الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسار إلى حلب برسالة صلاح الدين واستخلف في قلعة حماة أخاه، فلما وصل جرديك إلى حلب قبض عليه كمشتكين وسجنه، فلما علم أخوه بذلك سلم قلعة حماة إلى صلاح الدين، ثم سار هذا إلى حلب وحصرها وبها الملك الصالح إسماعيل، فجمع أهل حلب وقاتلوا صلاح الدين وصدوه عن مدينتهم، وأرسل سعد الدين كمشتكين إلى سنان مقدم الإسماعيلية أموالاً عظيمة ليقتلوا صلاح الدين فأرسل سنان جماعة فوثبوا بصلاح الدين فقتلوا دونه، واستمر صلاح الدين محاصراً لحلب ورحل عنها بسبب نزول الفرنج على حمص، فعاد إليهم فرجعوا أدراجهم، ووصل صلاح الدين إلى حمص فحصر قلعتها وملكها ثم سار إلى بعلبك فملكها.
تملك صلاح الدين ومحاولة اغتياله وسر نجاحه:
ولما استقر ملك صلاح الدين أرسل الملك الصالح إلى ابن عمه سيف الدين غازي
صاحب الموصل يستنجده على صلاح الدين فجهز جيشه، وطلب أخاه الأكبر عماد الدين زنكي بن مودود صاحب سنجار ليسير في النجدة أيضاً فامتنع مصانعة لصلاح الدين، ووصل عسكر الموصل وانضم إليه عسكر حلب وساروا إلى صلاح الدين، فأرسل صلاح الدين يبذل حمص وحماة وأن تقر بيده دمشق، وأن يكون فيها نائباً للملك الصالح، فلم يجيبوا إلى ذلك وساروا إلى قتاله، واقتتلوا عند قرون حماة فانهزم عسكر الموصل وحلب، وحينئذ قطع صلاح الدين خطبة الملك الصالح بن نور الدين وأزال اسمه عن السكة واستبد بالسلطنة فراسلوا صلاح الدين في الصلح على أن يكون له ما بيده من الشام، وللملك الصالح ما بقي بيده منه، فصالحهم على ذلك ورحل ثم ملك قلعة بارين كما صالح بني رزيك على أن يكون له إلى حد المعرة ولهم ما يلي ذلك فنقض الحلبيون الصلح الذي كان بينهم وبين صلاح الدين وجاء سيف الدين غازي في عساكر الموصل وديار بكر وحلب وعدتهم عشرون ألفاً بين فارس وراجل، وعسكر صلاح الدين ستة آلاف عدا ما جاء بعد من مصر. وقال رسول سيف الدين لصلاح الدين إنه رأى صلاح الدين في خيمة صغيرة على بساط لطيف وتحته سجادة وبين يديه مصحف وهو مستقبل القبلة وإلى جانبه زرديته وسيفه وقوسه وتركاشه جعبته معلق في عمود الخيمة،
فلما رأيته وقع في خاطري أنه المنصور لأنني فارقت سيف الدين والأمراء وهم على طنافس الحرير والخمور تراق والطبول تعمل، وليس في خيامهم خيمة إلا وفيها أنواع المحرمات، فأديت إليه الرسالة وجاء وقت الظهر فضج العساكر بصوت الآذان وفي كل خيمة إمام. قال سبط ابن الجوزي: إن صلاح الدين لما هزم جيش سيف الدين عاد إلى خيامهم فوجد سرداق سيف الدين مفروشاً بالرياحين، والمغنون جلوس في انتظاره، والخمور تراق ومطابخه بقدورها، وفيه أقفاص الطيور فيها أنواع من القماري والبلابل والهزارات، فأرسل صلاح الدين
بما كان في السرداق من المغنين والخمور والطيور إليه وقال للرسول: قل له اشتغالك بهذا أليق من مباشرتك الحروب ولا تعد إلى مثلها. وكان هذا المصاف بين السلطان صلاح الدين وسيف الدين غازي في سنة 571 فهرب سيف الدين والعساكر التي كانت معه وكان استنجد بعد هزيمته في قرون حماة بصاحب حصن كيفا وصاحب ماردين وغيرهما ثم سار صلاح الدين إلى بزاعة فحصرها وتسلمها وقصد منبج فحصرها وافتتحها عنوة. ولما جلس يستعرض أموال صاحبها وذخائره كان في جملة أمواله ثلاثمائة ألف دينار ومن الفضة والآنية الذهبية والأسلحة ما يناهز ألفي ألف دينار، فحانت من السلطان التفاتة فرأى على الأكياس والآنية مكتوباً يوسف فسأل عن هذا الاسم فقيل له: ولد يحبه ويؤثره اسمه يوسف كان يدخر هذه الأموال له فقال السلطان: أنا يوسف وقد أخذت. خبيء فتعجب من ذلك رواه ابن أبي طي.
ثم سار السلطان إلى عزاز ونازلها وتسلمها فوثب إسماعيلي على صلاح الدين في حصاره عزاز فضربه بسكين في رأسه فجرحه فأمسك صلاح الدين يدي الإسماعيلي وبقي يضرب بالسكين فلا يؤثر حتى قتل الإسماعيلي على تلك الحال ووثب آخر عليه فقتله أيضاً وجاء السلطان إلى خيمته مذعوراً وعرض جنده وأبعد من أنكره منهم. وهكذا فإن صاحب حلب أو نائبه أو جماعة دولته، وصاحب حماة أو نائبه أو حملة غاشيته صمموا على اغتيال صلاح الدين بأيدي الخوارج حرصاً على ملك قد يسلم لهم فيستمتعون به زمناً أو لا يستمتعون، ولو وفقوا إلى قتله لقتلوا به أمة بأسرها حتى يعيشوا سنين في دعة ومجد، وما أكثر الأدعياء في كل زمن في حب دينهم وقوميتهم، فإذا لم ينالوا رغائبهم ساروا على العمياء لحظ أنفسهم فقط.
وبعد تسليم عزاز لصلاح الدين جاء حلب فحاصرها وبها الصالح بن نور الدين
فسألوا صلاح الدين في الصلح فأجابهم إليه وسألوه قلعة عزاز فسلمها إليهم، ورفع على حلب علمه الأصفر، ورحل عنها في المحرم 572 ورجع من كورة الإسماعيلية وحصر قلعة مصياف، فسأله خاله شهاب الدين الحارمي صاحب حماة الصفح عنهم بسؤال سنان فرحل عنهم إلى مصر، وسنان هذا هو أبو الحسن سنان بن سليمان بن محمد الملقب راشد الدين صاحب قلاع الإسماعيلية ومقدم الفرقة الباطنية بالشام وإليه تنسب الطائفية السنانية وهو الذي كتب إلى صلاح الدين جواب كتاب كان هدده فيه على ما نقل ذلك ابن خلكان وافتتحه بقوله:
يا ذا الذي بقراع السيف هدَّدنا
…
لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قام الحمام إلى البازي يهدّده
…
واستيقظت لأسود البرّ أَضْبُعه
أَضحى يسدّ فم الأفعى بإصبعه
…
يكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه
ثم أردف هذه الأبيات بكتاب كله تهديد لصلاح الدين وقد كتب إليه مرة أخرى:
بنا نلت هذا الملك حتى تأثلت
…
بيوتك فيها واشمخرَّ عمودها
فأصبحت ترمينا بنبلٍ بنا استوى
…
مغارسها منا وفينا حديدها
وفي ذلك بيان لقوة الإسماعيلية في عصر صلاح الدين وكانوا يتهددونه كما يتهددهم ولذلك كان يغضي في الغالب عنهم وإن حاولوا اغتياله غير مرة. ولما بلغ عسقلان 573 وشن الغارات على الفرنج طلعوا عليه وهو في بعض العسكر فقاتلهم أشد قتال، وقاربت حملات الفرنج السلطان فانهزم إلى مصر على البرية ومعه من سلم، فلقوا مشقة وعطشاً وأسر الفرنج العسكر المتفرق في الإغارة، وأسر الفقيه عيسى من أكبر أصحاب صلاح الدين فافتداه بعد سنين بستين ألف دينار هذا مع أن جيش صلاح الدين كان نحو عشرين ألفاً وقعت الكسرة عليهم لأنهم كانوا متفرقين في الغارات وكسروا ومعظمهم لم يعلم بالهزيمة. وفي هذه السنة حصر الفرنج حماة طمعاً بهزيمة صلاح الدين وبعده وكادوا يمكلونها فجد
المسلمون في القتال ثم رحلوا عنها إلى حارم. وفيها قبض الملك الصالح على كمشتكين متغلباً على الأمر وكانت له حارم فعذب كمشتكين وأصحابه ليسلموا