل كسروان وجزّين وأكثرهم أذية للهاربين أهل كسروان فإنهم بلغوا إلى أن أمسكوا بعضاً منهم وباعوهم للفرنج، وأما السلب والقتل فكان كثيراً إلى أن عاملت الدولة الكسروانيين بما تقدم.
وفي هذه السنة عاودت التتر قصد الشام وساروا إلى الفرات وأقاموا عليها مدة في أزوارها وسار منهم عشرة آلاف فارس، وكانوا كلهم نحواً من خمسين ألفاً عليهم خطلوشاه نائب غازان، وأغاروا على أحد أرجاء القريتين وكانت العساكر قد تجمعت في حماة بقيادة أسندمر الكرجي نائب السلطنة بالساحل ومعاونة عسكر حلب وحماة فاقتتلوا مع التتر في الكوم قريب من عُرض بين تدمر والرصافة فانهزم التتر وقتلوا عن آخرهم، وكان المسلمون ألفاً وخمسمائة فارس والتتر ثلاثة أضعافهم.
ثم سار التتر بجموعهم العظيمة صحبة قطلوشاه نائب غازان بعد كسرتهم على
الكوم ووصلوا إلى حماة فاندفعت العساكر الذين كانوا بها بين أيديهم، واجتمعت عساكر مصر والشام بمرج الزنبقية ثم ساروا إلى مرج الصفّر لما قاربهم التتر وبقي العسكر منتظرين وصول الناصر، وسارت التتر إلى دمشق طالبين العسكر ووصلوا إليهم عند شقحب بطرف مرج الصفّر فالتقى الفريقان واشتد القتال فانهزم التتر ولحق المسلمون أثر المنهزمين إلى القريتين يقتلون فيهم ويأسرون. ووصل التتر إلى الفرات وهو في قوة زيادته فلم يقدروا على العبور والذي عبر فيها هلك، فساروا على جانبها إلى بغداد فانقطع أكثرهم على شاطئ الفرات، وأخذ العرب منهم جماعة كثيرة ورجع غازان من حلب