الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غزوة أذلت العزيز وأفقرت الغني وخربت العامر. قال ابن حجر أيضاً: لما رجع تيمورلنك إلى الشرق وكان هذا دأبه إذا بلغه عن مملكة كبيرة وملك كبير لا يزال يبالغ في الاستيلاء عليها إلى أن يحصل مقصوده فيتركها بعد أن يخربها ويرجع، فعل ذلك بالمشرق كله وبالهند وبالشام وبالروم.
أرسلت مصر في سنة 790 عسكراً على تيمورلنك في سيواس فانكسر عسكر تيمورلنك وهذه الوقعة من الوقائع الأولى بين تيمورلنك وعسكر الشام.
القتال على الملك:
خامر يلبغا الناصري نائب حلب 791 وخرج عن الطاعة وقتل سودون المظفري نائب حلب قبله، وأمسك حاجب الحجاب بحلب وجماعة من أمرائها، وأظهر يلبغا العصيان والتف عليه جماعة كثيرة من مماليك الأشرف شعبان، وكان من جملة من التف على يلبغا تمربغا الأفضلي المدعو منطاش مملوك الظاهر برقوق، وعهد سلطان مصر إلى إينال أتابك العساكر بدمشق ليكون نائب حلب وحلّف السلطان الأمراء من الأكابر والأصاغر بأن يكونوا معه على يلبغا الناصري فحلفوا على ذلك جميعهم، وأرسل إلى يلبغا تجريدة.
وانتشب القتال بين أمراء الغرب التنوخية وبين عشران البر أهل كسروان والأمراء أولاد الأعمى، وكان التنوخية ميالين إلى الملك الظاهر والكساروة مع أرغون نائب منطاش في بيروت، فاستظهر أهل كسروان على أمراء الغرب وقتلوا منهم نحو 90 نفراً وأمسكوا جماعة فسمروا بعضهم ووسطوا آخرين وأحرقوا عدة قرى من الغرب وتلقبوا بعشران البر. ثم إن العساكر الظاهرية زحفت على تركمان كسروان وجرت بين الفريقين وقعة في الساحل فقتلوا منهم
جماعة كثيرة، ولما استولى كمشبغا على قلعة حلب عمر أسواق هذه المدينة أحسن عمارة في أسرع وقت وكانت من وقعة غازان خراباً، فلما انتصر كمشبغا على أعدائه قتل غالب أهل محلة بانقوسا وكانوا زيادة على أربعة آلاف نفس وقتل كبيرهم أحمد بن الحرامي وخربها إلى أن جعلها دكاً.
عوامل الخراب قيس ويمن:
ذكر الأسدي أن السبب في خراب الشام في القرن الثامن انتشار الشرور
بين قيس ويمن ووقوع الحرب والقتال بينهم، والسبب في ذلك تغيير العوائد والتدليس على الملوك والحكام وولاة الأمور، بالإغراء والتسلط على الفلاحين بالظلم وطلب العاجل، والعسف في الحكم والميل مع القوي، وإنهاك الضعيف وعدم رد لهفة الملهوف، ومع تغيير العوائد وقع التحاسد بينهم فاضطر كثير من أهل الزرع والضرع إلى التمرد والتشرد وتسلطت العربان والعشران وتراكمت الأهواء ووقع التحاسد والإغراء، فنهبت الأموال وقتلت الرجال وتخلت العشائر وعظمت الفتن بين القبائل، وجلا أهل الزرع والضرع من الفلاحين عن أراضيهم فأوجب ذلك الخراب في كثير من أرجاء الشام، وصارت دمناً يشهد لذلك الديوان من أسماء القرى التي صارت مزارع وتسمى بالخراب الدائر، والموجب لهذا جميعه سوء التدبير مع نقص القوة ونقض سنة العدل، إلى أن صار الحكم لمقدمي الفلاحين ورؤساء العشران، وصار الأعيان منهم يظهرون الطاعة للسلطان ويبطنون المخالفة والعصيان، ويستخرجون الأموال بالظلم والطغيان، ويرضون ببعضها من له في الدولة سلطة، وبما يحملونه للأعوان من الهدايا والأموال، فيسعى لهم ويلبسون التشاريف الملوكية بين يدي الملك والأمير والسلطان، فيصير كل واحد منهم في بلده وإقليمه إذا عاد إليه ذا قوة وسلطان، وسطوة وأعوان، وإقطاعات ونعم وديوان.
قلنا: وهذا الاختلاف الدائم بين قيس ويمن كان يقوى ويضعف بحسب الوازع، فإذا وفقت الديار إلى حاكم يسوي بينهم ويعدل فيهم تسكن نغمة القيسي واليماني، وإلا فيتقاتلون ويخربون العمران ويقتلون الإنسان. وكانت هذه النغمة شديدة في أرض دون أُخرى من أرض الشام، فقد كانت في القديم في حمص حتى ضرب المثل بها فقالوا: أذلُّ من قيسي بحمص وذلك أن حمص كلها لليمن ليس بها من قيس إلا بيت واحد. ثم كانت ترى آثارها في حوران ولبنان وربما انتقلت نغمتها من حوران منذ جلاء كثير من الأسر المسيحية إلى جبل لبنان وبقيت في هذا الجبل إلى القرن الماضي ثم اضمحلت.
وفي هذه الأثناء ركب عسكر طرابلس على النائب وقتلوا من أمراء طرابلس جماعة، وركب مماليك نائب حماة مع عسكر حماة وأرادوا قتله فهرب إلى دمشق، فوقعت الفتنة. ولما تحقق برقوق أن المملكة افتتنت خاف وأمر نائب القلعة بمصر بأن يضيق على الخليفة ويمنعه من الاجتماع بالناس، وكان مسجوناً بالقيد في برج القلعة، وأصدر أمره بالتضييق على السادة أولاد السلاطين في دور الحرم، ووصلت التجريدة من مصر إلى دمشق والتقى عسكر مصر مع عسكر يلبغا الناصري فأوقعوا معه بظاهر دمشق واقعة عظيمة حتى جرى الدم بينهم وقتل من الفريقين كثيرون، فانكسر عسكر السلطان وانتصر عليهم يلبغا، ثم جيش يلبغا وساق جيشه إلى مصر فالتف أكثر أمراء مصر عليه وقاتل قليلاً حتى اضطر السلطان برقوق إلى ترك سرير السلطنة وأُعيد الملك الصالح أمير حاج بن الأشرف شعبان سلطاناً على مصر والشام، وأخذ الظاهر برقوق إلى قلعة الكرك فسجن فيها ثم انتدبوا لقتله رجلاً فقتل الرجل، واستولى برقوق على القلعة بعد أن قاسى من المحن أمراً عظيماً، وأتاه مماليكه الذين كانوا بقوص وقتلوا واليها والتحقوا به، والتف عليه العربان وقصد دمشق فجاءه نائب غزة في خمسة آلاف
مقاتل فأوقعوا مع الظاهر برقوق وقعة عظيمة انكسر فيها نائب غزة، فنهب عسكر برقوق عسكر غزة فتقووا بتلك الغنيمة، وكان الظاهر كلما مر بقرية يخرج إليه أهلها ويلاقونه ومعهم العلف والضيافة، ولما بلغ برقوق قرية شقحب خرج إليه عسكر دمشق فتقاتلوا فقتل من أمراء دمشق ستة عشر أميراً، ومن المماليك نحو خمسين مملوكاً، وقتل من عسكر برقوق نحو ذلك.
وصادف أن خرج عن الطاعة كمشبغا الحموي نائب حلب واستولى أبناء اليوسفي على قلعة صفد وهو من جماعة الظاهر فقويت شوكته ودخل الظاهر برقوق دمشق، ونزل في الميدان فكبس عليه أهل دمشق وأخرجوه من المدينة إلى ظاهر البلد، لأن بعض مماليكه عبث ببعض السوقة وأخذ منه شيئاً من البضائع بالغصب فاستغاث ذلك السوقي فحضر إليه جماعة وتعصبوا له فاستطال ذلك المملوك وضربهم فرجمه أهل دمشق، فرمى المماليك على عوام دمشق بالنشاب، وتكاثرت على المماليك العوام بالحجارة والمقاليع،