الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومصر خالية، فأدى هذا الاختلاف إلى انصراف ملك الهنكر مغاضباً إلى بلده فتوجهت باقي عساكرهم إلى دمياط فوصلوها، والعادل نازل على خربة اللصوص بالشام وقد وجه بعض عساكره إلى مصر. وأقام العادل بمرج الصُّفّر وأرسل إلى ملوك الشرق مستحثاً لعساكرهم. ثم سار الفرنج إلى الديار المصرية ونزلوا على دمياط وسار الكامل من مصر ونزل قبالتهم، وأرسل العادل العساكر التي عنده لدفعهم.
وخرب المعظم قلعة الطور 615 بعد أن غرم المسلمون على بنائها أموالاً كثيرة واشتغلت فيها جيوش، وذلك مخافة أن تكون سبباً للاستيلاء على دمشق. ولما مات الظاهر صاحب حلب وأجلس ابنه العزيز وكان طفلاً، طمع صاحب الروم كيكاوس في الاستيلاء على حلب، وكان موت الملك ونصب طفل من أبنائه سبباً كبيراً لطمع أعداء المملكة بأخذها. فاستدعى الأفضل صاحب سمسياط واتفق معه كيكاوس أن يفتح حلب وعمالتها ويسلمها إلى الأفضل، ثم يفتح الأصقاع الشرقية التي بيد الأشرف بن العادل ويتسلمها كيكاوس، وتحالفا على ذلك فاستولى كيكاوس على رعبان وسلمها إلى الأفضل، فمالت إليه القلوب لذلك، ثم سار إلى تل باشر فأخذها لنفسه فنفر الأفضل منه وتغيرت الخواطر عليه، ووصل الأشرف إلى حلب لدفع كيكاوس عن المملكة، ووصل إليه بها مانع بن حديثة أمير العرب في جمع عظيم وكان كيكاوس سار إلى منبج وتسلمها لنفسه، واتقع بعض عسكر الأشرف مع عسكر كيكاوس فانهزمت مقدمة هذا فولى كيكاوس منهزماً، ثم حاصر الأشرف تل باشر واسترجعها مع رعبان وغيرها وتوجه الأفضل إلى سميساط. وفي هذه السنة ورد الأمر إلى المعتمد والي دمشق بالاهتمام والاستعداد
واستخدام الرجال وتخريب دروب قصر حجاج والشاغور وطرف البساتين ونقل غلة داريا إلى القلعة وتغريق أراضيها بالماء فإن الفرنج مظهرون قصدها. والتقى المعظم بالفرنج على القيمون فانتصر عليهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر من الداوية.
وفاة العادل:
توفي الملك العادل في عالقين في الجيدور 615 وكان نازلاً بمرج الصفر وقد أرسل العساكر إلى مصر وولده الكامل بالديار المصرية ومدة ملكه نحو 19 سنة. وكان حازماً متيقظاً غزير العقل سديد الآراء ذا مكر وخديعة، توصل بدهائه إلى أن يرشي نساء قواد الصليبيين بالجواهر والمصنوعات الدمشقية
فيخدمنه مقابل ذلك بخدمات مهمة ويتجسسن له على قومهن. وكان صبوراً حليماً يسمع ما يكره ويغضي عنه، واتته السعادة واتسع ملكه وكثرت ذريته وخلف ستة عشر ذكراً عدا البنات، ورأى في أولاده ما يحب ولم ير أحد من الملوك الذين اشتهرت أخبارهم في أولاده من الملك والظفر ما رآه الملك العادل في أولاده وقد خلف آثاراً مهمة في الولايات التي تولاها، لا يزال بعضها ماثلاً وطهر جميع ولاياته من الكرخ إلى همدان والجزيرة والشام ومصر والحجاز واليمن من النساء والخمور والخواطي والقمار والمخانيث والمكوس والمظالم، وكان الحاصل من هذه الجهات من دمشق على الخصوص مائة ألف دينار. واستمتع العادل بالملك وخدم الدولة خدمة طيبة، وساعده على ذلك ضعف الصليبيين عن الحرب بعد إيقاع أخيه بهم وتشتت كلمة أبناء صلاح الدين.
ولما هلك العادل لم يكن عنده أحد من أولاده حاضراً فحضر إليه ابنه المعظم عيسى وكان بنابلس وكتم موته، وأخذه ميتاً في محفة وعاد به إلى دمشق، واحتوى المعظم على جميع ما كان لأبيه من الجواهر والسلاح والخيول وغير
ذلك، وكان في خزائنه سبعمائة ألف دينار، وحلف له الناس وكتب إلى الملوك من اخوته وغيرهم يخبرهم بموته، ولما بلغ الكامل موت أبيه وهو في قتال الفرنج عظم عليه جداً واختلفت العساكر عليه، فتأخر عن منزلته، وطمعت الفرنج ونهبت بعض أثقال المسلمين، وكان في العسكر عماد الدين المشطوب وكان مقدماً عظيماً في الأكراد الهكارية، فعزم على خلع الملك من السلطنة، وحصل في العسكر اختلاف كثير، حتى عزم الكامل على اللحوق باليمن. وبلغ المعظم ذلك فرحل من الشام ووصل إلى أخيه الكامل وأخرج عماد الدين ونفاه من العسكر إلى الشام فانتظم أمر الكامل، وقويت مضايقة الفرنج لدمياط وضعف أهلها بسبب الفتنة التي حصلت في عسكر الكامل من ابن المشطوب.
وكان العادل قد قسم المملكة في حياته بين أولاده فجعل بمصر الكامل محمداً وبدمشق والقدس وطبرية والأردن والكرك وغيرها من الحصون المجاورة لها ابنه المعظم عيسى، وجعل بعض ديار الجزيرة وميافارقين وخلاط وأعمالها