الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمير شديد إلى المشايخ الحمادية فأحرق علي باشا قرية العاقورة وأربعين قرية من قرى بني حمادة، ثم نزل عسكر للباشا على عين الباطية فباغته ليلاً آل حمادة والحرافشة وقتلوا منهم خمسة وأربعين رجلاً وانهزم العسكر.
عهد سليمان الثاني والحكم على الخوارج:
توفي محمد الرابع سنة 1099 وتولى السلطان سليمان الثاني والأمور في عهده الطويل لم تتبدل والمرض واحد، وهو سوء الإدارة وخراب العمران وهلاك المال وهتك الأعراض وقتل الرجال. وتم القرن والشام غرض الرماة تصيبها مطامع
الولاة والأمراء وأرباب الإقطاعات والألوية وأهم ما كان فيه مظالم بني سيفا وبني معن وثورة ابن جانبولاذ، والولاة نسق واحد لأنهم نسخة من عصرهم، وإذا كانت أحوال القصر السلطاني ومن فيه مختلة كانت الولايات حقيقة بأن تباع فيها الأرواح بيع السماح، تساوى في ذلك البوادي والحواضر، والناس في أمر مريج لا يستقرون في بلد ويتنقلون في الأرجاء وإذا اشتد الظلم في مكان هجروه إلى موطن يتوهمونه أقل مظالم ومغارم، وأنى لهم مكان يسكنون إليه ويأمن فيه سربهم. وإذا امتاز هذا القرن بنبوغ آل الكوبرلي الذين تولوا الصدارة فإن ما أصاب الشام من عنايتهم جزء صغير جداً لا يكاد يشعر به، وعهد أولئك السلاطين كإبراهيم الفاجر ومصطفى الأبله ينسي عهد محمد الرابع ومراد الرابع.
ولم يؤثر عن هذا القرن أنه أنشئ فيه غير قليل من الجوامع والمعاهد مثل جامع ابشير باشا وخان الوزير بحلب وكان بعض الولاة في القرن الذي قبله يرهقون الرعية ويقيمون شيئاً باسم العمران أما هذا القرن فغاية ما يقال فيه أنه تخريب الموجود. وممن حمدت سيرته من الولاة حسين باشا البالجي أمير صفد ثم طرابلس 1002 فقد كان من أنصف الحكام على ما قال المؤرخون، وإذا كتب لأحدهم أن كان على شيء من الأخلاق ينازعه المنازعون على ولايته في الآستانة فلا يتقلد زمامها إلا بمقدار ما يتعرف إلى أهلها ويدرس طبائعهم ويستقري ديارهم ثم يشخص إلى العاصمة ويستبدل غيره به وهكذا دواليك.
هذا وأهمّ ما كان من حوادث هذا القرن فتنة ابن جانبولاذ التركماني
التي زال بها حكم الدولة عن القطر سنتين وذلك من أذنة إلى غزة ولم يطل أمد هذا الاستيلاء كثيراً إذ كانت دعامته القوة الموقتة، وهو ابن ساعته لم تعدّ له الأسباب بجملتها. أما الأمير فخر الدين بن معن الثاني فإنه كاد يستولي بالفعل على الديار لتنظيم جيشه وتعزيز قلاعه وبسط يده بالعطاء حتى استمال رجال الآستانة أنفسهم،
وعني بإدخال روح التجدد في إمارته ودعي سلطان البركجده الأمير فخر الدين الأول ولو كان لحلفائه دوجات طسقانه إذ ذاك شيء من القوة وأنجدوه بقليل من رجالهم وذخائرهم، ولو لم يشتغل بال البابا وملك إسبانيا وكبير دوجات فلورنسة بحرب الثلاثين سنة لكانوا أعانوه على نيل أمانيه في الاستقلال خصوصاً وهم الذين كانوا يزينون له من قبل الاستيلاء على أنطاكية، فلو قدّر لهم أن ينجدوه لسهل عليه الاستقلال بالشام من عريشه إلى فراته بعد أن تمت له كل معداته، والعقل رائده والحزم قائده، خصوصاً وكان معوّله في قوته على الدروز وهم في هذه الديار على التحقيق منذ القديم من أشجع العناصر التي عرفت بمتانتها ومضائها في الحروب. وكان كثير من مدبريه ورجاله من المسيحيين ولمحبة قومه له ادعته أهل المذاهب الثلاثة في إمارته، فالموارنة يقولون له كان مارونياً والدروز درزياً والحقيقة أنه مسلم سني - خلافاً للمحبي والمرادي - يحسن السياسة والإدارة وينظر إلى رعيته نظر المساواة ويأخذ لخدمته الكفاة من كل طائفة. فهو بلا مراء مثال الأبطال في عصره، وكان على أتم الاستعداد للحرب وعلى معرفة بالإدارة وطبائع الأمة، ولو لم تصرف الدولة العثمانية قوتها كلها في قتاله لعمل في الشام في القرن الحادي عشر ما عمله محمد علي الكبير في مصر في القرن الثالث عشر ولم يكن دونه ذكاء ومضاء ودهاء.