الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها:
لهفي على كتب العلوم ودرسها
…
صارت معانيها بغير بيان
أعروسنا لك أُسوة بحماتنا
…
في ذا المصاب فأنتما أختان
غابت بدور الحسن عن هالاتها
…
فاستبدلت من عزها بهوان
ناحت نواعير الرياض لفقدهم
…
فكأنها الأفلاك في الدوران
حزني على الشهباء قبل حماتنا
…
هو أول وهي المحل الثاني
لا تدّعي الأحزان يا شقراءنا
…
السبق للشهباء في الأحزان
رتعت كلاب المغل في غزلانها
…
وتحكمت في الحور والولدان
لهفي عليك منازلاً ومنازهاً
…
ومقام فردوس وباب جنان
ثم رجع ورثي دمشق فقال:
لم أدر من أبكي وأندب حسرة
…
للقصر للشرفين للميدان
للجبهة الغراء أم خلخالها
…
للمزّة الفيحا أم اللوّان
-
الخراب الأعظم وأخلاق تيمور ونجاة فلسطين منه:
وعلى ما منيت به دمشق من قتل سكانها وسبي نسائها وأولادها، وإحراق مصانعها وبيوتها، واستخراج أموالها وطرائفها، أصابتها من تيمور مصيبة لا تقل عن تلك في إرجاعها القهقري وإضعافها إضعافاً لا يجبر كسره في قرون وإليك ما قاله ابن عربشاه في تفصيل هذا الهول العظيم: وبينا كان رجال يحاصرون قلعة دمشق أخذ هو يتطلب الأفاضل وأصحاب الحرف والصنائع، واستمر نهب عسكر تيمور لدمشق ثلاثة أيام، وارتحل وجماعته وقد أخذ من نفائس الأموال فوق طاقتهم، فجعلوا يطرحون ذلك في الدروب والمنازل، وذلك لكثرة الحمل وقلة الحوامل، وأصبحت القفار والبراري، والجبال والصحاري، من الأمتعة والأقمشة، كأنها سوق الدهشة، وكأن الأرض فتحت خزائنها، وأظهرت من المعادن والفلزات كامنها، وأخذ تيمور كل ماهر في فن من الفنون بارع من النساجين والخياطين والحجارين والنجارين والاقباعية والبياطرة والخيمية والنقاشين والقواسين والبازدارية وبالجملة أهل أي فن كان، وأخذ جملة من العلماء والأعيان والنبلاء، وكذلك كل أمير من أمرائه
وزعيم من زعمائه، وأخذ من الفقهاء والعلماء، وحفاظ القرآن والفضلاء، وأهل الحرف والصناعات، والعبيد والنساء والصبيان والبنات، ما لا يسعه الضبط.
ولما رحل تيمور عن دمشق، وقد أصبحت أطلالاً لا مال ولا رجال ولا مساكن ولا حيوان، صار من بقي فيها من عسكر السلطان ومن أهلها يجتمعون ويترافقون، ويخرجون من دمشق إلى الديار المصرية فيخرج عليهم العربان والعشير، وينهبون ما معهم ويعرونهم ولم يتركوا لهم غير اللباس في وسطهم، فجرى عليهم من العربان والعشير ما لم يجر عليهم من عسكر تيمور، فذهبت حرمة المملكة ولم يبق للسلطان قيمة ولا للترك حرمة، فعزم السلطان الناصر على العود إلى دمشق، ثم بلغه أن تيمور رحل عن دمشق وهو مريض فعدل عن
حملته، وأرسل تيمور إلى صاحب مصر سودون نقيب قلعة دمشق يعتذر له مما قد جرى، ويطلب قريبه الذي كان أسر في أيام الظاهر برقوق، وأنه إذا أطلقه يطلق ما عنده من الأسرى، فأطلقه وكساه السلطان وأحسن إليه، فلما وصلوا إلى تيمور أكرمهم وقبل مراسيم السلطان وتفارش وبكى واعتذر مما وقر منه وقال هذا كان مقدراً.
رحل تيمور عن دمشق ولم يتعدها إلى فلسطين، وكان علماء القدس انتدبوا رجلاً وجهزوه بمفاتيح الصخرة إلى تيمور لما بلغهم أخذه دمشق فلما كان بالطريق بلغه رجوعه فرجع.
وكانت أكثر المدن الصغرى في أواسط الشام قد خضعت وصافت بحكم الطبيعة ومنها طرابلس أحضر له منها مال وقد اجتاح بعلبك ونهبها، ولما وصل الجبول في عودته لم يدخلها وأمر بتخريبها وإحراقها، وحرق حلب مرة ثانية وهدم أبراج القلعة وأسوار المدينة والمساجد والجوامع والمدارس، وقتل وأسر كل من وجدهم في طريقه، وأخذ من كان في قلعة حلب من المعتقلين خلا القضاة فأطلق موسى الأنصاري وعمر بن العديم وجماعة معهما، وأخذ بقيتهم فمنهم من هرب من الطريق، ومنهم من وصل معه. قفل تيمور راجعاً بعد أن أذاق الشام كأس الذل والحمام، وربما إذا جمعت جملة تخريباته لا يتأتى وقوع مثلها في مئات من الأعوام عملها بجيشه الجرار في عشرات من الأيام وقال: إن ما فعله كان مقدراً فكأنه شعر بعظم تبعته على عادة الفاتحين السفاكين، بيد أنه كان مغرى
بغزو المسلمين والتخلي عن غيرهم، صنع ذلك في الروم والهند وغيرهما، ولكن ما فعله لم يكن كله عن غير علم بل أخذ بما يؤخذ به كل من تفانى في الوصول إلى غرض، ويستحيل بعد أن فتحت عليه الأقاليم وفتح ثلث آسيا تقريباً بالقهر والسيف وجعل جيشه مؤلفاً كالجيش العثماني من جميع العناصر التي كانت تحت حكمه أن
لا يكون على شيء من العلم وبعد النظر. وكان يصحب معه في رحلاته زمرة من العلماء المحققين.
ولو قدّر للدولة أن يكون فيها سلطان يحسن الانتفاع بالقوة، ويحالف ابن عثمان صاحب الروم وغيره من أمراء الشرق الذين فاوضوا ملك مصر والشام في أمر تيمور قبل انهيال جمهرة جيوشه على ديارهم ونظموا قواهم واستعملوا اللين تارة والشدة أخرى، ولم يفتحوا للفاتح العظيم باباً من أبواب الحجج التي يحجهم بها في عرف السياسة والفتح، لأمنت هذه الديار عادية تيمور أو لكان اكتفى بمعاهدة تضمن له بعض الغرامات فرحل بسلام، لأن تيمور يعرف بأن مملكته أوسع مجالاً يتيسر بقاؤها لآله لقربها من مهد عصبيته ودار ملكه.
بيد أنه لم يكن في مصر ولا الشام على ذاك العهد رجل سياسي بعيد النظر والغور في السياسة كالظاهر برقوق والظاهر بيبرس مثلاً فكان ما كان لأن الديار أصبحت بلا راع يرعاها، وغدا الحكم لمماليك الطبقة الثانية من عماله، ولمن يتحمسون لأول وهلة ثم يقودون أمتهم بجهلهم إلى الخراب، والغالب أن السبب في رجوع تيمور انتشار الجراد حتى أكل الناس أولادهم فأصبح من المتعذر عليه بعد ذلك تموين جيشه العظيم، وبهذا الرأي قال ابن حجر فذكر أن رحيل تيمور إنما كان لضيق العيش على من معه فخشي أن يهلكوا جوعاً. وقيل: إن تيمور أراد أن يفتح مصر فأرسل جماعة من قواده يكشفون له الطرق فلما عادوا قصوا عليه ما رأوه وهو ساكت حتى أتوا على حديثهم فقال لهم: إن مصر لا تفتح من البر تحتاج إلى أسطول لتفتح من البحر ولذلك صرف النظر عن فتحها، وهكذا نجت مدن الجنوب في الشام من تخريبه وكذلك مصر وما إليها من بلاد إفريقية وسلمت الدولة الشركسية.