الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما استقرت الحال بالشام ضرب السلطان سليم المكوس على الناس وعلى
الأحكام الشرعية فتعطلت الحدود. قال الغزي: ولما بلغ الإمام علي بن محمد المقدسي أن العثمانيين ضربوا الجزية حتى على المومسات تنخع الدم من كبده وتمنى الموت، للقهر الذي أصابه وللغيرة على دين الإسلام وتغير الأحكام وقال في دخول السلطان سليم دمشق هذه الأبيات:
ليت شعري من على الشام دعا
…
بدعاء خالص قد سمعا
فكساه ظلمة مع وحشةٍ
…
فهي تبكينا ونبكيها معا
قد دعا من مسه الضر من ال
…
ظلم والجور اللذين اجتمعا
فعلا الحجب دعا فانبعثت
…
غارة الله بما قد وقعا
فأصاب الشام ما حل بها
…
سنة الله التي قد أبدعا
هذا ما رواه مؤرخ ذاك العصر، وربما وكان فيما بلغه مبالغة نشأت من تعصب للدولة الشركسية أو رجاء أخفق، وكان يظن أنه يتم على يد ابن عثمان من إقامة الحدود ورفع المظالم شيء كثير في مدة قصيرة، وما خلت دولة مهما بلغ من سخفها وسخف القائمين بها من أنصار لها على الحق والباطل، وكثير من الأمور إذا نظرت إليها من وجهها راقتك، وإذا ملت إلى الوجه القبيح أحصيت عليها بعض العيوب.
السلطان في دمشق وفي الطريق لفتح مصر:
جهز السلطان سليم جيشه في دمشق وقضى فصل الشتاء فيها يعمر بعض المباني. وقال صولاق زاده: إن السلطان سليماً كان مدة إقامته في دمشق يختلف في الأوقات الخمسة إلى الشيخ محمد بلخشي في جوار جامع بني أُمية وإن السلطان سليماً لما كان يعتقد بالاستمداد من أرواح الأنبياء العظام الطاهرة، وأرباب المقامات الشريفة لم يغفل هذا المقصد مدة إقامته في دمشق، ولما رأى قبر العارف بالله محيي الدين بن عربي قد تداعى وخربت تربته أمر بتعميره على
ما يجب، وأنشأ بجواره جامعاً على أجمل طرز، وعمر زاوية بقربه، ووقف على ذلك عدة قرى ومزارع. وقال أيضاً: إن السلطان سليماً صرف الأمراء
والجند فأخذوا دستوراً إلى مواطنهم ليقضوا فيها فصل الشتاء بعد أن استراح اثني عشر يوماً في المصطبة.
وذكر ابن طولون أن النائب بدمشق ابن يخشي نادى في 2 ذي الحجة 922 بالأمان والاطمئنان، وأن لا ظلم ولا عدوان، ولا يحمل أحد سلاحاً، وأن لا يتكلم أحد فيما لا يعنيه.
سار السلطان عن طريق البر إلى غزة فعصت عليه ففتحها حرباً، والتقى جيش العثمانيين مع جيش المصريين في خان يونس بين غزة والعريش، فشتت الجيش العثماني الجيش المصري، ثم عصت غزة والرملة فقمع ثائر الغزاة فيها، وكانت الوقعة المهمة بين عسكر مصر وعسكر ابن عثمان على الشريعة بالقرب من بيسان اندحر فيها المصريون وقاد جندهم الغزالي. قال ابن طولون: وفي 16 ذي الحجة 922 التقى سنان باشا الوزير الأعظم لملك الروم مع جان بردي الغزالي وكسر الغزالي فدقت البشائر بقلعة دمشق وسيب بها نفط كثير ثم نادى النائب بالزينة واستمرت مدة أسبوع.
ذهب السلطان سليم في جيشه إلى مصر وقتل الملك الذي كان بايع له المصريون بعد هلاك السلطان الغوري واسمه طومان باي، ففتح القطر المصري على أيسر سبب، قال ابن طولون: ولما وردت البشائر بفتح مصر زينت دمشق سبعة أيام ودارت مبشرو الأورام على بيوت الأكابر والحارات بالطبول والنايات ثم أتبعوها بزينة سبعة أيام لما ورد الخبر بأن السلطان سليماً أفنى الشراكسة.
وعاد السلطان عن طريق البر إلى الشام بعد تغيبه ثمانية أشهر ودخل دمشق 11 رجب 923 وفي يوم 22 منه طلبت العساكر النزول في البيوت فهجموا على
النساء وتضرر الخلق بذلك ضرراً زائداً وتحقق أن السلطان عزم على الإقامة بدمشق فغلت الأسعار وعند ذلك شرع بعمارة تربة ابن عربي وصرف عليها عشرة آلاف دينار. ومن غريب التوفيق أن السلطان سليماً كان أعد في ذهابه إلى مصر خمسين ألف جمل لحمل المياه في الصحراء التي تفصل الشام عن مصر فأمطرت السماء مطراً غزيراً أغنى جيشه من ماء الروايا، وسهل عليه قطع صحراء التيه.
وبينا كان السلطان سليم سائراً إلى مصر تأخر من جماعته من في الرملة، أناساً
فشاع الخبر أن أهل المدينة قتلوهم، وبلغ ذلك السلطان فأمر بقتل أهل البلد فقتلوا عن آخرهم ولم يبق فيها ديار ولا نافخ نار. ويقول القرماني: إن السلطان أمر بقتل عامة أهل الرملة عند عودته من مصر وقد بلغه الثقات أن أهلها قتلوا من كان عندهم من العسكر المجروحين. وقال ابن إياس: إن الغزالي لما تلاقى مع سنان باشا على الشريعة أشيع في غزة أن الغزالي قد انتصر على عسكر ابن عثمان وقتل سنان باشا وعسكر ابن عثمان، فبادر على باي دوادار نائب غزة وأجناده فنهبوا وطاق العثمانيين وأحرقوا خيامهم وقتلوا ممن كان في الوطاق والمدينة من العثمانية نحو أربعمائة إنسان ما بين شيوخ وصبيان وممن كان بها مريضاً، فلما ظهر أن الكسرة على عسكر مصر وقتل من قتل من الأمراء رجع سنان باشا إلى غزة فوجد من كان بها قد قتل ونهب الوطاق، فجمع أهل غزة قاطبة وقال لهم: من فعل ذلك بنا؟ قالوا: علي باي دوادار نائب غزة، وأجناد غزة، ولم نفعل نحن شيئاً من ذلك، فأمر سنان باشا بكبس بيوت غزة فوجدوا فيها قماش العثمانية وخيولهم وخيامهم فقال لهم سنان باشا: نحن لما دخلنا غزة هل شوشنا على أحد منكم قالوا: لا. فقال لهم: كيف فعلتم بعسكرنا ذلك، فلم يأتوا بجواب ولا عذر ولا حجة فعند ذلك أمر عسكره أن يلعبوا فيهم بالسيف فقتلوا
منهم كثيرين وراح الصالح بالطالح.
ونصب السلطان والياً على مصر خير باي نائب حلب، ووالياً على دمشق جان بردي الغزالي نائب حماة، وأضاف إلى هذا القدس وغزة وصفد والكرك، وأما حمص وطرابلس والمدن البحرية فجعلها بأيدي عماله من الأتراك، وبقي الحال على ذلك مدة طويلة. وكانت ولاية دمشق تمتد من المعرة إلى عريش مصر على مال معين قدره مائتا ألف دينار وثلاثون ألف دينار. قال شمس الدين سامي: إن جانبردي الغزالي كان قائداً عاماً للجيش الذي أرسله طومانباي لقتال السلطان سليم فغُلب في الوقعة التي جرت في غزة وفرّ ثم رأى أن يستأمن السلطان سليماً ويخدمه، فأعانه على قهر طومانباي وفتح مصر ثم كان سبباً لقتل طومانباي. ومكافأة لخدمته نصبه السلطان والياً على دمشق، أما حلب فقد نصب عليها قره جه أحمد باشا ودام فيها والياً ثلاث عشرة سنة لغنائه وكفايته في خدمة دولته.