الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفي الأشرف 635 وتملك دمشق بعده أخوه الصالح إسماعيل بعهد منه. قال أبو الفداء: وكان الأشرف مفرط السخاء يطلق الأموال الجليلة النفيسة، وكان ميمون النقيبة لم تنهزم له راية، وكان سعيداً ويتفق له أشياء خارقه للعقل. وعلّل الأشرف سبب الوحشة بينه وبين أخيه الكامل ثم صاحب مصر أن الأشرف لم يبق بيده غير دمشق وعمالتها، وكانت لا تفي بما يحتاجه وما يبذله وقت قدوم أخيه الكامل إلى دمشق، ولما فتح الكامل آمد وما إليها لم يزده منها شيئاً وبلغه أن الكامل يريد أن ينفرد بمصر والشام وينتزع دمشق منه فتغير بسبب ذلك، ولما بلغ الكامل في مصر وفاة أخيه الأشرف سار إلى دمشق وكان الصالح إسماعيل قد استعد للحصار ووصلت إليه نجدة الحلبيين وصاحب حمص، فنازل الكامل دمشق وأخرج الصالح النفاطين فأحرق العقيبة جميعها وما بها من خانات وأسواق، وفي مدة الحصار وصل من عند صاحب حمص رجالة يزيدون على خمسين رجلاً نجدة للصالح إسماعيل، فظفر بهم الكامل فشنقهم بين البساتين عن آخرهم، وحال نزول الكامل على دمشق أرسل توقيعاً للمظفر صاحب حماة بسلمية ثم سلم الصالح إسماعيل دمشق إلى الكامل وتعوض عنها بعلبك والبقاع مضافاً إلى
بصرى. قال ابن أبي شامة في هذا الحصار: إنه كان أكثر خراباً في ظاهر البلد وحريقاً ومصادرة وأقل غلاءً ولم تطل مدته فإن الصلح جرى، ووافق اليوم الذي كسرت فيه الفرنج على دمياط اليوم الذي فتحت فيه آمد.
وفاة الملك الكامل وحال الشام بعده:
توفي الكامل بدمشق هذه السنة 635 بعد أن حكم في مصر نائباً وملكاً نحو أربعين سنة، حكم نائباً نحو عشرين سنة وملكاً نحو عشرين، وكان ملكاً جليلا مهيباً حازماً حسن التدبير أمنت الطرق في أيامه وكان يباشر تدبير المملكة بنفسه. قال ابن خلكان: كان سلطاناً عظيم القدر جميل الذكر، محباً للعلماء متمسكاً بالسنة النبوية حسن الاعتقاد، معاشراً لأرباب الفضائل، حازماً في أموره، لا يضع الشيء إلا في موضعه من غير إسراف ولا إقتار. وكان يخطب له بمكة: مالك مكة وعبيدها، واليمن وزبيدها، ومصر وصعيدها، والشام وصناديدها الخ.
وكان مع الكامل بدمشق الناصر داود صاحب الكرك فاتفقت آراء الأمراء على تحليف العسكر العادل أبي بكر بن الكامل، وهو حينئذ نائب أبيه بمصر فحلف له جميع العسكر وأقاموا في دمشق الملك الجواد يونس بن مودود بن العادل نائباً عن العادل أبي بكر بن الكامل، وتقدمت الأمراء إلى الناصر داود بالرحيل عن دمشق وهددوه إن أقام، فرحل إلى الكرك وتفرقت العساكر. وأرسل صاحب حمص فارتجع سليمة من صاحب حماة، وقطع القناة الواصلة من سلمية إلى حماة فيبست بساتينها، ثم عزم على قطع نهر العاصي عن حماة فسدّ مخرجه من بحيرة قدس بظاهر حمص فبطلت نواعير حماة والطواحين.
لما بلغ الحلبيين موت الكامل اتفقت آراؤهم على أخذ المعرة ثم أخذ حماة من صاحبها المظفر لموافقته الكامل على قصدهم، ووصل عسكر حلب إلى المعرة وانتزعوها من يد المظفر وحاصروا قلعتها، وخرجت المعرة عن ملك المظفر، ثم
سار العسكر الحلبي ونازلوا حماة ونهبوا أرجاءها، ولما لم يبق بيد المظفر غير حماة وبعرين خاف أن تخرج بعرين بسبب قلعتها فتقدم بهدمها فهدمت إلى الأرض.
وجرى بين الناصر داود صاحب الكرك وبين الملك الجواد يونس المتولي على دمشق مصاف بين جينين ونابلس، انتصر فيه الجواد يونس وانهزم الناصر داود هزيمة قبيحة، وقوي الملك الجواد بسبب هذه الوقعة وكان في عسكر مصر والشام، وتمكن من دمشق ونهب عسكر الناصر وأثقاله. واستولى الصالح أيوب بن الكامل على دمشق وأعمالها بتسليم الجواد يونس وأخذ العوض عنها سنجار والرقة وعانة، ولما استقر ملك الصالح بدمشق وردت عليه كتب المصريين يستدعونه إلى مصر ليملكها، فذهب وجعل نائبه في دمشق، ولده الملك المغيث فتح الدين عمر، وكان الجواد لما يئس من ملك الشام فرق الضياع على الأمراء وخلع عليهم، وفرغ الخزائن وكان فيها تسعمائة ألف دينار. وفي رواية أنه فرق من خزائن دمشق ستة آلاف ألف دينار وخلع خمسة آلاف خلعة.
وفي سنة 637 هاجم الصالح إسماعيل صاحب بعلبك ومعه شيركوه
صاحب حمص مدينة دمشق وحصروا القلعة فخربت بذلك دور ومدارس تحت القلعة ثم تسلم الصالح إسماعيل القلعة وحاصر الصالح نجم الدين أيوب حمص. ولما بلغ استيلاء عمه إسماعيل على دمشق رحل من نابلس إلى الغور، وكان هناك قاصداً إلى مصر للاستيلاء عليها، ففسدت نيات عساكره عليه، وشرعت الأمراء ومن معه من الملوك يحركون نقاراتهم ويرحلون مفارقين الصالح أيوب إلى الصالح إسماعيل بدمشق، فلم يبق عند الصالح أيوب بالغور غير مماليكه فأصبح لا يدري ما يفعل ولا له موضع يقصده، فأمسكه الناصر داود صاحب الكرك واعتقله عنده مبجلاً. وقصد الناصر داود القدس وكان الفرنج قد عمروا قلعتها بعد موت الكامل
فحاصرها وفتحها وخرب القلعة وضرب برج داود. وتوفي الملك المجاهد شيركوه صاحب حمص وكان عسوفاً لرعيته وملك حمص نحو ست وخمسين سنة ملكه أياها صلاح الدين يوسف.