الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تولى دمشق سنة 976 وعمر جامعاً في السويقة المحروقة وهو صاحب خيرات وحسنات أيضاً.
وأثنى المؤرخون على أحمد بن الأمير قانصوه الغزاوي الساعدي الذي تولى إمارة عجلون وما والاها من كور الكرك والشوبك بعد وفاة أبيه، وباشر الإمارة في هاتيك النواحي في زمن سلطنة مراد بن السلطان سليم وقالوا: إنه كان قليل الأذى للرعايا وهو من قوم لهم قدم في الإمارة في هاتيك الديار، كانوا في زمن الشراكسة أمراءها وكان من أجداده محمد بن ساعد أميراً في جبل عجلون. ومنهم درويش باشا نائب دمشق وصاحب الجامع المنسوب إليه وخان الحرير 987 ومن ظلمتهم والي حلب حسين باشا المتوفي 949 كان كثير القتل سفاكاً للدماء على صورة قبيحة من تكسير الأطراف والإحراق بالنار والمحرق حي وغير ذلك، متناولاً للرشى لا نفع له سوى مضرة اللصوص، ومن سفاكيهم العظام سنان باشا فاتح اليمن وصاحب الجامع المنسوب إليه بدمشق وقد ذكر ابن المقار جريدة مخلفاته التي أرسلت إلى الاستانة بعد موته فإذا هي تساوي بضعة ملايين من الدنانير. وقد قال مؤرخو الترك: إن الخيرات التي قام بها سنان باشا في ممالك مختلفة من جوامع ومدارس وتكايا وخانات تقدر نفقاتها بمليوني ليرة ذهب بسكة زماننا، وإن ما عمره من المعاهد والمباني الفخمة في الأقطار التي نزلها تناهز المائة. لا جرم أنه من العتاة الطغاة الذين يجيزون خراب الولايات ليعمروا جيوبهم وخزائنهم، وأعمالهم الخيرية قد تأتي بالعرض أو لحب الشهرة. وأقبح بصدقة أو عمل خير يكون أصل ما أنفق عليه من قتل الأنفس والمال الحرام.
حالة البلاد في الحكم العثماني:
حكم الشام في هذه الحقبة من الزمن أي مدة 78 سنة أربعة من ملوك آل عثمان وهم سليم الأول وسليمان القانوني وسليم الثاني ومراد الثالث، وظلت روح الدولة في هذه الديار لم تتغير. ولئن جاء فيهم واضع القوانين المدعو بالقانوني السلطان سليم وطال عهده على ما لم يقع له مثال في تاريخ هذه الدولة، فإن الشام كانت حالة بعد الفتح العثماني تنتقل من سيئ إلى أسوأ، والوالي أو
الولاة في هذه الديار يكونون على الأغلب ممن لا ذمم لهم ولا قدرة إلا على جلب المغانم لأنفسهم، وإزهاق الأرواح في ذاك العصر من الأمور الهينة التي لا تستغرب.
بعد الفتح العثماني واندحار المماليك في مرج دابق والضرب على أيدي العصاة في فلسطين، كان الرجاء معقوداً أن تخلد الشام إلى الراحة ويرفرف عليها طير السعد، فزادت المكوس والضرائب على وجهٍ قاسٍ، وكثر فساد جيش الدولة من الانكشارية والسباهية، فكان يأتي على الأخضر واليابس في المدن والقرى، خصوصاً إذا جاء البلاد منهم فوق حاميتها كتائب أخرى لتشّي فيها، وهناك يزيد الاعتداء على البيوت والأعراض والأموال. وربما تخطفوا النساء والأولاد في الأزقة رابعة النهار، وفي أول حكم السلطان سليمان أي بعد أربع سنين من الفتح كان ما كان من عصيان الغزالي فهلك كثير من الأبرياء في دمشق وحلب، وارتكب الوزير فرهاد باشا لتسكين الفتنة والضرب على يد الثائر من الشدة ما عج بالشكوى منه كل إنسان.
ويمكن حصر مصائب هذا الدور في أمور ثلاثة: ظلم الوالي ويكون في الغالب عاتياً مرتشياً، وظلم الجند في حلهم وترحالهم، وشقاء الديار بصغار الأمراء من أهلها، في الجبال والسهول، وكبار أرباب النفوذ في المدن. وهذه الطبقة تطورت تطوراً جديداً في عهد العثمانيين فكانت من أكبر الأسباب في فساد البلاد، ولو صلحت وسلمت من ظلم بعضها بعضاً لما استطاع الوالي التركي والقاضي التركي
والقائد التركي أن يعملوا مباشرة في هذا القطر عملاً مضراً. وأهمُّ من هذا وذاك أن الدولة العثمانية على عهد عزها لم تفكر إلا في الفتوح، وفي حرب من يجاورها من صغار الأمراء والملوك، حتى إذا كانت أيام إدبارها وهي تبدأ من أواخر سلطنة سليمان القانوني، كانت همتها مصروفة إلى قمع الفتن الأهلية، ورد عادية أعدائها عن مملكتها الواسعة.
إن ابن الشام لا يهتم كثيراً إذا بلغت جيوش الدولة العثمانية أواسط أوربا في فتوحها وفتحت بودابست وأشرفت على فينا، وإذ فتح سليمان زهاء ثلاثمائة حصن وقلعة، وأصبح اسمه في الغرب مضرب الأمثال في الرهبة، فكانت بعض الأمهات يخوفن أبناءهن باسمه إذا أردنهم على الرقود والكف علن البكاء،
ولا يهتم ابن الشام أيضاً إذا كثرت الخيرات على العاصمة بما يصرف فيها من أموال المغانم والمغارم، ما دامت طرق الجباية عنده منهكة لقواه، وما دام الولاة يسفون لأخذ المكوس لأنفسهم من الحانات ومن المسكرات، وما دامت الضرائب تستوفي حتى من المغنيات والمومسات، وما دامت المناصب الكبيرة دع الصغيرة يتوصل إليها بطرق دنيئة على سبيل الضمان والإيجار، وما دام الأمن مختل النظام وأهل البادية ولصوص الأعراب على عاداتهم في السلب والنهب، ومن المتعذر أن ينتصف المظلوم من الظالم، وأن تعمل الدولة في باب العمران جزءاً مما تأتي في تخريبه.
وضع السلطان سليمان قوانينه وما ندري إذا كانت وصلت إلى هذه الديار، وهب أنها انتهت إليها فهي في السجلات محفوظة، لم يطبق منها إلا ما لا ينفع العلم به ولا يضر الجهل بمضامينه. وما دام القانون السماوي الذي عملت الشام به منذ الفتح الإسلامي غير نافذ على ما يجب، فما الحال بقانون يعمله رجال قد يغيرون من الغد اجتهادهم وهو يتعذر تطبيقه وإنفاذه؟ بدأت الدولة منذ دور سليمان
بالرسميات وأخذت تلقي الشغب بين العلماء، وذلك برتب اخترعتها لهم وجرايات أدرتها عليهم، فزادت لأجل هذه النفقات الضرائب والخراج على الأمة وكثر التنافس بينهم، وقلّ القولون بالحق من رجال العلم، وأنشأ معظمهم يدلسون ويوالسون ويمتدحون السلطان مهما ضل وغوى، وسهل بعد ربط العلماء بروابط الرتب والرواتب أن يستصدر السلاطين كما قال ضياء باشا فتاوى بقتل الأبرياء ممن تغضب عليهم الدولة، وكان الذين يقتلون كل سنة على هذه الصورة عدداً من الناس لا يستهان به وفيهم العاقل والراكة، وكل من في قتله راحة للدولة أو مصلحة يتوهمها السلطان وبعض الزبانية الطغاة من ولاته، وقد تعاقب على دمشق خلال القرن العاشر أي مدة 78 سنة خمسة وأربعون والياً وعلى حلب سبعة عشر، ولم يحس الناس بتبدل نافع في حكم العثمانيين من عهد المماليك حتى بعد ثمانية عقود من السنين.