الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحملة الصليبية الثالثة:
بينا كان صلاح الدين على عكا يغادي الفرنج القتال ويراوحهم، جاءت الأخبار من الروم أن ملك الألمان قام لنجدة الصليبيين في الشام في مائة ألف محارب، فدخل اليأس على الناس وهذه هي الحملة المعروفة عند الفرنج بالحملة الصليبية الثالثة، ولكن سلط على ملك الألمان الوباء والغلاء وغرق في نهر كان يغتسل فيه في الروم، ولم يصل مع ابنه سوى ألف مقاتل فقط. يئس النس لأنهم ذهبوا إلى أن الفرنج لا تقوم لهم قائمة بعد وقعة حطين بل بعد استصفاء أكثر المدن والمعاقل التي كانت لهم ولا سيما القدس العلة الأولى في هذه الغزوات التي ألبسوها لباس الدين، وكانت هذه الحملة الثالثة مؤلفة من ثلاثة ملوك: فريدريك باربروس ملك ألمانيا، وفيليب أوغست ملك فرنسا، وريشاردس قلب الأسد ملك إنكلترا. فخف الأول إلى نجدة فرنج الشام قبل صاحبيه فكان من أمره ما كان أما الآخران فجاءا إلى عكا في البحر، وبعد أن فتح ريشاردس جزيرة قبرس تمكن الصليبيون من
أخذ عكا وقتل من المسلمين جمهور كبير.
قال ميشو: إن الوقعة التي حارب فيها ريشردس في بحر صور سفينة كبرى للعرب، كانت من أول الانتصارات ومقدمة الغنائم للبحرية الإنكليزية، وقال أمغلطاي: إن الفرنج حاصروا عكا من البر ومن البحر، وكانت عدتهم مائتي ألف وأربعين ألفاً، ونصبوا عليها المجانيق من كل جهة، وفتحوا فيها مواضع كثيرة حتى خربت ودثرت وصارت مثل الطريق، فغُلب المسلمون وطلبوا الأمان. وقال غيره: إن السلطان كان عمر في بيروت بطسة وشحنها بالعُدد والآلات، وفيها نحو سبعمائة رجل مقاتل، فلما توسطت في البحر صادفها ملك الإنكليز وأحاطت بها مراكبه وحصل القتال بين الفريقين، فلما رأى مقدمها اشتداد الأمر، نزل فخرقها حتى غرقت، وكانت هذه الحادثة أول حادثة حصل بها الوهن للمسلمين.
ثم رحل الفرنج عن عكا نحو قيسارية، والمسلمون يسايرونهم ويتحفظون منهم، ثم ساروا من قيسارية إلى أرسوف، ووقع بينهم وبين المسلمين مصاف أزالوا المسلمين عن موقفهم، ووصلوا إلى سوق المسلمين فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، ثم
سار الفرنج إلى يافا وقد أخلاها المسلمون فملكوها، ورأى السلطان تخريب عسقلان مصلحة فخربها وخرب الرملة وكنيسة لدّ وكان هدم سور طبرية وهدم يافا وأرسوف وقيسارية وهدم سور صيدا وجبيل ونقل أهلهما إلى بيروت، وكان معظم أهل صيدا وبيروت وجبيل مسلمين وكانوا في ذلة من مساكنة الفرنج. وسار إلى القدس وقرر أموره وعاد إلى مخيمه بالنطرون. ثم تراسل الفرنج والسلطان في الصلح على أن يتزوج الملك العادل أخو السلطان بأخت ملك إنكلترا ويكون للملك العادل القدس ولامرأته عكا، فأنكر القسيسون عليها ذلك إلا أن ينتصر الملك العادل فلم يتفق بينهم حال.
وذكر بعض المؤرخين أن ملك إنكلترا هو الذي عرض على العادل أخته، وكانت
أرملة ملك كبير من ملوكهم وهو صاحب صقلية توفي عنها، ورغب أن يتزوجها العادل ويجعل له الحكم على الساحل، وهو يُقطع الداوية والاسبتار من المدن والقرى دون الحصون، وتكون أخته مقيمة بالقدس وأن الإنكليز لما عنفوا المرأة واتهموها في دينها، اعتذر ملك إنكلترا بعدم موافقتها إلا أن يدخل العادل في دينها فعرف أنها خديعة كانت منه.
قال ابن شداد في وصف ريشاردس ملك الإنكليز: وهذا ملك الانكتار شديد البأس بينهم، عظيم الشجاعة، قوي الهمة، له وقعات عظيمة، وله جسارة على الحرب، وهو دون الفرنسيس عندهم في الملك والمنزلة، لكنه أكثر مالاً منه، وأشهر في الحرب والشجاعة. قال: وكانوا ملوكهم يتواعدوننا به فكان المستأمنون منهم يخبروننا عنه أنهم موقنون فيما يريدون أن يفعلوا من مضايقة البلد أي عكا حين قدومه، فإنه ذو رأي في الحرب مجرب، وأثر قدومه في قلوب المسلمين خشية ورهبة. وقال بعد أن ذكر كيف كان ملك الإنكليز يكرر الرسائل إلى الملك لتعرف قوة النفس وضعفها، وكيف كان يوهن المسلمين على تعرّف ما عنده من ذلك أيضاً: فانظر إلى هذه الصناعة في استخلاص الغرض باللين تارة والخشونة أُخرى، وكان مضطراً إلى الرواح وهذا عمله مع اضطراره، والله الولي في أن يقي المسلمين شره، فما بلينا بأعظم حيلة وأشد إقداماً منه.
بقي صلاح الدين في كل يوم يقع بينه وبين الفرنج مناوشات فلقوا من ذلك شدة شديدة واستولوا سنة 588 على قلعة الداروم وخربوها وأسروا من فيها.