الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان كيوان أحد كبراء الأجناد في دمشق خلال هذه المدة ينزع إلى التعدي ولا شكيمة ترد جماحه، ولا وازع يكف من غربه، فأخذ الناس بالتهمة وتطاول إلى أخذ أملاكهم حتى استولى على أكثر بساتين الربوة والمزة من ضواحي دمشق وضم بعضها إلى بعض، وكان إذا أخذ حصته من مكان احتال على الشركاء فيه حتى يأخذ حصصهم طوعاً أو كرهاً، وكان نواب محكمة الباب وأعيان شهودها يساعدونه على عدوانه حتى أهلك الحرث والنسل. وذكر الغزى أن كيوان الطاغية أعيا أهل دمشق ظلماً وفتنة، وكانت بداية كيوان نهاية أويس ثم تجاوز عنه بمراتب، فطمع هو وقائد الصالحية أولاً في أملاك الفلاحين، واستخلاص ما ملكوه بالشراء أو بالمغارسة، فكان يعمل الحيلة لأحدهم حتى يوقعه في مخالب صاحب الشحنة ولو بالتهمة والاستتباع. وقد اقترف يوسف السقا من الأجناد الدمشقيين ضروب المظالم، وصادر الناس في أموالهم وعقارهم، وقبض على غالب أعيان دمشق وشيوخها وهرب بعضهم، واغتصب من تجارها المشاهير وبعض أهلها الضعفاء مالاً جزيلاً أناف على مائتي ألف دينار ومن التحف والأقمشة ما لا
يحصى. ومثل هذه الشؤون كانت تجري على مشهد من الولاة ويتغاضون عنها لأنها قد تكون بإيعازهم وهم لا محالة شركاء أولئك الزعماء.
حملات على الأمير فخر الدين المعني وغيره:
أدركت الدولة أن خطر فخر الدين المعني على حياتها في هذه الديار زاد عن سنة 1020 وأنه تأصلت أحكامه بعد عودته من إيطاليا، وما كانت في حملتها الأولى والثانية لتغضي عن تخريب الأقاليم إلا اضطراراً، فساق هذه المرة مصطفى باشا والي دمشق 1033 جيشاً على فخر الدين فاستظهر هذا بالأمير محمد الشهابي حاكم وادي التيم كما استظهر حاكم الشام بابن سيفا حاكم طرابلس وابن الحرفوش صاحب بعلبك فهلك جمهور من عسكر دمشق قدر بمائتي قتيل ولم يقتل سوى رجال قلائل من جماعة ابن معن، وكانت الوقعة في عين الجر عنجر. وقبض جماعة ابن معن على والي دمشق فجاء الأمير فخر الدين وقبل ذيله، وقيل شفع بالوالي علماء دمشق
وكبراؤها لدى ابن معن، ورجع عسكر دمشق مفلولين وفي رواية أنهم خامروا على الوالي وأطلق الأمير فخر الدين والي دمشق مكرماً، فعاد إلى الفيحاء ينتقم ممن كان السبب في غزو ابن معن. وهذه الوقعة زادت في مكانة أمير لبنان في نظر الدولة والأمة، ودلت على أنه كان مع قوته عاقلا بعيد النظر، وأنها عاجزة عن أخذه إلا بتجهيز جيش عظيم لأنها حاولت غير مرة ذلك فرجعت بالخيبة خصوصاً وقد علمت محالفته لكوسموس الثاني كبير دوجات طسقانه، وأن فخر الدين لما استظهر بأسطول فرديناند الطسقاني استولى على ساحل الشام وغلب جيش الدولة غير مرة.
وفي سنة 1033 أيضاً جلس جماعة الوالي بدمشق على الطرق ومعهم الريش يضعونه على رأس كل من يرونه وينادون عليه مستاهل لم يقدر أن يرفعها من شدة الخوف قال المقار: فلما كملوا أرسلوهم إلى اليمن فقتلوا كلهم هناك. ومعنى ذلك أن الدولة كانت تريد تجنيد أناس لترسلهم من الشام إلى اليمن فلم تر أظرف ولا أعدل من هذه الطريقة في التجنيد. وفي سنة 1038 عين والي دمشق شرذمة من العسكر لمنازلة بني شهاب في وادي تيم الله بن ثعلبة فنهبوا قراهم وأحرقوها.
وقد وزعت الدولة عسكرها على كور الشام ليشتي فيها سنة 1041 وكان جيشاً كبيراً فخض دمشق منهم أثنا عشر ألف جندي ما عدا أتباعهم، وكان مأكلهم ومشربهم من أهل دمشق وأقاموا بها أربعة أشهر، فلما عزموا على السفر أخذوا ترحيلة من أهل دمشق خمسين قرشاً من كل دار فاضطرب أهل دمشق اضطراباً عظيماً. وقال أبو بكر العمري من قصيدة وصف بها سنة القشلق:
قوم من الأتراك عاثوا بها
…
على خيول ضمّر شبق
من جهة الشرق لقد أقبلوا
…
والشر قد يأتي من المشرق
في رقعة الشام غدت خيلهم
…
وذلت الأرخاخ للبيدق
أجلوا أهالي الدور عن دورهم
…
بالسيف والدبوس والبندق
واتخذوها مسكناً دونهم
…
بالفرش من خز واستبرق
وحملوهم كلفاً أعجزت
…
غنيهم جهداً فكيف الفقير