الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة الأيوبية
من سنة 589 إلى سنة 637
أبناء صلاح الدين واختلافهم ودهاء عمهم العادل:
اهتزت أعصاب المملكة لمهلك صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام واليمن والبلاد الشرقية لأنه الفاتح الثاني لبيت المقدس كما كان عمر بن الخطاب الفاتح الأول. وقد خلف صلاح الدين سبعة عشر ذكراً وابنة واحدة، وناب بعض أولاده عنه في أكثر أقاليمه وخلف أخاه الملك العادل أبا بكر، وكان ينوب عنه في مصر والشام في حياته فوقع الخلف بين بنيه وعمهم في الباطن أولاً، ثم أعلن كل واحد لصاحبه خصومته. وكان كثير ممن ربوا في نعمة الدولة الصلاحية ورأوا من عدلها ما لم يكد يسبق له مثيل إلا في دولة نور الدين، يتخوفون أن تصير حال الدولة بعد صلاح الدين إلى الشقاق والنزاع، ومن الذين أوجسوا خيفة من ذلك القاضي الفاضل وزير صلاح الدين الأكبر فقد كتب إلى ولده الملك الظاهر ساعة موت السلطان من كتاب إن وقع اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم، وإن كان غير ذلك فالمصائب المستقبلة أهونها موته وهو الهول العظيم.
وكان الملك الأفضل نور الدين علي أكبر أولاد صلاح الدين قد حلف له الناس عندما اشتد مرض والده فاستقر في ملك دمشق وما إليها، وبالديار المصرية الملك العزيز عماد الدين عثمان، وبحلب الملك الظاهر غياث الدين غازي، وبالكرك والشوبك والأقاليم الشرقية الملك العادل أبو بكر بن أيوب، وبحماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر وببعلبك الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه، وبحمص والرحبة وتدمر شيركوه بن
محمد، وببصرى الملك الظافر خضر بن صلاح الدين، وكان في
خدمة أخيه الملك الأفضل، وبيد جماعة من أمراء الدولة مدن وحصون، منهم سابق الدين عثمان بن الداية وبيده حصن شيزر وحصن أبي قبيس، وناصر الدين بن كورس وبيده صهيون وحصن برزية، ودلدرم بن بهاء الدين ياروق وبيده تل باشر، وأسامة الحلبي وبيده كوكب وعجلون، وإبراهيم بن شمس الدين ابن المقدم وبيده بعرين وكفرطاب وأفامية. ولما ألقي للملك الأفضل زمام السلطنة بعهد أبيه استوزر ضياء الدين بن الأثير الجزري فحسن له طرد أمراء أبيه ففارقوه إلى أخويه العزيز بمصر والظاهر بحلب، ولما اجتمعوا بمصر حسنوا للملك العزيز الانفراد بالسلطنة، ووقعوا في أخيه الأفضل فحصلت الوحشة بين الأخوين الأفضل والعزيز واستحكم الفتور 590 بينهما فسار العزيز في عسكر مصر وحصر أخاه الأفضل بدمشق عشرة أشهر وقطع الماء عنها. فأرسل الأفضل إلى عمه العادل وأخيه الظاهر وابن عمه الملك المنصور صاحب حماة يستنجدهم، فساروا إلى دمشق وأصلحوا بين الأخوين وعاد كل ملك إلى بلده. قال العماد الكاتب: ولما انفصلت العساكر عن دمشق شرع الأفضل في اللهو واللعب، واحتجب عن الرعية وانقطع إلى لذاته، فسمي الملك النوّام، وفوض الأمر إلى وزيره الجزري، وحاجبه الجمال محاسن بن العجمي، فأفسدا عليه الأحوال وكانا سعيا لزوال دولته واستبدلا أراذل الناس بكبراء الأمراء والأجناد ففسدت أمور العباد. وفي هذه السنة استعادت الفرنج حصن جبيل وأخذ الأفضل من الفرنج جبلة واللاذقية.
وفي السنة التالية عاود الملك العزيز عثمان صاحب مصر قصد الشام ومنازلة أخيه الملك الأفضل، فسار ونزل الفوار من أرض السواد فاضطرب بعض عسكر العزيز عليه وهم طائفة من الأمراء الأسدية وفارقوه فعاد العزيز إلى مصر. وكان الأفضل استنجد بعمه العادل لما قصده أخوه، فلما رحل العزيز إلى مصر رحل
الملك الأفضل وعمه العادل ومن إليهما من الأسدية، وساروا في أثر العزيز طالبين مصر فنزلوا على بلبيس، وقصد الملك الأفضل مناجزة من فيها من جند العزيز فمنعه عمه العادل وقال: مصر لك متى شئت. وكاتب العادل العزيز وأمره بإرسال القاضي الفاضل ليصلح بين الأخوين. وكان القاضي الفاضل قد اعتزل عن ملابسة أولاد صلاح الدين لما رأى من فساد أحوالهم على ما رواه
المؤرخون - والقاضي الفاضل هو الذي كان صلاح الدين يقول في ملإ من الناس: لا تظنوا أني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم الفاضل وكان يستشيره في أموره - فدخل الملك العزيز على القاضي وسأله أن يتوجه من القاهرة الى الملك العادل ففعل واجتمع به واتفقا على أن يصلحا بين الأخوين فأصلحا بينهما وأقام العادل بمصر عند العزيز ابن أخيه ليقرر أمور مملكته وعاد الأفضل إلى دمشق وأموره بيد الجزري يدبرها برأيه حتى كثر شاكوه وقل شاكروه. وكان الاعتماد على مشورة الوزير الجزري الذي زين للملك الأفضل إقصاء أمراء أبيه ليخلو له الجو أول خطوة نحو خراب بيت بني أيوب، وبعبارة أصح أبناء صلاح الدين يوسف. وقوة الدولة على نسبة عقل القائمين بها، الدافعين عن حوزتها، الغيورين على بقائها، وقد خالف الملك الأفضل سيرة أبيه فأقصى العقلاء وكان أبوه يفادي بكل مرتخص وغال لاستمالة قلوبهم وكان لسان حال العادل وقد رأى اختلاف أبناء أخيه المثل المأثور لم آمر بها ولم تسؤني. قال سبط ابن الجوزي لما عاد الأفضل إلى دمشق ازداد وزيره الجزري من الأفعال القبيحة وآذى أكابر من الدولة، والأفضل يسمع منه ولا يعدي أحداً ولا يخالفه، فكتب قيماز النجمي وأعيان الدولة إلى العادل يشكونه، فأرسل العادل إلى الأفضل يقول: ارفع يد هذا الأحمق السيئ التدبير القليل التوفيق فلم يلتفت، واتفق مع العزيز على النزول إلى الشام فسار إلى الشام فاستشار الأفضل أصحابه فكل أشار عليه أن يلتقي عمه وأخاه ولا يخالفهما إلا الجزري
فإنه أشار عليه بالعصيان فاستعد للحصار وحلف الأمراء والمقدمين وفرقهم في الأبراج وعلى الأسوار.
اتفق العادل مع العزيز على أن يأخذا دمشق وأن يسلمها العزيز إلى العادل لتكون الخطبة والسكة للعزيز في جميع المملكة كما كانت لأبيه، فخرجا وسارا من مصر فأرسل الأفضل إليهما فلك الدين وهو أحد أمرائه وهو أخو الملك العادل لأمه ونزل العادل والعزيز على دمشق وقد حصنها الأفضل، فكاتب بعض الأمراء من داخل البلد العادل وصاروا معه وأنهم يسلمون المدينة إليه، فزحف العادل والعزيز فدخل الأول من باب توما والثاني من باب الفرج، فأجاب الملك الأفضل إلى تسليم القلعة وانتقل منها بأهله وأصحابه، وأخذت بصرى من الملك الظافر خضر أخي الأفضل وكان معاضداً له، وأعطي الأفضل صرخد